المنشورات

من مات من شدة الفقد وتضعضعت أعضاؤه من شدّة الوجد حكايات عمن قتلهم الحبّ

حُكي لنا عن إسحاق بن إبراهيم عن الهيثم بن عَديّ، عن هشام بن حسّان، قال: حدثنا رجلٌ من بني تميم قال: خرجتُ في طلب ناقةٍ لي فورّدت على ماء من مياه طيء، فإذا بعسكرين، أحدهما قريبٌ شابٌّ مدنَفٌ قد نهكته العلة فهو كالشنّ البالي، فدنوت لأعرف خبره، فسمعته وهو يقول:
ألا ما للمليحة لا تعود، ... أسُخطٌ بالمليحة ألأم صُدودُ
مرضتُ، فعادني أهلي جميعاً، ... فما لك لا تُرى فيمن يعود
فقدتُكِ بينهم فتلفتُ شوقاً، ... وفقْد الإلف، يا سكني، شديدُ
فلو كنتِ المريض لجئتُ أسعى ... إليكِ، ولم ينهنهي القعود
قال: فسمعتْ كلامه، فبادرت نحوه، وبدرتها النساء، فتعكّفن بها، فأحسّ بها، فوثب مبادراً نحوها، فحبسه الرجال، فجعلَت تجذب نفسها من النساء، ويجذب نفسه من الرجال، حتى التقيا، فاعتنقا، وبكّينا، ثم شهقا فخرّا ميّتين.
فخرج شيخٌ من بعض الأخْبية فوقف عليهما، فاسترجع، ثم قال: رحمكما الله، أما والله لقد كنت لم أجمع بينكما في حياتكما، لأجمعنّ بينكما بعد موتكما! فأمر بهما، فكُفّنا في كفَنٍٍ واحد، ودُفنا في قبر واحد، فسألت عنهما فقال: هذه بنتي، وهذا ابن أخي، بلغ بهما الحب ما ترى.
ومن ذلك أيضاً ما حُكي عن إسحاق الرافقي قال: كنت في مجلس بالرقّة في عدةِ من الظرفاء وجماعة من القيان، ومعنا فتىً كأهيأِ من رأيت من الفتيان، وعليه ذلّة الهوى، يُديم الأنين والبكاء، فتغنّت إحداهنّ:
إني لأبغض كل مصطبرٍ ... عن إلفه في الوصل والهجْرِ
الصبر يحسُن في مواطنه، ... ما للفتى المحزون والصبر
فنظر إليها الفتى، وتبادرت عبراته، ثم وثب على قدميه ووضع يده على رأسه وقال:
غداً يكثر الباكون مِنّا ومِنكم، ... وتزداد داري من دياركم بُعدا
ثم رمى بنفسه، فسقط مجدَّلاً من قامته، فوثبنا إليه فحملناه ميتاً.















مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید