المنشورات

ماسويه أَبُو يوحنا

قَالَ فثيون الترجمان أَن ماسويه كَانَ يعْمل فِي دق الْأَدْوِيَة فِي بيمارستان جندي سَابُور وَهُوَ لَا يقْرَأ حرفا وَاحِدًا بِلِسَان من الْأَلْسِنَة إِلَّا أَنه عرف الْأَمْرَاض وعلاجها وَصَارَ بَصيرًا بانتقاد الْأَدْوِيَة فَأَخذه جِبْرَائِيل بن بختيشوع فَأحْسن إِلَيْهِ وعشق جَارِيَة لداود بن سرابيون فابتاعها جِبْرَائِيل بثمانمائة دِرْهَم ووهبها لماسويه ورزق مِنْهَا ابْنه يوحنا وأخاه ميخائيل
وَقَالَ إِسْحَق بن عَليّ الرهاوي فِي كتاب أدب الطَّبِيب عَن عِيسَى بن ماسة إِن ماسويه أَبَا يوحنا كَانَ تلميذا فِي بيمارستان جندي سَابُور ثَلَاثِينَ سنة فَلَمَّا اتَّصل بِهِ مَحل جِبْرَائِيل من الرشيد قَالَ هَذَا أَبُو عِيسَى قد بلغ السها وَنحن فِي البيمارستان لَا نتجاوزه
فَبلغ ذَلِك جِبْرَائِيل وَكَانَ البيمارستان إِلَيْهِ فَأمر بِإِخْرَاجِهِ مِنْهُ وَقطع رزقه
فَبَقيَ مُنْقَطِعًا بِهِ فَصَارَ إِلَى مَدِينَة السَّلَام ليعتذر إِلَى جِبْرَائِيل ويخضع لَهُ
فَلم يزل على بَابه دهرا طَويلا فَلم يَأْذَن لَهُ
فَكَانَ إِذا ركب دَعَا لَهُ واستعطفه فَلَا يكلمهُ
فَلَمَّا ضَاقَ بِهِ الْأَمر صَار إِلَى دَار الرّوم بالجانب الشَّرْقِي فَقَالَ للقس أكرز لي فِي الْبيعَة لَعَلَّه أَن يَقع لي شَيْء فأنصرف إِلَى بلدي فَإِن أَبَا عِيسَى لَيْسَ يرضى عني وَلَا يكلمني
فَقَالَ لَهُ القس أَنْت فِي البيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة وَلَا تحسن شَيْئا من الطِّبّ فَقَالَ بلَى وَالله أطب وأكحل وأعالج الْجِرَاحَات
فَأخْرج لَهُ صندوقا وَأَعْطَاهُ إِيَّاه ليداوي وَأَجْلسهُ بِبَاب الْحرم عِنْد قصر الْفضل بن الرّبيع وَهُوَ وَزِير الرشيد فَلم يزل هُنَاكَ يكْسب الشَّيْء بعد الشَّيْء حَتَّى حسنت حَاله
واشتكت عين خَادِم للفضل بن الرّبيع فنفذ إِلَيْهِ جِبْرَائِيل بكحالين فعالجوه بأصناف العلاج فَلم ينْتَفع بِهِ وَاشْتَدَّ وَجَعه حَتَّى عدم النّوم
فَلَمَّا اشْتَدَّ أرقه وقلقه خرج من الْقصر هائما من الضجر والقلق
فَرَأى ماسويه فَقَالَ لَهُ يَا شيخ مَا تصنع هُنَا إِن كنت تحسن شَيْئا فعالجني وَإِلَّا فَقُمْ من هَهُنَا
فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي أحسن وأجيد
فَقَالَ لَهُ ادخل معي حَتَّى تعالجني
فَدخل مَعَه وقلب جفْنه وكحله وسكب على رَأسه وسعطه
فَنَامَ الْخَادِم وهدأ
فَلَمَّا أصبح أنفذ إِلَى ماسويه جونة فِيهَا خبز سميد وجدي ودجاجة وحلوى ودنانير ودراهم وَقَالَ لَهُ هَذَا لَك فِي كل يَوْم وَالدَّرَاهِم وَالدَّنَانِير رزقك مني فِي كل شهر
فَبكى ماسويه فَرحا فَتوهم الرَّسُول أَنه قد استقله فَقَالَ لَهُ لَا تغتم فَإِنَّهُ يزيدك وَيحسن إِلَيْك
فَقَالَ لَهُ يَا سَيِّدي رضيت مِنْهُ بِهَذَا إِن يدره على الْأَيَّام
فَلَمَّا رَجَعَ عرف الْخَادِم مَا كَانَ مِنْهُ فَعجب مِنْهُ وبرأ الْخَادِم على يَدَيْهِ
وَلم يمض إِلَّا أَيَّام يسرة حَتَّى اشتكت عين الْفضل فنفذ إِلَيْهِ جِبْرَائِيل الكحالين فَلم يزَالُوا يعالجونه فَلم ينْتَفع بهم فَأدْخل الْخَادِم ماسويه إِلَيْهِ لَيْلًا فَلم يزل يكحله إِلَى ثلث اللَّيْل ثمَّ سقَاهُ دَوَاء مسهلا فصلح بِهِ
ثمَّ حضر جِبْرَائِيل فَقَالَ لَهُ الْفضل يَا أَبَا عِيسَى أَن هَهُنَا رجلا يُقَال لَهُ ماسويه من أفره النَّاس وأعرفهم بالكحل فَقَالَ لَهُ وَمن هَذَا لَعَلَّه الَّذِي يجلس بِالْبَابِ فَقَالَ لَهُ نعم
قَالَ جِبْرَائِيل هَذَا كَانَ أكارا لي فَلم يصلح للكروث فطردته وَقد صَار الْآن طَبِيبا وَمَا عالج الطِّبّ قطّ فَإِن شِئْت فَأحْضرهُ وَأَنا حَاضر
وتوهم جِبْرَائِيل أَنه يدْخل وَيقف بَين يَدَيْهِ ويتذلل لَهُ
فَأمر الْفضل بإحضاره فَدخل وَسلم وَجلسَ بحذاء جِبْرَائِيل
فَقَالَ لَهُ جِبْرَائِيل يَا ماسويه أصرت طَبِيبا فَقَالَ لَهُ لم أزل طَبِيبا أَنا أخدم البيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة تَقول لي هَذَا القَوْل فَفَزعَ جِبْرَائِيل أَن يزِيد فِي الْمَعْنى فبادر وَانْصَرف فِي الْحَال وَهُوَ خجل
وأجرى الْفضل على ماسويه فِي كل شهر سِتّمائَة دِرْهَم وعلوفة دابتين وَنزل خَمْسَة غلْمَان وَأمره أَن يحمل عِيَاله من جندي سَابُور وَأَعْطَاهُ نَفَقَة وَاسِعَة
فَحمل عِيَاله ويوحنا ابْنه حِينَئِذٍ وَهُوَ صبي
فَمَا مَضَت إِلَّا أَيَّام حَتَّى اشتكت عين الرشيد فَقَالَ لَهُ الْفضل يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ طبيبي ماسويه من أحذق النَّاس بالكحل
وَشرح لَهُ قصَّته وَمَا كَانَ من أَمر خادمه وَأمر نَفسه
فَأمر الرشيد بإحضاره فأحضر ماسويه فَقَالَ لَهُ تحسن شَيْئا من الطِّبّ سوى الْكحل فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وَكَيف لَا أحسن وَأَنا قد خدمت المرضى بالبيمارستان مُنْذُ ثَلَاثِينَ سنة فأدناه مِنْهُ وَنظر عَيْنَيْهِ فَقَالَ الْحجام السَّاعَة
فحجمه على سَاقيه وقطر فِي عَيْنَيْهِ فبرأ بعد يَوْمَيْنِ
فَأمر بِأَن يجْرِي عَلَيْهِ ألفا دِرْهَم فِي الشَّهْر ومعونة فِي السّنة عشرُون ألف دِرْهَم وعلوفة وَنزل وألزمه الْخدمَة مَعَ جِبْرَائِيل وَسَائِر من كَانَ فِي الْخدمَة من المتطببين
وَصَارَ نظيرا لجبرائيل بل كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت يحضر بِحُضُورِهِ ويصل بوصوله ودونه فِي الرزق لِأَن جِبْرَائِيل كَانَ لَهُ فِي الشَّهْر عشرَة آلَاف دِرْهَم ومعونة فِي السّنة مائَة ألف دِرْهَم وصلات دائمة وإقطاعات
ثمَّ أَنه اعتلت بانوا أُخْت الرشيد فَلم يزل جِبْرَائِيل يعالجها بأنواع العلاج فَلم تنْتَفع فَاغْتَمَّ بهَا فَقَالَ الرشيد ذَات يَوْم قد كَانَ ماسويه ذكر أَنه خدم المرضى بالمارستان وَأَنه يعالج الطبائع فَلْيدْخلْ إِلَى عليلتنا لَعَلَّ عِنْده فرجا لَهَا
فأحضر جِبْرَائِيل وماسويه فَقَالَ لَهُ ماسويه عرفني حَالهَا وَجَمِيع مَا دبرتها بِهِ إِلَى وقتنا هَذَا
فَلم يزل جِبْرَائِيل يصف لَهُ مَا عالجها بِهِ فَقَالَ ماسويه التَّدْبِير صَالح والعلاج مُسْتَقِيم وَلَكِن احْتَاجَ إِلَى أَن أَرَاهَا
فَأمر الرشيد أَن يدخلا إِلَيْهَا
فَدخل وتأملها وجس عروقها بِحَضْرَة الرشيد وَخَرجُوا من عِنْده
وَقَالَ ماسويه للرشيد يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ يكون لَك طول الْعُمر والبقاء هَذِه تقضي بعد غَد مَا بَين ثَلَاث سَاعَات إِلَى نصف اللَّيْل
فَقَالَ جِبْرَائِيل كذب يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أَنَّهَا تَبرأ وتعيش
فَأمر الرشيد بِحَبْس ماسويه بِبَعْض دوره فِي الْقصر وَقَالَ لأسبرن مَا قَالَه وأنذرنا بِهِ فَمَا رَأينَا بِعلم الشَّيْخ بَأْسا
فَلَمَّا حضر الْوَقْت الَّذِي حَده ماسويه توفيت
فَلم يكن للرشيد همة بعد دَفنهَا إِلَّا أَن أحضر ماسويه فَسَأَلَهُ وأعجب بِكَلَامِهِ
وَكَانَ أعجمي اللِّسَان وَلكنه كَانَ بَصيرًا بالعلاج كثير التجارب فصيره نظيرا لجبرائيل فِي الرزق والنزل والعلوفة والمرتبة وعنى بِابْنِهِ يوحنا ووسع النَّفَقَة عَلَيْهِ فَبلغ الْمرتبَة الْمَشْهُورَة
قَالَ يُوسُف بن إِبْرَاهِيم عدت جِبْرَائِيل بن بختيشوع بالعلث فِي سنة خمس عشرَة وَمِائَتَيْنِ وَقد كَانَ خرج مَعَ الْمَأْمُون فِي تِلْكَ السّنة حَتَّى نزل الْمَأْمُون فِي دير النِّسَاء
فَوجدت عِنْده يوحنا ابْن ماسويه وَهُوَ يناظره فِي علته وجبرائيل يستحسن استماعه وإجابته وَوَصفه
فَدَعَا جِبْرَائِيل بتحويل سنته وسألني النّظر فِيهِ وإخباره بِمَا يدل عَلَيْهِ الْحساب
فَنَهَضَ يوحنا عِنْد ابتدائي بِالنّظرِ فِي التَّحْوِيل فَلَمَّا خرج من الحراقة قَالَ لي جِبْرَائِيل لَيست بك حَاجَة إِلَى النّظر فِي التَّحْوِيل لِأَنِّي أحفظ جَمِيع قَوْلك وَقَول غَيْرك فِي هَذِه السّنة وَإِنَّمَا أردْت بدفعي التَّحْوِيل إِلَيْك أَن ينْهض يوحنا فأسألك عَن شَيْء بَلغنِي عَنهُ وَقد نَهَضَ
فأسألك بِحَق الله أهل سَمِعت يوحنا قطّ يَقُول أَنه أعلم من جالينوس بالطب فَحَلَفت لَهُ أَنِّي مَا سمعته قطّ يَدعِي ذَلِك فَمَا انْقَضى كلامنا حَتَّى رَأَيْت الحراقات تنحدر إِلَى مَدِينَة السَّلَام فانحدر الْمَأْمُون فِي ذَلِك الْيَوْم وَكَانَ يَوْم خَمِيس ووافينا مَدِينَة السَّلَام غَدَاة يَوْم السبت وَدخل النَّاس كلهم إِلَى مَدِينَة السَّلَام خلا أبي الْعَبَّاس بن الرشيد فَإِنَّهُ أَقَامَ فِي الْموضع الْمَعْرُوف بالقلائين من الْجَانِب الغربي بِمَدِينَة السَّلَام وَهُوَ بازاء دَار الْفضل بن يحيى بِبَاب الشماسية الَّتِي صَار بَعْضهَا فِي خلَافَة المعتصم لأبي الْعَبَّاس بن الرشيد
فَكنت وَجَمَاعَة مِمَّن يُرِيد الْمصير إِلَى أبي الْعَبَّاس مِمَّن مَنَازِلهمْ فِي قنطرة البردان ونهر الْمهْدي لَا نجشم أَنْفُسنَا الْمصير إِلَى الجسر ثمَّ الْمصير إِلَى القلائين لبعد الشقة فنصير إِلَى قصر الْفضل بن يحيى ونقف بِإِزَاءِ مضرب أبي الْعَبَّاس وَكَانَت الزبيديات توافينا فتعبر بِنَا فاجتمعت ويوحنا بن ماسويه عِنْد أبي الْعَبَّاس بعد موافاة الْمَأْمُون بِمَدِينَة السَّلَام بِثَلَاثَة أَيَّام
وجمعتنا الزبيدية عِنْد انصرافنا فَسَأَلَنِي عَن عهدي بجبرائيل فأعلمته إِنِّي لم أره مُنْذُ اجْتَمَعنَا بالعلث ثمَّ قلت لَهُ قد شنعت عِنْده
فَقَالَ
بِمَاذَا فَقلت لَهُ بلغه أَنَّك تَقول أَنا أعلم من جالينوس
فَقَالَ على من ادّعى عَليّ هَذِه الدعْوَة لَعنه الله وَالله مَا صدق مؤدي هَذَا الْخَبَر وَلَا بر
فسرى ذَلِك من قَوْله مَا كَانَ فِي قلبِي وأعلمته أَنِّي أزيل عَن قلب جِبْرَائِيل مَا تأدى إِلَيْهِ من الْخَبَر الأول
فَقَالَ لي افْعَل نشدتك الله وَقرر عِنْده مَا أَقُول وَهُوَ مَا كنت أقوله فحرف عِنْده
فَسَأَلته عَنهُ فَقَالَ إِنَّمَا قلت لَو أَن بقراط وجالينوس عاشا إِلَى أَن يسمعا قولي فِي الطِّبّ وصفاتي لسألا ربهما أَن يبدلهما بِجَمِيعِ حواسهما من الْبَصَر والشم والذوق واللمس حسا سمعيا يضيفانه إِلَى مَا مَعَهُمَا من حس السّمع ليسمعا حكمي ووصفي
فأسألك بِاللَّه أما أدّيت هَذَا القَوْل عني إِلَيْهِ
فاستعفيته من إِلْقَاء هَذَا الْخَبَر عَنهُ فَلم يعفني
فأديت إِلَى جِبْرَائِيل الْخَبَر وَقد كَانَ أصبح فِي ذَلِك الْيَوْم مفرقا من علته فتداخله من الغيظ والضجر مَا تخوفت عَلَيْهِ مِنْهُ النكسة وَأَقْبل يَدْعُو على نَفسه وَيَقُول هَذَا جَزَاء من وضع الصنيعة فِي غير موضعهَا وَهَذَا جَزَاء من اصْطنع السّفل وَأدْخل فِي مثل هَذِه الصِّنَاعَة الشَّرِيفَة من لَيْسَ من أَهلهَا
ثمَّ قَالَ هَل عرفت السَّبَب فِي يوحنا وَأَبِيهِ فَأَخْبَرته أَنِّي لَا أَعْرفهُمَا
فَقَالَ لي إِن الرشيد أَمرنِي باتخاذ بيمارستان وأحضرت دهشتك رَئِيس بيمارستان جندي سَابُور لتقليده البيمارستان الَّذِي أمرت باتخاذه فَامْتنعَ من ذَلِك
وَذكر أَن السُّلْطَان لَيست لَهُ عَلَيْهِ أرزاق جَارِيَة وَأَنه إِنَّمَا يقوم ببيمارستان جندي سَابُور وميخائيل ابْن أَخِيه حسبَة
وَتحمل عَليّ بطيمانيوس الجاثليق فِي إعفاءه وَابْن أَخِيه فأعفيتهما
فَقَالَ لي أما إِذْ قد أعفيتني فَإِنِّي أهدي إِلَيْك هَدِيَّة ذَات قدر يحسن بك قبُولهَا وتكثر مَنْفَعَتهَا لَك فِي هَذَا البيمارستان
فَسَأَلته عَن الْهَدِيَّة فَقَالَ لي إِن صَبيا كَانَ مِمَّن يدق الْأَدْوِيَة عندنَا مِمَّن لَا يعرف لَهُ أَب وَلَا قرَابَة أَقَامَ فِي البيمارستان أَرْبَعِينَ سنة وَقد بلغ الْخمسين سنة أَو جاوزها وَهُوَ لَا يقْرَأ حرفا وَاحِدًا بِلِسَان من الْأَلْسِنَة إِلَّا أَنه قد عرف الأدواء دَاء دَاء وَمَا يعالج بِهِ كل دَاء
وَهُوَ أعلم خلق الله بانتقاد الْأَدْوِيَة وَاخْتِيَار جيدها وَنفي رديها
فَأَنا أهديه لَك فاضممه إِلَى من أَحْبَبْت من تلامذتك
ثمَّ قلد تلميذك البيمارستان فَإِن أُمُوره تخرج على أحسن من مخرجها لَو قلدتني هَذَا البيمارستان
فأعلمته أَنِّي قد قبلت الْهَدِيَّة وَانْصَرف دهشتك إِلَى بَلَده وأنفذ إِلَيّ الرجل فَأدْخل عَليّ فِي زِيّ الرهبان وكشفته فَوَجَدته على مَا حكى لي عَنهُ
وَسَأَلته عَن اسْمه فَأَخْبرنِي أَن اسْمه ماسويه
وَكنت فِي خدمَة الرشيد وداؤد بن سرابيون مَعَ أم جَعْفَر
وَكَانَ الْمنزل الَّذِي ينزله ماسويه يبعد عَن منزلي وَيقرب من منزل داؤد بن سرابيون
وَكَانَ فِي داؤد دعابة وبطالة وَكَانَ فِي ماسويه ضعف من ضعف السّفل فيستطيبه كل بطال
فَمَا مضى بمساويه إِلَّا يسير حَتَّى صَار إِلَيّ وَقد غير زيه وَلبس الثِّيَاب الْبيض فَسَأَلته عَن خَبره فَأَعْلمنِي أَنه قد عشق جَارِيَة لداؤد بن سرابيون صقلبية يُقَال لَهَا رِسَالَة وسألني ابتياعها لَهُ فابتعتها لَهُ بثمانمائة دِرْهَم ووهبتها لَهُ فأولدها يوحنا وأخاه
ثمَّ رعيت لماسويه ابتياعي لَهُ رِسَالَة وَطَلَبه مِنْهَا النَّسْل وصيرت وَلَده كَأَنَّهُمْ ولد قرَابَة لي وعنيت بِرَفْع أقدارهم وتقديمهم على أَبنَاء أَشْرَاف أهل هَذِه المهنة وعلمائهم ثمَّ رتبت ليوحنا وَهُوَ غُلَام الْمرتبَة الشَّرِيفَة ووليته البيمارستان وَجَعَلته رَئِيس تلامذتي فَكَانَت مثوبتي مِنْهُ هَذِه الدَّعْوَى الَّتِي لَا يسمع بهَا أحد إِلَّا قذف من خرجه ونوه باسمه وَأطلق لِسَانه بِمثل مَا أطلقهُ بِهِ
ولمثل مَا خرج إِلَيْهِ هَذِه السفلة كَانَت الْأَعَاجِم تمنع جَمِيع النَّاس من الِانْتِقَال عَن صناعات آبَائِهِم وتحظر ذَلِك غَايَة الْخطر وَالله الْمُسْتَعَان














مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید