المنشورات

علي بن أبي طالب والمؤذن

وكان لعلي بن أبي طالب، عليه السلام، جارية تدخل وتخرج، وكان له مؤذن شاب، فكان إذا نظر إليها قال لها: أنا، والله، أحبك، فلما طال ذلك عليها أتت علياً، عليه السلام، فأخبرته، فقال لها: إذا قال لك ذلك، فقولي: أنا، والله، أحبك، فمه. فأعاد عليها الفتى قوله، فقالت له: وأنا، والله، أحبك، فمه. فقال: تصبرين ونصبر، حتى يوفينا من يوفي الصابرين أجرهم بغير حساب. فأعلمت علياً، عليه السلام، فدعا به فزوجه منها، ودفعها إليه.
وأنشدني أبو عبد الله الواسطي لنفسه في هذا المعنى:
كم قد ظفرت بمن أهوى، فيمنعني ... منه الحياء، وخوف الله، والحذر
وكم خلوت بمن أهوى، فيقنعني ... منه الفكاهة، والتحديث، والنظر
أهوى الملاح، وأهوى أن أجالسهم، ... وليس لي في حرام منهم وطر
كذلك الحب لا إتيان معصية، ... لا خير في لذة من بعدها سقر
ومثل ذلك قول الآخر:
تفنى اللذاذة ممن نال صفوتها ... من الحرام، ويبقى الإثم والعار
تبقى عواقب سوء من مغبتها، ... لا خير في لذة من بعدها النار
ومما أستحسنه في العفة، أيضاً، ما أنشدنيه أحمد بن يحيى ثعلب لبعض نساء العرب:
وبتنا خلاف الحي لا نحن منهم، ... ولا نحن بالأعداء مختلطان
وبتنا يقينا ساقط الطل والندى، ... من الليل، بردا يمنة عطران
نذود بذكر الله عنا من الصبى، ... إذا كاد قلبانا بنا يردان
ونصدر عن ري العفاف، وربما ... نفينا غليل النفس بالرشفان
وأنشدني أحمد بن يحيى ثعلب:
أحبك لا من ريبة كان بيننا، ... ولا نسب بيني وبينك شابك
أحبك إن خبرت أنك فارك، ... لعمري إني مولع بالفوارك
أحب فتاة أن تشاغب زوجها، ... وإن لم أنل من وصلها غير ذلك
قال أبو الطيب: الفارك المبغضة لزوجها، يقال: قد فركت المرأة زوجها، تفركه، إذا أبغضته، وهي فارك، والرجل مفروك. ومثله قول الحسين بن مطير:
أحبك يا سلمى، على غير ريبة، ... وما خير حب لا تعف سرائره
ومثله أيضاً قول الآخر:
أتأذنون لصبٍَ في زيارتكم، ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يفعل السوء إن طال الجلوس به، ... عفُّ الضمير، ولكن فاسق النظر
وقال محمود الوراق:
إني أحبك حباً لا لفاحشة، ... والحب ليس به في الله من باس
وأنشدني بعض الأدباء قال: أنشدني أعرابي ببلاد نجد:
ويوم كإبهام الحبارى قطعته ... بمقمعة، والقوم فيهم تحرف
إذا ما هممنا صد زي نفوسنا، ... كما صد من بعد التهمم يوسف
قال أبو الطيب: قوله كإبهام الحبارى، يريد نهاية ما يكون من القصر وأنشدني آخر:
ما الحب إلا قبلٌ، ... وغمزُ كف، وعضد
أو كتب فيها رقى، ... أنفذ من نفث العقد
ما الحب إلا هكذا، ... إن نكح الحب فسد
من لم يكن ذا عفة، ... فإنما يبغي الولد
ومن ذلك قول بثينة لجميل، وقد قال لها: هل لك يا بثينة أن نحقق قول الناس فينا؟ فقالت له: مه، دع حبنا مكانه، إن الحب إذا نكح فسد.












مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید