المنشورات

ما يكتب على أواني الفضة والذهب ومدهون الصيني المُذهّب

قال العباس بن الفضل بن الربيع: حدثني أبي قال: رأيتُ على صينيّةٍ بين يَدَي المأمون مكتوباً فيها:
لا شيء أملحُ من أيّام مجلسنا ... إذ نجعلُ الرُّسل فيما بيننا الحَدَقا
وإذا جوانحنا تُبدي سرائرنا ... وشكلُنا في الهوى تَلقاه متّفقا
ليتَ الوُشاة بنا والعاشقين لنا ... في لُجّةِ البحر ماتوا كلُّهُم غَرَقا
أو ليت من ذمّنا أو عابَ مجلسنا ... شُبّت عليه ضِرام النار فاحترقا
وأخبرني بعض الكُتّاب أنه قرأ على صينية بين يَدَي الحسن بن وهْب مفصَّلةٍ بالفصوص بألوان شتّى:
من كان لا يزعمُني عاشقاً ... أحضرتُهُ أوضحَ بُرهانِ
إني على رَطْلين أُسقاهما ... أروحُ في أثواب سَكرانِ
وكنتُ لا أسكرُ من تسعةٍ ... يتْبَعُها رَطْلٌ ورَطْلانِ
فصار لي من غَمَرات الهوى ... والسُّكر سُكرانِ عَجيبانِ
والشعر للحسن بن وَهْب.
وكتب بعض الظرفاء على صينيّة له صينيّ:
حُثَّ الندامى بعاجل النُّخَب ... وحُثّ كأسَ الندمان يا بأبي
إنْ لم تُدِرْها والكأسُ مُترعةٌ ... حتى تُميتَ الهُموم لمْ تَطِبِ
وكتب آخر على صينية له:
قد قُلتُ لما صبا بيَ اللعب ... وباكرتْني الشَّمول والطربُ
وكتب آخر على قضيب مدهون:
أصبحتُ يُشْبِهُني القضيبُ ... وأنتَ يُشْبِهُكَ القضيبُ
غُصنان إلاّ أنّ ذا ... بالٍ وذا غُصنٍ رَطيبُ
وقرأت على مِذبّةٍ لبعض الكتّاب:
تعلّمتُ أنواع الرضى خوفَ سُخطه ... وعلّمه حُبّي له كيف يغضبُ
ولي ألفُ وجهٍ قد عرفتُ طريقَهُ ... ولكنْ بلا قلبٍ إلى أين أذهبُ؟
وعلى أخرى:
دلّ البكاء على عيني فأرّقها ... ظبيٌ يُطيل البكا من ظلّه فَرَقا
لو مسّ غُصناً من الأغصان مُنجرِداً ... لاخْضرّ في كفّه واستشعر الوَرَقا
وأخبرني أبو جعفر القارئ قال: أخبرني من قرأ على مِروحةٍ بيتين للقَطامي:
قد يُدرك المُتأنّي بعض حاجته ... وقد يكون مع المستعجِلِ الزَّلَلُ
وربّما فات بعضَ القوم أمرهُمُ ... مع التأنّي وكان الحَزْم لو عَجِلوا
قال: فحضرني بيتان، فكتبتُ على الجانب الآخر:
لا ذا ولا ذاك في الإفراط أحمدُهُ ... وأحمدُ الأمر ما في الفِعلِ يَعتدِلُ
إفراطُ ذا في التأنّي فوتُ حاجته وليس يَعدمُ عَثراً دونها العَجَلُ
وقرأتُ على مِروحة لبعض الظرفاء:
مُحتمِلٌ، حسبك لي، ساعةً ... ذاكَ إذا أجهدكَ الحَرُّ
غيرُكَ مني طالبٌ مثل ما ... تطلُبُهُ يا أيها الحُرُّ
وكتب بعض الأدباء على مِروحة:
إنّ روحَ الحياة في ... حركات المَراوحِ
كم بَنانٍ لطيفةٍ ... من ظِباءٍ سَوانحِ
حرّكتْها فنفّست ... عن خدودٍ رواشِحِ
وقرأت على قوس جَلاهِق مكتوباً بالذهب:
بينما الطيرُ في الهوى يتكفّى ... إذ سقيناهُ جُرعةَ الموت صِرفا
ونزعْنا من القرين قريناً ... وجعلنا هناك بالإلفِ إلفا
وكتبتُ على قوسٍ أهديتُها بعض إخواني:
لمّا رأيتُ الطير عالي المُرتقى ... هيّأتُ قوساً يا لها وبُندُقا
ثم غَدَونا إذ غَدَونا حَلَقاً ... فلم يَحُمْ حتى هوى ممزَّقا












مصادر و المراجع :      

١- الموشى = الظرف والظرفاء

المؤلف: محمد بن أحمد بن إسحاق بن يحيى، أبو الطيب، المعروف بالوشاء (المتوفى: 325هـ)

المحقق: كمال مصطفى

الناشر: مكتبة الخانجي، شارع عبد العزيز، مصر - مطبعة الاعتماد

الطبعة: الثانية، 1371 هـ - 1953 م


تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید