المنشورات

الأشعار وتكاتب به ذوو الظرف والأخطار

أنشدني بعض الأدباء:
هذا كتابُ متيَّمٍ ... خطّت إليك أناملهْ
مزَج المِداد بدمعه ... فبكتْ عليه عَواذلُهْ
أنت الطبيب فداوِهِ ... يا مُبتليهِ، وقاتلُهْ
وقال آخر:
هذا كتاب فتىً له هِممً ... عطفَت إليكَ رجاءه هِمَمُهْ
غَلَّ الزمان يَدي عَزيمته ... ورمى به من حالقٍ قَدَمُهْ
أفضى إليكَ بسرّه قلمٌ ... لو كان يَعقُلُهُ بكى قَلَمُهْ
وقال آخر:
هذا كتابي بدمعِ عيني ... أملاه قلبي على بَناني
إلى غزالٍ كَنَيتُ عنه ... يَجِلّ عن اسمه لساني
وقال آخر:
هذا كتاب أخي هوىً وصبابةٍ ... لا يستطيع لِما به كِتمانا
لاقَ الدّواة بعَبرةٍ مسفوحةٍ ... كانت لمُضمَر لاعجٍ عُنوانا
قَرِحَ الفؤادُ تَعوده أشجانه ... لمّا به بَخِلَ الطبيب وخانا
وقال آخر:
هذا كتاب مُتَيَّمٍ ... يشكو الصَّبابة في كِتابهْ
فاردد عليه جوابه ... كي يستريح إلى جَوابِهْ
لو كان ينطق ذا الكتا ... بُ شكا إليك عظيم ما بِهْ
وقال آخر:
هذا كتابُ فتىً شكا سَقَماً ... الِف السُّهاد فشفّه سَقَمُهْ
يبكي عليه جلإون مُقلته ... عدد الحروف وقد بكى قَلَمُهْ
لولا مُراقبةُ العدوّ ومن ... أضحى من الرُّقباء يتّهمُهْ
لبكى علانيةً وقال لهم ... بَرِح الخَفاء وباح مُكتَتَمُهْ
وقال آخر:
هذا كتابي إليكَ أشكو ... إن لم تجُدْ لي فما احتيالي
كتبتُ أشكو إليكَ ما بي ... ممّا أقاسي فما تُبالي
يا حَسَن الوجه كُن شَفيعي ... إليكَ إنْ لم أبُح بحالي
ما ذكر القلبُ منك شيئاً ... إلا تمثّلتَ لي حِيالي
وقال آخر:
هذا كتابي فتىً لغَيبِكَ حافظٍ ... صَبٍّ بذكرك مُستهامٍ مُدنَفِ
إنْ غبتَ آنسَ طرفه بدموعه ... وإذا أصابك طرْفُهُ لم يَطرِفِ
وقال آخر:
هذا كتاب أهي هوىً مشتاقٍ ... قَرِحِ الجُفون بدمعه المُهراقِ
أملى هواه على بَنان يمينه ... فأبان كيف مَصارع العُشّاق
وكأنه يُنبي بما في نفسه ... من طول شَوقٍ واكتئابٍ باقِ
وقال آخر:
هذا كتاب مُتيَّمٍ مشتاقٍ ... يشكو إلى مستظرَفٍ ذَوّاقِ
أهدى له الهجران بعد تواصُلٍ ... وكذاك فعل الخائن المَذّاقِ
ما هكذا فعلُ الكِرام فأجملي ... وتحرّجي أن تَنقضي ميثاقي
وارْثي لصبٍّ هائم قد شفّه ... طول النحيب وشدّة الإقلاقِ
وأنشدني إبراهيم بن محمد لنفسه:
هذا كتاب متيَّمٍ في قلبه ... نارٌ تَضَرَّمُ بُكرةً وأصيلا
فإذا قرأتَ كتابه فاجعل له ... بعد الصُّدود إلى الوِصال سبيلا
فلقد تركتَ فؤاده في غَمرةٍ ... وتركتَ في الأحشاء منه غَليلا
ولقد تبرّم بالحياة وطُولها ... وعسى مَداه أن يكون قليلا
لا تُغرين به رَداهُ وحَينَهُ ... حاشاك أن تُردي يَداك قَتيلا
حاشاك من قَلَقٍ أطارَ رُقاده ... فأبى الرُّقادَ فما يَلَذُّ مَقيلا
وأنشدني أيضاً لنفسه:
هذا كتابي إليكَ فاقرأ ... كتاب ذي صَبوةٍ عَميدِ
أقلقه شوقه المُعنيّ ... وهدَّه لوعةُ الصُّدودِ
لكنّه في الظلام يبكي ... بُكاءَ ذي الفَقدِ للفقيدِ
إن كنتَ غضبان فارضَ عني ... رِضى الموالي عن العبيدِ
ولأبي الطيّب في هذا المعنى:
هذا كتابي إليكَ فاقرأ ... كتابَ من شفّه السَّقامُ
وارثِ لسُقمي وطول صبري ... فقد وَهَت منّي العِظامُ
ولا تُرِد قتلتي وهجري ... فقتلُ حِلفِ الهوى حَرامُ
وقال آخر:
أثَرُ المَحو في سُطور كتابي ... شاهدٌ لي بعبرةٍ وانتحابِ
وبكائي يدُلّ أني سقيمٌ ... خاضعٌ للهوى طويلُ العذابِ
أنا بين الرجاء واليأس وقفٌ ... لستُ أدري بما يكون جوابي
فإذا اشتقتُ أن أراك أنادي ... فرجَ الله لي من الحُجّابِ
وقال آخر:
غضِبَتْ لمَحوٍ في الكتاب كثير ... قالت أراد خِيانتي وغُروري
كتب الكتاب على خلاف ضميره ... والمحوُ فيه لعلّة التغييرِ
ما كان دمعي للغُرور وظنّكم ... كلاًّ ولا للسهو والتقصير
كَتَبَتْ يميني والدموع هواطلٌ ... حَذَرَ الفِراق لما يُجَنّ ضميري
فالمحوُ من قِبلِ الدموع وإنما ... تَجري دموع العاشقِ المهجورِ
وقال آخر:
ما زِلتُ أبكي وفي يدي قلمٌ ... حتى استهلّت مدامع القَلَمِ
أكتُمُ وَجدي والدمع يُظهره ... بواكفٍ كالجُمان منسَجِمِ
ما زلتُ خِلواً من الهوى فلقد ... عذّبني من هويتُ بالسَّقمِ
يا سيّداً تاهَ ما يُكلّمني ... نِمتَ وعينُ الشجيّ لم تَنَمِ
أنا قتيلُ الهوى وميّتُهُ ... لا عَذّب الله قاتلي بدمي
وقال آخر:
إني رفعتُ إليكِ قصة عاشقٍ ... ورجوتُ عدلك فانظُري في قصتي
ولقد كتبتُ ودمع عيني ساكبٌ ... فإذا قرأتِ فأحسني وتثبّتي
إن الدموع تفجّرت فتحدّرتْ ... منها فنونٌ في صفات مودّاتي
لا فَرَج الله الصبابة والهوى ... عني، ولا زالت عليكِ مضجَنّتي
وقال آخر:
أما الرسول فقد مضى بكتابي ... يا ليتَ شِعري ما يكون جَوابي؟
وتعجّلَت روحي الظنونَ وأُشربَتْ ... طمعَ الحريص ةخشيةَ المُرتابِ
وقال آخر:
أسأل الله خير هذا الكتاب ... قد أتاني برحمةٍ وعذابِ
أشتهي فَكّهُ فأفرَقُ منهُ ... ففؤادي مفرَّقُ الأسبابِ
وقال آخر:
كتابُ صبٍّ بدمع عينٍ ... يُمِلُّهُ قلبه الكئيبُ
يكتبه كفه بضعفٍ ... وما لها في الهوى نصيبُ
وقال آخر:
أما الكِتاب فقد مضى وأمامه ... خوفَ الرقيب وسَطوةُ الحُجّابِ
طلبَ الجواب فأحسِنوا في وُدّكم ... لا تبخلوا عني بردّ جَوابِ
هل تُنقذون متيَّماً ذا صبوةٍ ... أضحى أسير تذكُّرِ وتصابي؟
جودوا عليه برحمةٍ وتعطُّفٍ ... فلقد أطلتُم بالصُّدود عَذابي
أما الكِتاب فمن كئيبٍ عاشقٍ ... كَلِفِ الفؤاد مواصَلُ الأوصابِ
لكنه غادٍ إلى ذي سَلوةٍ ... متعتِّبٍ في غير كُنهِ عِتابِ
وقال آخر:
لولا الكتابُ الذي جاء الرسول به ... من الحبيب لذاب القلب واحترقا
جاء الرسول على يأسٍ بموعده ... وقد قضيتَ فأحيا لي به رَمَقا
وقال آخر:
صِليني بالكتاب وبالسلام ... وزوري زَورةً في كل عامِ
وجودي بالكتاب وعنونيه: ... إلى الصبّ الكئيب المُستهامِ
من الشمس المُنيرة يوم دجنٍ ... وبدرٍ لاح من بين الغَمامِ
وناحلةٍ فديتُكِ يا مُنايَ ... أماناً للفؤاد من الغرامِ
وقال آخر:
كتبت إليّ يا روحي كتاباً ... فوافق مُنيتي وبُلوغَ سُولي
ولولا العيب هِمتُ إليك لمّا ... تناولتُ الكتاب من الرسولِ
مخافةَ نظرةٍ من عين واشٍ ... وتشنيعِ المَقالةِ بالخليلِ
وقال آخر:
لم يزِدني الكتابُ إلا اشتياقاً ... واشتعالاً من الهوى في ضميري
بأبي أنتٍِ يا حبيبة قلبي ... ومُناي وغايتي وسُروري
وأنشدني أبو عبد الله الواسطي لنفسه:
كتبتَ إليّ تذكُرُ ما تُلافي ... من الشوق المبرِّح والفُراقِ
لعمرُك ما اتّهمتُك في ودادٍ ... ولكن لم تُلاقِ كما أُلاقي
فؤادي هائمٌ والعينُ تذري ... دموعاً تستهلُّ في المآقي
وقد ذقتُ الفِراق وكان مُرّاً ... كريهاً طعمه عند المَذاقِ
على أني وإن أبديتُ صبراً ... على حدّ الصبابة غيرُ باقِ
وقال آخر:
قولا لمن كتب الكتاب بكفّه ... ارحَم فديتُك ذلّتي وخُضوعي
ما زِلتُ أبكي مذ قرأتُ كِتابها ... حتى محوتُ سُطوره بدموعي
وقال آخر:
الدمع يمحو ويدي تكتُبُ ... عنِ الهوى وامتنعَ المَطلَبُ
أمارَ خَدَّي قمرٍ زاهرٍ ... إليه من زهرته المذهَبُ
لقد براني سَقَمٌ قاتلٌ ... وهدّ جِسمي دَنَفٌ مُنصِبُ
وقال الحسن بن وهب:
يا مُنايَ وسروري ... جُهدنا غيرُ يَسيرِ
والذي نشكوه في الكت ... ب قليلٌ من كثيرِ
لم تُطقْ ألسنُنا من ... وصفه عُشر عَشيرِ
فثقي يا بأبي أن ... تِ بمكنون الضمير
ثمّ قولي مطلعَ الجو ... زاء والشِّعرَى العَبور:
حفظَ الله فتىً با ... ت لها خيرَ سَميرِ
ولبعض المحدثين:
من الوَهم من آثار قبرٍ مُسَنَّمِ ... وهامِ ثرى قبر القتيل المتيَّمِ
ومن طللٍ للشوق لم يعفه البِلى ... ونُؤْيِ وفاءٍ ليس بالمتهدِّمِ
إلى زينة الدنيا ومُنية أهلها ... وأحسن من يزهو بطرفٍ وميسَمِ
وأملحِ خلقِ الله قدّاً وصورةً ... ودَلاًّ وإدلالاً على حُبّ مُغرَمِ
سلامٌ على من شَفّني وأذابني ... وأسكن قلبي كُلّ وجدٍ ومألمِ
ووكّلني بالنجم أرعى أُفوله ... وأندبُهُ بالدمع طَوراً وبالدمِ
وأحمدُ من أبلى شبابي بحبّكم ... على البؤس والسرّاء حين التننعُّمِ
وبعد فقد والله يا سولَ عبدِها ... ومَولاتَه أنضجتِ أحشاي فاعلمي












مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید