المنشورات

العامرية ووفاؤها

ومن حُسن وفائهن أيضاً ما رواه الهيثم بن عَديّ، فإنه كان في بني عامر بن صعصعة امرأةٌ توفي عنها زوجها، ولها ابنا عمّ، فصارا إلى بعض شيوخهم، فقالا له: فلانة جاريةٌ شابةٌ، والقالة إلى مثلها سريعةٌ، فوجّه إليها فلتحضرْ، واعرِض عليها أيّنا أهوى إليها، حتى يتزوجها. فوجه الشيخ إليها، فأتته، فعرض عليها مقالتهما. فأطرقت مليّاً تنكُتُ الأرض، حتى حفرت فيها حفيرةً، وملأتها من دموعها. وكان زوجها دُفن بمقبرةٍ تدعى بحَوضى، فالتفتت إلى ابني عمها، وأنشأت تقول:
فإن تسألاني عن هواي، فإنه ... رهينٌ بحوضى، أيها الفتيانِ
وإني لأستحييه، والموت دوننا، ... كما كنتُ أستحييه حين يراني
أهابك إجلالاً، وإن كنتُ في الثرى ... لوجهك يوماً إن يسؤْكَ مكاني
وقامت فانصرفت. فقال: قد رأيتما وسمعتما. فانصرفا، وقد يئسا، ثم لقياها يوماً في المقابر وعليها مُصبَّغاتٌ وحلىً وحُللٌ، فقال أحدهما لصاحبه: ما ترى في أي زيّ خرجت، والله ما أراها إلا متعرّضةً للرجال، هلمّ فلننظر ما تصنع. فقربا منها، فأتت القبر فالتزمته، ثم أنشأت تقول:
يا صاحب القبر يا من كان يؤنسي ... وكان يُحسن في الدنيا مؤاتاتي
أزور قبرك في حَلْيٍ وفي حُلَلٍ، ... كأنني لست من أهل المصيبات
أتيتُ ما كنتَ من قُربي تحب، وما ... قد كان يلهيك في ألوان لذّاتي
ومن يراني يرى عَبرى مفجَّعةً، ... طويلة الحُزن في زُوّار أموات
ثم شهقت فماتت.
ومثل هذا وأشباهه من الوفاء قليل في النساء وهو من وفاتهن عجبٌ، والغدر عليهن أغلب، إذ على ذلك طبع خلقهنُ، وعليه جُعلت بنيتهنّ. وسأصف لك جملة من مكرهنّ لتقف به على غدرهن، إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله.












مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید