المنشورات

كيف يكون العاشق

ومن عشق عندهم، فلم ينحل جسمه، ولم يطل سقمه، ويتبين الخشوع في حركته، والذل في نغمته، نسبوه إلى فساد الطبع، ونقصان اللب، وبعد الفهم، وموت القلب. ومن ادعى المحبة، فلم ينحل، ولم يسهر، ولم يخشع، ولم يذل، ولم يخضع، ولم يحمل نفسه على الأمور المتعبة والشدائد الفظيعة، ويركب فيها المراكب الوعرة، ويتقدم على الأشياء المهولة والأهوال المخوفة التي يلاقي فيها الموت، ويعاين فيها الفوت، ويباشر فيها الهلكة، ويغرر فيها بالمهجة، ويصبر منها على حتفه، ويخاطر بنفسه، ويرد الموارد التي يلاقي فيها الموت ويشرف منها على مهول الأمر الذي فيه تلفه وحينه، وحتى يعصي في هواه الأقارب، ويعالج فيه العجائب، فيكون كما قال العرجي:
كم قد عصيت إليك من متنصح، ... داني القرابة، أو وعيد أعادي
وتنوفة أرمي بنفسي عرضها ... شوقاً إليك، بلا هداية هادي
وكما قال سويد بن أبي كاهل:
كم جشمنا دون سلمى مهمهاً، ... نازح الغور، إذا الآل لمع
وكذاك الشوق ما أشجعه، ... يركب الهول، ويعصي من وزع
فليس بعاشق عندهم، ولا يثبت له اسم الهوى، ولا يلحق بالظرفاء، ولا يعد في الأدباء، لأن الهوى عندهم في النحول، والذهول، والضنى، والعناء، والأرق، والقلق، والسهر، والفكر، والذل والخضوع والانكسار والخشوع وإدمان البكاء وقلة العزاء، وكثرة الأنين وطول الحنين، وليس بعاشق من خرج عن هذه الصفات، وانتقل من هذه الحالات، أو وسيم بغير هذه العلامات، وعرف بغير هذه الدلالات.
أنشدني بعض الأدباء:
علامة من كان الهوى في فؤاده، ... إذا ما لقي أحبابه يتحيروا
ويصفر لون الوجه بعد احمراره، ... فإن حركوه للكلام تشورا
أنشدني أبو الحسن بن الرومي:
أرى ماء، وبي عطش شديد، ... ولكن لا سبيل إلى الورود
أما يكفيك أنك تملكيني، ... وأن الخلق كلهم عبيدي
وأنك لو قطعت يدي ورجلي، ... لقلت، من الهوى: أحسنت، وزيدي















مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید