المنشورات

زيهن المخالف لزي الرجال في لبس التِّكك والخِفاف والنعال

لُبس النعال الكَنْباتية المُشعَّرة، والمدهونة المخضَّرة، والخِفاف الزَّنانية، والمكسورة، والرهاوية، والتِّكك الإبريسَمية، والرجال يَشركونهن في التّكك الإبريسَمية، ولا يَشركن الرجال في التِّكَك الديباج المنسوجة، وشَرّابات الإبريسَم المفتولة، والزنانير العِراض، ولا يَذهبن في ألوانها إلى البياض، ولا ما كان كمها كثيرَ الألوان والتخطيط، ويتطيّرن من الألوان، وقد يلبسن أيضاً التِّكك الخزّيّة والمُطْرفة القُطنية.
ومن زيّهن أيضاً في الطيب الذي ليس للرجال فيه نصيب استعمال اللَّخالِخ والصّندل، والصَّيّاح والقَرَنفُل، والساهرية والأدقال، والمَعجونات، والزعفران، والخَلوق، وماء الخَلوق، والكافور، وماء الكافور، والمُثَلَّثة الخَزاشنيّة، والبرمكية السلطانية، وسائر صنوف الأدهان من البنفسج، والزنبق، والبان، إلا أنهن اجتنبن استعمال التُّرْشُتام. والرجال لا يستعملون شيئاً من ذلك، والنساء يستعملن جميع طيب الظُّرفاء، والظرفاء لا يستعملون شيئاً من طيب النساء.
ومن زيّهن المعلوم في لُبس الحَلْي المنظوم لُبس مخانق القَرَنفل المخمَّر، ومراسل الكافور والعنبر، والقلائد المفصَّلة، والمعاذات المُخرَّمة بشرّابات الذهب المشبَّكة، والإبريسَمية المسلسَلة، واتخاذ السَّبَح اللِّطاف من المخروطة الخِفاف، ومثل السَّبَج الحَلِك، والكَوهَر، والكَرك، والبُلُّور النقيُّ، وحَبُّ اللؤلؤ السَّريّ، والحبُّ الأحمر، والكارَبا الأصفرُ، وسائر صنوف الياقوت والجَوهر، وينظمن بالحبّ وصُنوف الجَوهر كرازنَهن، وينقُشن بالإبريسَم والذهب عَصائبهنّ، ويتخذن الخَواتيم المقرَّنة والمناقير المُطبَقة بفُصوص الياقوت الأحمر، والزُّمُرُّد الأخضر، والأسمانجونيّ، والأصفر، ولا يَحسُن بهن التختُّم بالمِينا والعَقيق والفضّة والحديد، والملوَّح والفِيروزَج، والبجاذيّ، والمَسانيح، وذلك من لُبس الرجال والإماء، وليس من لُبس متظرّفات النساء، ولا يتّخذن منها ما ضاق وعَسُر ما جَفا وكبُر، وقد تطيّر بعضُ الظرفاء من هديّة الخاتَم، وزعموا أنه يدعو إلى القَطيعة، وتهاداه آخرون، وأقاموه مَقام التذكِرة والوديعة؛ فأما الذين تطيّ؟ روا منه فيُنشدون:
وما كان هذا الهجر من طول بغضةٍ، ... ولكن بعض المَزح للمَرء قاتلُ
مَزَحتُ، لحَيني، مرّةً بخواتِمٍ، ... لآخذةٍ، حلّت عليّ النَوازلُ
فصدّت، ولم تعلم عليّ خِيانةً، ... وطول صُدود الخلِّ للعقل ساملُ
وينشدون أيضاً:
إني مَزَحْتُ، ولم أعلم بخاتَمه، ... فكان منه ابتداءُ الهَجر والغَضَبِ
قد كنتُ ما قال أهلُ الظّرف أُنكره ... وكان قولُهُم عندي من اللعِبِ
إن الخَواتيمَ فيها قطعُ مَصلكُمُ، ... فقلتُ: هذا لعَمْري غايةُ الكَذِبِ
حتى ابتُليتُ، فكان الحقّ قولهُمُ، ... أخذُ الخَواتيمِ فيه أكثرُ العَطَبِ
وأنشدني صديقٌ لي في ضدّ ذلك:
يقول أناسٌ في الخواتيم إنها ... تُقطِّع أسبابَ الهوى؟ وأقولُ
بأنّ خَواتيم المِلاح وَصولةٌ، ... وخاتَمُ من تَهوى المِلاحُ وَصولُ
والعِلّة فيما كَرِهَه الظرفاء، وتطيّر منه الأدباء، من هديّة التِّكّة والخاتَمِ، حتى صار مستفيضاً في العالم أن هذين وحدهما من جميع اللباس إنْ يُستطرَفا فيُستلبا، ويُستحسنا فيُستَوهَبا، وأن الواحدَ إذا أهدى إلى خليله، وأرسل إلى حبيبه بخاتَمه، أو تِكّته، ففُقد ذلك من يده أو حَوزته، بعثه باعث من غَيرته على قَطيعته وهجرته، فأما من يَتَلقّى هدية إخائه بالقَبول، ويُنزلها منه بالمنزل الجليل، ويحفظّها كحفظه لبصره، ويُشفق عليها من الدهر وغيره، فهو آمنٌ من المُجانبة، مستريحٌ من المعاتبة، وقد رأيناهم ربما أهدّوا ذلك فيُهدونه على سبيل البيع، ويأخذون منهم الشيء الطفيف اليَسير، كالدرهم الصغير، والقِطعة من البَخور، فيُخرَجُ بهذا البيع عن حدّ الهديّة، ويأمنون ما فيه من مكْروه البليّة. وقد بلغني أن أبا نُواس دخل على خالد خَيْلَوَيه، فنظر في إصبعه إلى خاتَم، فقال: أرنيه، فدفعه إليه، وكان علامةً بينه وبين جاريةٍ يُحبّها، فانصرف،فاستعمل واحداً على مِثاله، ثم بعث به إليها، فأنكرتِ الفَصَّ، فبعثت به إليه، ولن تأته، فدخل على حِياله، فلما رآه مَثلَ بين يديه، وأنشأ يقول:
تفديك روحي، يا أبا جعفر، ... جاريةٌ كالقمر الأزهرِ
تعلّقَتْني، وتعلّقتُها، ... طِفلين في المَهدِ إلى المَكْبَرِ
كنتُ إليها نتهادى الهوى ... بخاتَمٍ لي غير مُستنكَرِ
فأنكرَتْهُ إذ رأت فَصَّهُ، ... فأدركتها غَيْرةُ المُنكِرِ
قالت: لقد كان له خاتَمٌ ... أحمرُ أهداه إلينا سَري
فاليوم قد عُلّقَ غيري، فقد ... أهدى له الخاتَمَ، لا أمتري
آمنتُ بالله وآياته ... إنْ أنا لم أهجُرْهُ، فليَصْبِرِ
أو يأتِ بالحُجّة في تُهمتي ... إياه في خاتَمه الأحمر
فاردُدْهُ تردُدْ وصلَها، إنها ... قُرّةُ عيني، يا أبا جعفرِ
فأخرجه من إصبعه فدفعه إليه. فهذا دليل على إجازة تَهادي الخواتيم، وحفظها لأربابها، وشدة الغضَب والغَيرة عند ذهابها.
فأما الطعام فعيوبه أشدّ الأشياء على الظُّرفاء ضَرراً، وهم من عيوبه أشدّ توقّياً وحذراً، لتكاثُف عيوبه، وكثرة مَعيبه، وأنا أبيّن لك زِيَّهم في ذلك، وما استحسنوه في ذلك واستعملوه، وما استقبحوه فاجتنبوه، إن شاء الله.












مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید