المنشورات

أَمِين الدولة بن التلميذ

هُوَ الْأَجَل موفق الْملك أَمِين الدولة أَبُو الْحسن هبة الله بن أبي الْعَلَاء صاعد بن إِبْرَاهِيم بن التلميذ أوحد زَمَانه فِي صناعَة الطِّبّ وَفِي مُبَاشرَة أَعمالهَا
وَيدل على ذَلِك مَا هُوَ مَشْهُور من تصانيفه وحواشيه على الْكتب الطبية وَكَثْرَة من رَأَيْنَاهُ مِمَّن قد شَاهده
وَكَانَ ساعور البيمارستان العضدي بِبَغْدَاد إِلَى حِين وَفَاته
وَكَانَ فِي أول أمره قد سَافر إِلَى بِلَاد الْعَجم وَبَقِي بهَا وَهُوَ فِي الْخدمَة سنينا كَثِيرَة
وَكَانَ جيد الْكِتَابَة يكْتب خطا مَنْسُوبا
وَقد رَأَيْت كثيرا من خطه وَهُوَ فِي نِهَايَة الْحسن وَالصِّحَّة
وَكَانَ خَبِيرا بِاللِّسَانِ السرياني والفارسي متبحرا فِي اللُّغَة الْعَرَبيَّة
وَله شعر مستطرف حسن الْمعَانِي إِلَّا أَن أَكثر مَا يُوجد لَهُ البيتان أَو الثَّلَاثَة وَأما القصائد فَلم أجد لَهُ مِنْهَا إِلَّا الْقَلِيل
وَكَانَ أَيْضا يترسل وَله ترسل كثير جيد
وَقد رَأَيْت لَهُ من ذَلِك مجلدا ضخما كُله يحتوي على إنْشَاء ومراسلات وَأكْثر أَهله كتاب
وَكَانَ وَالِد أَمِين الدولة وَهُوَ أَبُو الْعَلَاء صاعد طَبِيبا فَاضلا مَشْهُورا
وَكَانَ أَمِين الدولة وأوحد الزَّمَان أَبُو البركات فِي خدمَة المستضيء بِأَمْر الله
وَكَانَ أَبُو البركات أفضل من ابْن التلميذ فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة وَله فِيهَا كتب جليلة وَلَو لم يكن لَهُ إِلَّا كِتَابه الْمَعْرُوف بالمعتبر لكفى
فَأَما ابْن التلميذ فَكَانَ أَكثر تبصره بصناعة الطِّبّ واشتهر بهَا
وَكَانَ بَينهمَا شنآن وعداوة إِلَّا أَن ابْن التلميذ كَانَ أوفر عقلا وأخير طباعا من أبي البركات
وَمن ذَلِك أَن أوحد الزَّمَان كَانَ قد كتب رقْعَة يذكر فِيهَا عَن ابْن التلميذ أَشْيَاء يبعد جدا أَن تصدر عَن مثله ووهب لبَعض الخدم شَيْئا واستسره أَن يرميها فِي بعض الطّرق الْخَلِيفَة من حَيْثُ لَا يعلم بذلك أحد وَهَذَا مِمَّا يدل على شَرّ عَظِيم
وَأَن الْخَلِيفَة لما وجد تِلْكَ الرقعة صَعب عَلَيْهِ جدا فِي أول أمره وهم أَن يُوقع بأمين الدولة
ثمَّ أَنه بعد ذَلِك رَجَعَ إِلَى رَأْيه وأشير عَلَيْهِ أَن يبْحَث ويستأصل عَن ذَلِك وَأَن يسْتَقرّ من الخدم من يتهمه بِهَذَا الْفِعْل
وَلما فعل ذَلِك انْكَشَفَ لَهُ أَن أوحد الزَّمَان كتبهَا للوقيعة بِابْن التلميذ فحنق عَلَيْهِ حنقا عَظِيما ووهب دَمه وَجَمِيع مَاله وَكتبه لأمين الدولة بن التلميذ
ثمَّ إِن أَمِين الدولة كَانَ عِنْده من كرم الطباع وَكَثْرَة الْخَيْرِيَّة أَنه لم يتَعَرَّض لَهُ بِشَيْء
وَبعد أوحد الزَّمَان بذلك عَن الْخَلِيفَة وانحطت مَنْزِلَته وَمن مطبوع مَا لأمين الدولة فِيهِ قَوْله
(لنا صديق يَهُودِيّ حماقته ... إِذا تكلم تبدو فِيهِ من فِيهِ)
(يتيه وَالْكَلب أَعلَى مِنْهُ منزلَة ... كَأَنَّهُ بعد لم يخرج من التيه) الْبَسِيط
ولبعضهم فِي أَمِين الدولة وأوحد الزَّمَان
(أَبُو الْحسن الطَّبِيب ومقتفيه ... أَبُو البركات فِي طرفِي نقيض)
(فَهَذَا بالتواضع فِي الثريا ... وَهَذَا بالتكبر فِي الحضيض) الوافر
ونقلت من خطّ الشَّيْخ موفق الدّين عبد اللَّطِيف بن يُوسُف الْبَغْدَادِيّ فِيمَا حَكَاهُ عَن الْأَجَل أَمِين الدولة بن التلميذ قَالَ كَانَ أَمِين الدولة حسن الْعشْرَة كريم الْأَخْلَاق عِنْده سخاء ومروءة وأعمال فِي الطِّبّ مَشْهُورَة وحدوس صائبة
مِنْهَا أَنه أحضرت إِلَيْهِ امْرَأَة مَحْمُولَة لَا يعرف أَهلهَا فِي الْحَيَاة هِيَ أم فِي الْمَمَات وَكَانَ الزَّمَان شتاء فَأمر بتجريدها وصب المَاء الْمبرد عَلَيْهَا صبا مُتَتَابِعًا كثيرا
ثمَّ أَمر بنقلها إِلَى مجْلِس دفئ قد بخر بِالْعودِ والند ودثرت بأصناف الْفراء سَاعَة فعطست وتحركت وَقَعَدت وَخرجت مَاشِيَة مَعَ أَهلهَا إِلَى منزلهَا
قَالَ وَدخل إِلَيْهِ رجل منزف يعرق دَمًا فِي زمن الصَّيف فَسَأَلَ تلاميذه وَكَانُوا قدر خمسين نفسا فَلم يعرفوا الْمَرَض فَأمره أَن يَأْكُل خبز شعير مَعَ باذنجان مشوي فَفعل ذَلِك ثَلَاثَة أَيَّام فبرأ
فَسَأَلَهُ أَصْحَابه عَن الْعلَّة فَقَالَ إِن دَمه قد رق ومسامه قد تفتحت وَهَذَا الْغذَاء من شَأْنه تَغْلِيظ الدَّم وتكثيف المسام
قَالَ وَمن مروءته أَن ظهر دَاره كَانَ يَلِي النظامية فَإِذا مرض فَقِيه نَقله إِلَيْهِ وَقَامَ فِي مَرضه عَلَيْهِ فَإِذا أبل وهب لَهُ دينارين وَصَرفه
وَمِمَّا حَكَاهُ أَيْضا عَن أَمِين الدولة بن التلميذ وَكَأَنَّهُ قد تجَاوز فِي هَذِه الْحِكَايَة قَالَ وَكَانَ أَمِين الدولة لَا يقبل عَطِيَّة إِلَّا من خَليفَة أَو سُلْطَان فَعرض لبَعض الْمُلُوك النائية دَاره مرض مزمن فَقيل لَهُ لَيْسَ لَك إِلَّا ابْن التلميذ وَهُوَ لَا يقْصد أحدا فَقَالَ أَنا أتوجه إِلَيْهِ
فَلَمَّا وصل أفرد لَهُ ولغلمانة دورا وأفاض عَلَيْهِ من الجرايات قدر الْكِفَايَة ولبث مُدَّة فبرئ الْملك وَتوجه إِلَى بِلَاده وَأرْسل إِلَيْهِ مَعَ بعض التُّجَّار أَرْبَعَة آلَاف دِينَار وَأَرْبَعَة تخوت عتابي وَأَرْبَعَة مماليك وَأَرْبَعَة أَفْرَاس فَامْتنعَ من قبُولهَا وَقَالَ عَليّ يَمِينا أَن لَا أقبل من أحد شَيْئا فَقَالَ التَّاجِر هَذَا مِقْدَار كثير قَالَ لما حَلَفت مَا استثنيت
وَأقَام شهرا يراوده وَلَا يزْدَاد إِلَّا إباء
فَقَالَ لَهُ عِنْد الْوَدَاع هَا أَنا أسافر وَلَا أرجع إِلَى صَاحِبي واتمتع بِالْمَالِ فتتقلد منته وتفوتك منفعَته وَلَا يعلم أحد بأنك رَددته
فَقَالَ أَلَسْت اعْلَم فِي نَفسِي أَنِّي لم أقبله فنفسي تشرف بذلك علم النَّاس أَو جهلوا
وحَدثني الْحَكِيم مهذب الدّين عبد الرَّحِيم بن عَليّ قَالَ حَدثنِي الشَّيْخ موفق الدّين أسعد بن إلْيَاس بن المطران قَالَ حَدثنِي أبي حَدثنِي إِسْمَاعِيل بن رشيد قَالَ حَدثنِي أَبُو الْفرج بن توما وَأَبُو الْفرج المسيحي قَالَا كَانَ الْأَجَل أَمِين الدولة بن التلميذ جَالِسا وَنحن بَين يَدَيْهِ إِذا اسْتَأْذَنت عَلَيْهِ امْرَأَة وَمَعَهَا صبي صَغِير فأدخلت عَلَيْهِ فحين رَآهُ بدرها فَقَالَ إِن صبيك هَذَا بِهِ حرقة الْبَوْل وَهُوَ يَبُول الرمل فَقَالَت نعم قَالَ فيستعمل كَذَا وَكَذَا وانصرفت
قَالَا فَسَأَلْنَاهُ عَن الْعَلامَة الدَّالَّة على أَن بِهِ ذَلِك وَأَنه لَو أَن الآفة فِي الكبد أَو الطحال لَكَانَ اللَّوْن من الِاسْتِدْلَال مطابقا
فَقَالَ حِين دخل رَأَيْته يولع بأحليله ويحكه وَوجدت أنامل يَدَيْهِ مشققة قاحلة فَعلمت أَن الحكة لأجل الرمل وَإِن تِلْكَ الْمَادَّة الحادة الْمُوجبَة للحكة وَالْحَرَكَة رُبمَا لامست أنامله عِنْد ولوعه بالقضيب فتقحل وتشقق فحكمت بذلك وَكَانَ مُوَافقا
وَمن نَوَادِر أَمِين الدولة وَحسن إِشَارَته إِنَّه كَانَ يَوْمًا عِنْد المستضيء بِأَمْر الله وَقد أسن أَمِين الدولة
فَلَمَّا نَهَضَ للْقِيَام توكأ على رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْخَلِيفَة كَبرت يَا أَمِين الدولة
فَقَالَ نعم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ وتكسرت قواريري ففكر الْخَلِيفَة فِي قَول أَمِين الدولة وَعلم أَنه لم يقلهُ إِلَّا لِمَعْنى قد قَصده وَسَأَلَ عَن ذَلِك فَقيل لَهُ إِن الإِمَام المستنجد بِاللَّه كَانَ قد وهبه ضَيْعَة تسمى قَوَارِير وَبقيت فِي يَده زَمَانا ثمَّ من مُدَّة ثَلَاث سِنِين حط الْوَزير يَده عَلَيْهَا
فتعجب الْخَلِيفَة من حسن أدب أَمِين الدولة وَأَنه لم ينْه أمرهَا إِلَيْهِ وَلَا عرض بطلبها
ثمَّ أَمر الْخَلِيفَة بِإِعَادَة الضَّيْعَة إِلَى أَمِين الدولة وَأَن لَا يُعَارض فِي شَيْء من ملكه
وَمن نوادره أَن الْخَلِيفَة كَانَ قد فوض إِلَيْهِ رئاسة الطِّبّ بِبَغْدَاد وَلما اجْتمع إِلَيْهِ سَائِر الْأَطِبَّاء ليرى مَا عِنْد كل وَاحِد مِنْهُم من هَذِه الصِّنَاعَة كَانَ من جملَة من حَضَره شيخ لَهُ هَيْئَة ووقار وَعِنْده سكينَة فَأكْرمه أَمِين الدولة وَكَانَت لذَلِك الشَّيْخ دربة مَا بالمعالجة وَلم يكن عِنْده من علم صناعَة الطِّبّ إِلَّا التظاهر بهَا
فَلَمَّا انْتهى الْأَمر إِلَيْهِ قَالَ لَهُ أَمِين الدولة مَا السَّبَب فِي كَون الشَّيْخ لم يُشَارك الْجَمَاعَة فِيمَا يبحثون فِيهِ حَتَّى نعلم مَا عِنْده من هَذِه الصِّنَاعَة فَقَالَ يَا سيدنَا وَهل شَيْء مِمَّا تكلمُوا فِيهِ إِلَّا وَأَنا أعلمهُ وَقد سبق إِلَى فهمي أَضْعَاف ذَلِك مَرَّات كَثِيرَة فَقَالَ لَهُ أَمِين الدولة فعلى من كنت قد قَرَأت هَذِه الصِّنَاعَة فَقَالَ الشَّيْخ يَا سيدنَا إِذا صَار الْإِنْسَان إِلَى هَذِه السن مَا يبْقى يَلِيق بِهِ إِلَّا أَن يسْأَل كم لَهُ من التلاميذ وَمن هُوَ المتميز فيهم
وَأما الْمَشَايِخ الَّذين قَرَأت عَلَيْهِم فقد مَاتُوا من زمَان طَوِيل
فَقَالَ لَهُ أَمِين الدولة يَا شيخ هَذَا شَيْء قد جرت الْعَادة بِهِ وَلَا يضر ذكره وَمَعَ هَذَا فَمَا علينا أَخْبرنِي أَي شَيْء قد قرأته من الْكتب الطبيبة وَكَانَ قصد أَمِين الدولة أَن يتَحَقَّق مَا عِنْده
فَقَالَ سُبْحَانَ الله الْعَظِيم صرنا إِلَى حد مَا يسْأَل عَنهُ الصّبيان وَأي شَيْء قد قرأته من الْكتب يَا سيدنَا لمثلي مَا يُقَال إِلَّا أَي شَيْء صنفته فِي صناعَة الطِّبّ وَكم لَك فِيهَا من الْكتب والمقالات وَلَا بُد أنني أعرفك بنفسي
ثمَّ إِنَّه نَهَضَ إِلَى أَمِين الدولة ودنا مِنْهُ وَقعد عِنْده وَقَالَ لَهُ فِيمَا بَينهمَا يَا سَيِّدي اعْلَم أنني قد شخت وَأَنا أوسم بِهَذِهِ الصِّنَاعَة وَمَا عِنْدِي مِنْهَا إِلَّا معرفَة اصْطِلَاحَات مَشْهُورَة فِي المداواة وعمري كُله أتكسب بهَا وَعِنْدِي عائلة فسألتك بِاللَّه يَا سيدنَا مشي حَالي وَلَا تفضحني بَين هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَة
فَقَالَ أَمِين الدولة على شريطة وَهِي أَنَّك لَا تهجم على مَرِيض بِمَا تعلمه وَلَا تُشِير بفصد وَلَا بدواء مسهل إِلَّا لما قرب من الْأَمْرَاض
فَقَالَ الشَّيْخ هَذَا مذهبي مُنْذُ كنت مَا تعديت السكنجبين والجلاب
ثمَّ ان أَمِين الدولة قَالَ لَهُ مُعْلنا وَالْجَمَاعَة تسمع يَا شيخ اعذرنا فإننا مَا كُنَّا نعرفك والآن فقد عرفناك اسْتمرّ فِيمَا أَنْت فِيهِ فَإِن أحدا مَا يعارضك
ثمَّ إِنَّه عَاد بعد ذَلِك فِيمَا هُوَ فِيهِ مَعَ الْجَمَاعَة وَقَالَ لبَعْضهِم على من قَرَأت هَذِه الصِّنَاعَة وَشرع فِي امتحانه فَقَالَ يَا سيدنَا
أَنا من تلامذة هَذَا الشَّيْخ الَّذِي قد عَرفته وَعَلِيهِ كنت قد قَرَأت صناعَة الطِّبّ
فَفطن أَمِين الدولة بِمَا أَرَادَ من التَّعْرِيض بقوله وَتَبَسم ثمَّ امتحنه بعد ذَلِك
وَكَانَ لأمين الدولة بن التلميذ أَصْحَاب وَجَمَاعَة يَتَرَدَّدُونَ إِلَيْهِ فَلَمَّا كَانَ فِي بعض الْأَيَّام أُتِي إِلَيْهِ ثَلَاثَة منجم ومهندس وَصَاحب أدب
فسألوا عَن أَمِين الدولة غُلَامه قنبر فَذكر لَهُم أَن سَيّده لَيْسَ فِي الدَّار وَأَنه لم يَأْتِ فِي ذَلِك الْوَقْت
فراحوا ثمَّ إِنَّهُم عَادوا فِي وَقت آخر وسألوه عَنهُ فَذكر لَهُم مثل قَوْله الأول
وَكَانَ لَهُم ذوق من الشّعْر فَتقدم المنجم وَكتب على الْحَائِط عِنْد بَاب الدَّار
(قد بلينا فِي دَار أسعد قوم بمدبر ... )
ثمَّ كتب المهندس بعده
(بقصير مطول ... وطويل مقصر)
ثمَّ تقدم صَاحب الْأَدَب وَكَانَ عِنْده مجون فَكتب
(كم تَقولُونَ قنبرا ... دحرجوا رَأس قنبر) الْخَفِيف
ومضوا
فَلَمَّا جَاءَ أَمِين الدولة قَالَ لَهُ قنبر يَا سَيِّدي جَاءَ ثَلَاثَة إِلَى هَهُنَا يطلبونك وَلما لم يجدوك كتبُوا هَذَا على الْحَائِط
فَلَمَّا قَرَأَهُ أَمِين الدولة قَالَ لمن مَعَه يُوشك أَن يكون هَذَا الْبَيْت الأول خطّ فلَان المنجم وَهَذَا الْبَيْت الثَّانِي خطّ فلَان المهندس وَهَذَا الثَّالِث خطّ فلَان صاحبنا فَإِن كل بَيت يدل على شَيْء مِمَّا يعانيه صَاحبه
وَكَانَ الْأَمر كَمَا حدسه أَمِين الدولة سَوَاء
وَكَانَت دَار أَمِين الدولة هَذِه يسكنهَا بِبَغْدَاد فِي سوق الْعطر مِمَّا يَلِي بَابه المجاور لباب الغربة من دَار الْخلَافَة المعظمة بالمشرعة النَّازِلَة إِلَى شاطئ دجلة
وَقَالَ أَمِين الدولة بن التلميذ فَكرت يَوْمًا فِي أَمر الْمذَاهب فَرَأَيْت هاتفا فِي النّوم وَهُوَ ينشدني
(أعوم فِي بحرك عَليّ أرى ... فِيهِ لما أطلبه قعرا) 
(فَمَا أرى فِيهِ سوى موجة ... تدفعني عَنْهَا إِلَى أُخْرَى) السَّرِيع
وحَدثني سعد الدّين بن أبي السهل الْبَغْدَادِيّ العواد وَكَانَ قد عمر قَالَ رَأَيْت أَمِين الدولة بن التلميذ وَاجْتمعت بِهِ وَكَانَ شَيخا ربع الْقَامَة عريض اللِّحْيَة حُلْو الشَّمَائِل كثير النادرة
قَالَ وَكَانَ يحب صناعَة الموسيقى وَله ميل إِلَى أَهلهَا
وحَدثني سديد الدّين مَحْمُود بن عَمْرو رَحمَه الله قَالَ حَدثنِي الإِمَام فَخر الدّين مُحَمَّد بن عبد السَّلَام المارديني وَكَانَ صديقا لأمين الدولة وعاشره مُدَّة قَالَ كَانَ الْأَجَل أَمِين الدولة بن التلميذ من المتميزين فِي الْعَرَبيَّة وَكَانَ يحضر مَجْلِسه فِي صناعَة الطِّبّ خلق كثير يقرأون عَلَيْهِ
وَكَانَ اثْنَان من النُّحَاة يلازمان مَجْلِسه وَلَهُمَا مِنْهُ الْأَنْعَام والافتقاد فَكَانَ من يجده من المشتغلين عَلَيْهِ يلحن كثيرا فِي قِرَاءَته أَو هُوَ ألكن يتْرك أحد ذَيْنك النَّحْوِيين يقْرَأ عَنهُ وَهُوَ يسمع
ثمَّ يَأْمر ذَلِك التلميذ أَيْضا بِأَن يُقرر للنحوي شَيْئا يعيطه إِيَّاه عَن قِرَاءَته عَنهُ
وَكَانَ لأمين الدولة ولد وَلم يكن مدْركا لصناعة الطِّبّ وَكَانَ فِي سَائِر أَحْوَاله بَعيدا عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ أَمِين الدولة
ولأمين الدولة فِيهِ
(أَشْكُو إِلَى الله صاحبا شكسا ... تسعفه النَّفس وَهُوَ يعسفها)
(فَنحْن كَالشَّمْسِ والهلال مَعًا ... تكسبه النُّور وَهُوَ يكسفها) المنسرح
وَكَانَ أَمِين الدولة يؤنب وَلَده أَيْضا بِهَذَا الْبَيْت
(وَالْوَقْت أنفس مَا عنيت بحفظه ... وَأرَاهُ أسهل مَا عَلَيْك يضيع) الْكَامِل
وحَدثني الشَّيْخ الإِمَام رَضِي الدّين الطَّبِيب الرَّحبِي رَحمَه الله قَالَ اجْتمعت فِي بَغْدَاد بِابْن أَمِين الدولة فَلَمَّا جرى بَيْننَا حَدِيث قَالَ فِي سِيَاقَة كَلَامه أَن فِي السَّمَاء من الْجَانِب الجنوبي مثقبا تطلع فِيهِ الأدخنة وتنزل مِنْهُ الْأَرْوَاح
وبدت مِنْهُ أَشْيَاء كَثِيرَة من هَذَا الْقَبِيل ظهر بهَا أَن لَيْسَ عِنْده شَيْء من تَحْقِيق الْعلم وَلَا لَهُ فطْرَة سليمَة
وحَدثني الشَّيْخ السّني البعلبكي الطَّبِيب قَالَ رَاح من عندنَا من دمشق ثَلَاثَة من أطباء النَّصَارَى إِلَى بَغْدَاد سماهم فَلَمَّا أَقَامُوا بهَا سمعُوا بِابْن أَمِين الدولة فَقَالُوا سمعة وَالِده عَظِيمَة والمصلحة أننا نروح إِلَيْهِ ونسلم عَلَيْهِ ونخدمه ونكون قد اجْتَمَعنَا بِهِ قبل السّفر إِلَى الشَّام
فقصدوا دَاره ودخلوا إِلَيْهِ وسلموا وعرفوه أَنهم نَصَارَى وَأَن قصدهم التشرف بِرُؤْيَتِهِ فأكرمهم وأجلسهم عِنْده
قَالَ السّني فحدثوني أَنه تبين لَهُم سخافة عقل وَضعف رَأْي
وَذَلِكَ أَنه من جملَة مَا حَدثهمْ أَنه قَالَ يَقُولُونَ إِن الشَّام مليح ودمشق طيبَة وَأَنا قد عزمت أَن أبصرهَا إِلَّا أنني أعمل من حَيْثُ الْعلم والهندسة شَيْئا أكون إِذا سَافَرت إِلَيْهَا يكون بسهولة وَلَا أجد كلفة
قَالُوا فَقُلْنَا لَهُ يَا سيدنَا كَيفَ تعْمل فَقَالَ أما تعلمُونَ أَن الشَّام منخفض عَن أقليم بَغْدَاد وَأَنه مُسْتَقل عَنهُ وَذَلِكَ مَذْكُور فِي علم الْهَيْئَة وارتفاع الْمَوَاضِع بَعْضهَا على بعض
فَقُلْنَا نعم يَا سيدنَا
فَقَالَ اسْتعْمل عجلا من الْخشب ببكر كبار وَيكون فَوْقهم دفوف مبسوطة مسمرة وَاجعَل فَوْقهم جَمِيع مَا احْتَاجَ إِلَيْهِ وَإِذا أطلقنا الْعجل تروح بالبكر بِسُرْعَة فِي الانحدار وَلَا نزال كَذَلِك إِلَى أَن نصل إِلَى دمشق بِأَهْوَن سعي
قَالُوا فتعجبنا من غفلته وجهله
ثمَّ قَالَ وَالله مَا تروحون حَتَّى أضيفكم وتأكلون عِنْدِي طَعَاما
وَصَاح بالفراش فأحضر سفرة فاخرة وَمد عَلَيْهَا رقاقا رفيعا أَبيض لَا يكون شَيْء أحسن مِنْهُ كَأَنَّهُ النصافي البغدادية وهنابا فِيهِ خل وهندبا منقاة جعلهَا حواليه ثمَّ قَالَ بِسم الله كلوا
قَالُوا فأكلنا شَيْئا يَسِيرا إِذْ هُوَ على خلاف عادتنا فِي الْأكل
ثمَّ رفع يَدَيْهِ وَقَالَ يَا غُلَام هَات الطست فَاحْضُرْ طستا مفضضا وَقطعَة صابون رقي كَبِيرَة وسكب عَلَيْهِ المَاء وَهُوَ يغسل يَدَيْهِ فأرغى الصابون ثمَّ مسح بِهِ فَمه وَوَجهه ولحيته حَتَّى بقيت عَيناهُ وَوَجهه ملآن من ذَلِك الصابون وَهُوَ أَبيض وَنظر إِلَيْنَا
قَالُوا وَكَانَ منا فلَان لم يَتَمَالَك أَن ضحك وَزَاد عَلَيْهِ وَقَامَ فَخرج من عِنْده
فَقَالَ مَا لهَذَا فَقُلْنَا لَهُ يَا سيدنَا هَذَا فِيهِ خفَّة عقل وَهَذِه عَادَته
فَقَالَ لَو أَقَامَ عندنَا داويناه فتعجبنا مِنْهُ ثمَّ ودعناه وانصرفنا وَنحن نسْأَل الله الْعَافِيَة مِمَّا كَانَ فِيهِ من الْجَهْل
وَحدث بعض الْعِرَاقِيّين إِن أَمِين الدولة مَاتَ لصديق لَهُ ولد وَكَانَ ذَا أدب وَعلم وَلم يعزه أَمِين الدولة
فَلَمَّا اجْتمع بِهِ بعد ذَلِك عتب عَلَيْهِ إِذْ لم يعزه عَن وَلَده للمودة الَّتِي بَينهمَا
فَقَالَ أَمِين الدولة لَا تلمني فِي هَذَا فوَاللَّه أَنا أَحَق بالتعزية مِنْك إِذْ مَاتَ ولدك وَبَقِي مثل وَلَدي
وَوجدت كلَاما لأمين الدولة فِي ضمن رِسَالَة كتبهَا إِلَى وَلَده وَكَانَ يعرف برضي الدولة أبي نصر قَالَ والتفت بذهنك عَن هَذِه الترهات إِلَى تَحْصِيل مَفْهُوم تتَمَيَّز بِهِ
وَخذ نَفسك من الطَّرِيقَة بِمَا كررت تنبيهك عَلَيْهِ وإرشادك إِلَيْهِ واغتنم الْإِمْكَان واعرف قِيمَته
وتشاغل بشكر الله تَعَالَى عَلَيْهِ
وفز بحظ نَفِيس من الْعلم تثق من نَفسك بِأَن عقلته وملكته لاقرأته ورويته فَإِن بَقِيَّة الحظوظ تتبع هَذَا الْحَظ الْمَذْكُور وَتلْزم صَاحبه
وَمن طلبَهَا من دونه فَأَما أَن لَا يجدهَا وَأما إِن لَا يعْتَمد عَلَيْهَا إِذا وجدهَا وَلَا يَثِق بدوامها
وَأَعُوذ بِاللَّه أَن ترْضى لنَفسك إِلَّا بِمَا يَلِيق بمثلك أَن يتسامى إِلَيْهِ بعلو همته وَشدَّة أنفته وغيرته على نَفسه
وَمِمَّا قد كررت عَلَيْك الوصاة بِهِ أَن لَا تحرص على أَن تَقول شَيْئا لَا يكون مهذبا فِي مَعْنَاهُ وَلَفظه وَيتَعَيَّن عَلَيْك إِيرَاده
فَأَما مُعظم حرصك فتصرفه إِلَى أَن تسمع مَا تستفيده لَا مَا يُلْهِيك ويلذ للإغمار وَأهل الْجَهَالَة نزهك الله عَن طبقتهم فَإِن الْأَمر كَمَا قَالَ أفلاطن الْفَضَائِل مرّة الْورْد حلوة الصَّدْر والرذائل حلوة الْورْد مرّة الصَّدْر
وَقد زَاد أرسطوطاليس فِي هَذَا الْمَعْنى فَقَالَ إِن الرذائل لَا تكون حلوة الْورْد عِنْد ذِي فطْرَة فائقة بل يُؤْذِيه تصور قبحها أَذَى يفْسد عَلَيْهِ مَا يستلذه غَيره مِنْهَا
وَكَذَلِكَ يكون صَاحب الطَّبْع الْفَائِق قَادِرًا بِنَفسِهِ على معرفَة مَا يتوخى وَمَا يجْتَنب كالتام الصِّحَّة يَكْفِي حسه فِي تَعْرِيفه النافع والضار
فَلَا ترض لنَفسك حفظك الله إِلَّا بِمَا تعلم أَنه يُنَاسب طبقَة أمثالك
وأغلب خطرات الْهوى بعزمات الرِّجَال الرَّاشِدين واطمح بِنَفْسِك إِلَيْهَا تتركك فِي طَاعَة عقلك
فَإنَّك تسر بِنَفْسِك وتراها فِي كل يَوْم مَعَ اعْتِمَاد ذَلِك فِي رُتْبَة علية ومرقاة من سَمَاء فِي السَّعَادَة
وَكَانَت وَفَاة أَمِين الدولة بِبَغْدَاد فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين من شهر ربيع الأول سنة سِتِّينَ وَخَمْسمِائة وَله من الْعُمر أَربع وَتسْعُونَ سنة
وَمَات نَصْرَانِيّا وَخلف نعما كَثِيرَة وأموالا جزيلة وكتبا لَا نَظِير لَهَا فِي الْجَوْدَة
فورث جَمِيع ذَلِك وَلَده وَبَقِي مُدَّة ثمَّ إِن ولد أَمِين الدولة خنق فِي دهليز دَاره الثُّلُث الأول من اللَّيْل وَأخذ مَاله ونقلت كتبه على اثْنَي عشر جملا إِلَى دَار الْمجد بن الصاحب
وَكَانَ ابْن أَمِين الدولة قد أسلم قبل مَوته
وَقيل إِنَّه كَانَ شَيخا قد ناهز الثَّمَانِينَ سنة
وَوجدت فِي أثْنَاء كتاب كتبه السَّيِّد النَّقِيب الْكَامِل بن الشريف الْجَلِيل إِلَى أَمِين الدولة بن التلميذ وَهُوَ يمتدحه فِيهِ بِهَذِهِ القصيدة
(أَمِين الدولة أسلم للأيادي ... عَليّ رغم الْمَنَاوِيّ والمعادي)
(وللمعروف تنشره إِذا مَا ... طواه تناوب النوب الشداد)
(فَأَنت الْمَرْء تلفى حِين تدعى ... جوادا بالطريف وبالتلاد)
(وصُولا للخليل على التنائي ... ودودا لَا يحول عَن الوداد)
(سديد الرَّأْي والأقوال تأبى ... نَهَاهُ أَن يمِيل عَن السداد)
(سأشكر مَا صنعت من الأيادي ... إِلَيّ على التداني والبعاد)
(وأثني وَالثنَاء عَلَيْك حق ... بِمَا أوليتني فِي كل نَادِي)
(وَهل شكري على مر اللَّيَالِي ... ينَال مدى ولائي واعتقادي)
(دعوتك وَالزَّمَان بِهِ حران ... فأمسى وهولي سهل القياد)
(أناديه فيسمعني وقدما ... تجانب لي أَصمّ عَن الْمُنَادِي)
(وَكم من منَّة لَك لَا توازي ... بِلَا من لدي وَلَا اعْتِدَاد)
(وَمن بَيْضَاء قد عمرت بقلبي ... محلك مِنْهُ فِي أقْصَى سَواد)
(أرى الأشواق نَحْوك فِي فُؤَادِي ... كَمثل النَّار فِي حجر الزِّنَاد)
(مَتى ولعت بِهِ ذكراك كَادَت ... لحر الوجد تلفظني بلادي)
(تحن ركائبي وأحن شوقا ... إِذا خطر اللِّقَاء على فُؤَادِي)
(وأطمع فِي الرقاد رَجَاء زور ... يلم وَأَيْنَ طرفِي والرقاد)
(سأبعثها تثير البيد وخدا ... وتعتسف الظلام بِغَيْر هادي)
(لَو أَن النَّجْم جاراها دَلِيلا ... تحير أَو شكا طول السهاد)
(تلفت بِي إِلَى الزَّوْرَاء زورا ... كَمَا التفتت إِلَى المَاء الصوادي)
(وَلَو أَن الزَّمَان جرى وَمن لي ... بِأَن يجْرِي الزَّمَان على مرادي)
(وأمكنني المزار لما عدتني ... وحقك عَن زيارتك العوادي)
(فَمن لي أَن تسيرني المطايا ... إِلَيْك وَلَو سريت بِغَيْر زَاد)
(أَقُول لصَاحب لم يدر جهلا ... أغيي مَا تحاول أم رشادي)
(إِذا واليت فَانْظُر من توالي ... وَإِن عاديت فَانْظُر من تعادي)
(فَإِن أَحْبَبْت تعرف مَا التناهي ... من الْأَشْيَاء فَانْظُر فِي المبادي)
(وَدعنِي وَالثنَاء على مبر ... عرفت بِهِ صلاحي من فسادي)
(على متوحد فِي الْفضل سَام ... إِلَى أمد العلى مَبْنِيّ الأيادي)
(أخي حكم شواهدها عَلَيْهِ ... بواد فِي الحواضر والبوادي)
(إِذا مَا قيس قصر عَنهُ قس ... وَقس مَا علمنَا فِي أياد)
(وَإِن جاورته جَاوَرت غيثا ... يذوب نداه فِي الْعَام الجماد)
(أَو استنجدته أعداك مِنْهُ ... أَخُو عزم على الْأَيَّام عادي)
(جواد بِالَّذِي تحوي يَدَاهُ ... إِذا نُودي أَلا هَل من جواد)
(يجيبك قبل أَن تَدْعُو نداه ... وَيَكْفِي كل حَادِثَة بنادي)
(أَخُو كرم يقل العتب فِيهِ ... وإفضال تقر بِهِ الأعادي)
(وأخلاق كَمثل الراح شيبت ... بمشمول من الصفو البراد)
(بِأَدْنَى سَعْيه حَاز الْمَعَالِي ... وأخفق غَيره بعد اجْتِهَاد)
(وَفِي الغايات أَن لز المذاكي ... تبين المقرفات من الْجِيَاد)
(أَبَا الْحسن اسْتمع مني ثَنَاء ... حلا فَخَلا من الْمَعْنى الْمعَاد)
(كأنفاس الرياض سرت عَلَيْهَا ... صبا فتعطرت غب العهاد)
(أنادي فِيهِ بِاسْمِك والقوافي ... تؤرج لَا بسعدى أَو سعاد)
(وَقد عرضته لَك مستجيرا ... بعدلك فِيهِ من جور انتقاد)
(وَمثلك من رأى قصد القوافي ... إِلَيْهِ وَقَالَ فِيهَا باقتصاد)
(جزيت الصَّالِحَات فَأَنت أهل ... لَهَا وسقيت أنواء الغوادي)
(ودمت على الزَّمَان وكل شَيْء ... على مر الزَّمَان إِلَى نفاد)
وَقَالَ الشريف أَبُو يعلى مُحَمَّد بن الهبارية العباسي من قصيدة يمدح بهَا الْأَجَل أَمِين الدولة بن التلميذ يَقُول فِيهَا
(يَا بني التلميذ لَو وافيتكم ... لم تكن نَفسِي بأهلي شغفه)
(وتسليت بكم عَن صبيتي ... وَغدا وسطي ثقيل المنصفة)
(إِنَّمَا طلقت كرمان بكم ... إِنَّكُم لي عوض مَا أشرفه)
(برئيس الْحُكَمَاء المرتجى ... أَنه لي جنَّة مخترفه)
(عوقتني عَن عميد الْملك ... دنياي ودنياي ظلوم مجحفه)
(لَو رَآنِي هبة الله أَبُو الْحسن ... الأوحد كَانَت متحفه)
(فَهُوَ من نَخْلَة دهري طلعة ... حلوة الطّعْم وكل حشفه)
(غَدَتْ الدُّنْيَا وَمن فِيهَا مَعًا ... لعلاه بالعلى معترفه)
(فأماني الورى كلهم ... من أيادي جوده مغترفه)
(وبأبراد معالي ظله ... من تصاريف الردى ملتحفه)
(شمس مجد لَا ترَاهَا أبدا ... عَن سموات العلى منكسفه)
(جلّ أَن يدْرك وَصفا مجده ... أَنه أكبر من كل صفه)
(فَهُوَ غدر الدَّهْر بل إحسانه ... والبرايا يبسات قشفه)
(لَو تمكنت لكَانَتْ جملتي ... فِي زَوَايَا دَاره مُعْتَكفه)
(سنّ فِي دنيا الْمَعَالِي سننا ... أَصبَحت معجبة مستظرفه)
(فِيهِ تفتخر الدُّنْيَا الَّتِي ... أَصبَحت من غَيره مستنكفه)
(سَيِّدي كم غمَّة جليتها ... فغدت ظلمتها منكشفه)
(وأياد جمة أوليتها ... بيد مَا بَرحت مرتشفه)
(نثرت مِنْك بروق لم تكن ... حِين شمناها بروقا مخلفه)
(وتراءى مِنْك بر شكره ... معجز كل لِسَان وشفه)
(إِنَّمَا أحبو بني التلميذ بالمدح ... إِذْ كلهم ذُو معرفه)
(فَابْن يحيى مِنْهُم محيي الندى ... زَاد فِي الْجُود على من خَلفه)
(وَهُوَ فِي الْفضل لَهُ الْفضل على ... كل من أنكرهُ أَو عرفه)
(حقق الكنية من وَالِده ... كرما فِيهِ وطبعا أَلفه)
(وهم من صاعد عَن سادة ... بِأبي مجدهم مَا أنظفه)
(لَا تقسهم بالورى كلهم ... فتقس لَيْث الشرى بالجعدفه)
(فَابْن إِبْرَاهِيم لاهوت العلى ... من دَعَاهُ بشرا مَا أنصفه)
(يَا رَئِيس الْحُكَمَاء استجلها ... من بَنَات الْفِكر بكرا مترفه)
(إِنَّنِي انفذت نخلي قَاصِدا ... أشتكي دهرا قَلِيل النصفه)
(وبأنعامك قد عللتها ... إِنَّه يجلو الخطوب المغدفه)
(فأبق للمجد ثمالا مَا رغت ... لغبا جسرة سَار موجفه)
(كم لكم من نعْمَة تالدة ... تترجى أُخْتهَا المطرفه)
(جددوا إيرادها يَا سادتي ... بأياد مِنْكُم مؤتنفه) الرمل
وَكتب أَبُو إِسْمَاعِيل الطغرائي إِلَى أَمِين الدولة بن التلميذ
(يَا سَيِّدي وَالَّذِي مودته ... عِنْدِي روح يحيا بهَا الْجَسَد)
(من ألم الظّهْر أستغيث وَهل ... يألم ظهر إِلَيْك يسْتَند) المنسرح
وَكَانَ مُحَمَّد بن جكينا قد مرض وزاره أَمِين الدولة فَقَالَ فِيهِ ابْن جكينا
(قصدت ربعي فتعالى بِهِ ... قدري فدتك النَّفس من قَاصد)
(فَمَا رأى الْعَالم من قبلهَا ... بحرا مَشى قطّ إِلَى وَارِد) السَّرِيع
وَكَانَ بعض الشُّعَرَاء بِبَغْدَاد أَتَى إِلَى أَمِين الدولة وشكى حَاله واستوصفه فوصف مَا يصلح للمرض الَّذِي شكاه ثمَّ دفع لَهُ صرة فِيهَا دَنَانِير وَقَالَ لَهُ هَذِه تصلح بهَا مزورة زيرباج فَأَخذهَا وبرأ بعد أَيَّام فَكتب إِلَيْهِ
(أَتَيْته اشتكي وَبِي مرض ... إِلَى التَّدَاوِي والرفد مُحْتَاج)
(فَقلت إِذْ برني وأبراني ... هَذَا طَبِيب عَلَيْهِ زرباج) المنسرح 
وَمن كَلَام أَمِين الدولة بن التلميذ حَدثنِي سديد الدّين بن رقيقَة قَالَ حَدثنِي فَخر الدّين المارديني قَالَ كَانَ يَقُول لنا أَمِين الدولة لَا تقدروا أَن أَكثر الْأَمْرَاض تحيطون بهَا خبْرَة فَإِن مِنْهَا مَا يأتيكم من طَرِيق السماوة
وَكَانَ يَقُول أَيْضا مَتى رَأَيْت شَوْكَة فِي الْبدن وَنِصْفهَا ظَاهر فَلَا تشْتَرط أَنَّك تقلعها فَإِنَّهَا رُبمَا انْكَسَرت
وَمن كَلَامه قَالَ يَنْبَغِي للعاقل أَن يخْتَار من اللبَاس مَا لَا تحسده عَلَيْهِ الْعَامَّة وَلَا تحقره فِيهِ الْخَاصَّة
وَمن شعر الْأَجَل أَمِين الدولة بن التلميذ وَهُوَ مِمَّا أَنْشدني مهذب الدّين أَبُو نصر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْخضر الْحلَبِي مِمَّا سَمعه من وَالِده قَالَ أَنْشدني أَمِين الدولة بن التلميذ لنَفسِهِ
(حبي سعيدا جَوْهَر ثَابت ... وحبه لي عرض زائل)
(بِهِ جهاتي السِّت مَشْغُولَة ... وَهُوَ إِلَى غَيْرِي بهَا مائل) السَّرِيع
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(إِذا وجد الشَّيْخ فِي نَفسه ... نشاطا فَذَلِك موت خَفِي)
(أَلَسْت ترى أَن ضوء السراج ... لَهُ لَهب قبل أَن ينطفي) المتقارب
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(تعس الْقيَاس فللغرام قَضِيَّة ... لَيست على نهج الحجى تنقاد)
(مِنْهَا بَقَاء الشوق وَهُوَ بعرفنا ... عرض وتفنى دونه الأجساد) الْكَامِل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ فِي الْوَزير الدركزيني
(قَالُوا فلَان قد وزر ... فَقلت كلا لَا وزر)
(وَالله لَو حكمت فِيهِ ... جعلته يرْعَى الْبَقر) الرجز
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(قَالَ الْأَنَام وَقد رَأَوْهُ ... مَعَ الحداثة قد تصدر)
(من ذَا المجاوز قدره ... قلت الْمُقدم بالمؤخر) الْكَامِل المرفل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ
(قد قلت للشَّيْخ الْجَلِيل ... الأريحي أبي المظفر)
(ذكر فلَان الدّين بِي ... قَالَ الْمُؤَنَّث لَا يذكر) الْكَامِل المرفل
وأنشدني أَيْضا قَالَ أَنْشدني وَالِدي قَالَ أَنْشدني الْمَذْكُور لنَفسِهِ لغزا فِي السّمك
(لبسن الجواشن خوف الردى ... وعلين فَوق الرؤوس الخوذ)
(فَلَمَّا أَتَاهَا الردى أهلكت ... بشم نسيم الْهوى المستلذ) المتقارب
وَمن شعر أَمِين الدولة بن التلميذ أَيْضا قَالَ
(سُقْ النَّفس بِالْعلمِ نَحْو الْكَمَال ... تواف السَّعَادَة من بَابهَا)
(وَلَا ترج مَا لم تسبب لَهُ ... فَإِن الْأُمُور بأسبابها) المتقارب
وَقَالَ أَيْضا
(لَوْلَا حجاب أَمَام النَّفس يمْنَعهَا ... عَن الْحَقِيقَة فِيمَا كَانَ فِي الْأَزَل)
(لأدركت كل شَيْء عز مطلبه ... حَتَّى الْحَقِيقَة فِي الْمَعْلُول والعلل) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(الْعلم للرجل اللبيب زِيَادَة ... ونقيصة للأحمق الطياش)
(مثل النَّهَار يزِيد أبصار الورى ... نورا ويغشي أعين الخفاش) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(بزجاجتين قطعت عمري ... وَعَلَيْهِمَا عولت دهري)
(بزجاجة ملئت بحبر ... وزجاج ملئت بِخَمْر)
(فبذي أثبت حكمتي ... وبذي أزيل هموم صَدْرِي) الْكَامِل المرفل
وَقَالَ أَيْضا
(تواضع كالبدر استنار لناظر ... على صفحات المَاء وَهُوَ رفيع)
(وَمن دونه يسمو إِلَى الْمجد صاعدا ... سمو دُخان النَّار وَهُوَ وضيع)
وَقَالَ أَيْضا
(إِذا كنت مَحْمُودًا فَإنَّك مرمد ... عُيُون الورى فأكحلهم بالتواضع) الطَّوِيل 
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تحقرن عدوا لَان جَانِبه ... وَلَو يكون قَلِيل الْبَطْش وَالْجَلد)
(فللذبابة فِي الْجرْح الممد يَد ... تنَال مَا قصرت عَنهُ يَد الْأسد) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(نفس الْكَرِيم الْجواد بَاقِيَة ... فِيهِ وَإِن مس جلده العجف)
(وَالْحر حر وَإِن ألم بِهِ ... الضّر فَفِيهِ العفاف وَالْأنف)
(والنذل لَا يَهْتَدِي لمكرمة ... لِأَن ذَاك المزاج منحرف)
(فالقطر سم إِن احتواه فَم الصل ... ودر أَن ضمه الصدف) المنسرح
وَقَالَ أَيْضا
(كَانَت بلهنية الشبيبة سكرة ... فصحوت فاستأنفت سيرة مُجمل)
(وَقَعَدت أرتقب الفناء كراكب ... عرف الْمحل فَبَاتَ دون الْمنزل) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(قَالُوا شباب الْفَتى خؤون ... والشيب واف فَلَيْسَ يرحل)
(فَقلت أبعدتم قِيَاسا ... ذَاك حبيب وَذَا مُوكل) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(وَأرى عُيُوب الْعَالمين وَلَا أرى ... عَيْبا لنَفْسي وَهُوَ مني قريب)
(كالطرف يستجلي الْوُجُوه وَوَجهه ... مِنْهُ قريب وَهُوَ عَنهُ مغيب) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(أجدك إِن من شيم اللَّيَالِي ... العنيفة أَن تجور على اللهيف)
(كَمثل الْخَلْط أغلب مَا ترَاهُ ... يصب أَذَاهُ فِي الْعُضْو الضَّعِيف) الوافر
وَقَالَ أَيْضا
(كأس يطفي لَهب الأوام ... ثَان يعين هاضم الطَّعَام)
(وللسرور ثَالِث المدام ... وَالْعقل يَنْفِيه مزِيد جَام) الرجز
وَقَالَ أَيْضا
(يَا من رماني عَن قَوس فرقته ... بِسَهْم هجر غلا تلافيه)
(أَرض لمن غَابَ عَنْك غيبته ... فَذَاك ذَنْب عِقَابه فِيهِ)
(لَو لم ينله من الْعَذَاب سوى ... بعْدك عَنهُ لَكَانَ يَكْفِيهِ) المنسرح
وَقَالَ أَيْضا
(عاتبت إِذْ لم يزر خيالك ... وَالنَّوْم بشوقي إِلَيْهِ مسلوب)
(فزارني منعما وعاتبني ... كَمَا يُقَال الْمَنَام مقلوب) المنسرح
وَقَالَ أَيْضا
(لسيف جفونك فضل على ... مواضي السيوف الَّتِي فِي الجفون)
(فَتلك مَعَ الْقَتْل لَا تَسْتَطِيع ... رَجَعَ النُّفُوس بِدفع الْمنون)
(وعيناك يقتلني شزرها ... وَأَحْيَا بإيماضها فِي سُكُون) المتقارب
وَقَالَ أَيْضا
(تمت محاسنه سوى كلف ... حُلْو المواقع زانه بشر)
(وَسموا بِهِ لألآء غرته ... عمدا ليعلم أَنه بدر) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تحسبن سَواد الْخَال عَن خلل ... من الطبيعة أَو إحداثه غَلطا)
(وَإِنَّمَا قلم التَّصْوِير حِين جرى ... بنُون حَاجِبه فِي خَدّه نقطا) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(أبصره عاذلي عَلَيْهِ ... وَلم يكن قبله رَآهُ)
(فَقَالَ لي لَو عشقت هَذَا ... مَا لامك النَّاس فِي هَوَاهُ)
(قل لي إِلَى من عدلت عَنهُ ... وَلَيْسَ أهل الْهوى سواهُ)
(فظل من حَيْثُ لَيْسَ يدْرِي ... يَأْمر بالعشق من نَهَاهُ) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(يَا من لبست عَلَيْهِ أَثوَاب الضنا ... صفرا مشهرة بحمر الأدمع)
(أدْرك بَقِيَّة مهجة لَو لم تذب ... شوقا إِلَيْك نفيتها عَن أضلعي) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا
(أَنْت شغلي فِي كل حَال فنومي ... بخيال ويقظتي بادكار)
(طَال ليلِي بطول هجرك لَا دَامَ ... وشوقي إِلَى اللَّيَالِي الْقصار) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(براني الْهوى بري المدى فأذابني ... صدودك حَتَّى صرت أنحل من أمس)
(وَلست أرى حَتَّى أَرَاك وَإِنَّمَا ... يبين هباء الذَّر فِي أفق الشَّمْس) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(وغزال فاق الغزالة حسنا ... فاتر الطّرف ذِي جفون مراض)
(قَالَ إِذْ رمته أنالك سخطا ... ليته قَالَهَا بصفحة رَاض) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(لَئِن تعوضت عَن وَصلي بمطرف ... فَلَا تَظنن إِنِّي غير معتاض)
(إِنِّي بعزة نفس أَنْت تعرفها ... لسابق سلوة السالي بإعراض) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(قد كنت اعْتد حينا ... لقياك أنفس ربح)
(فقد بَدَت عَن سلو ... سَمَاء عَقْلِي تصحي)
(مَالِي أهيم بِحسن ... يكون عِلّة قبح) المجتث
وَقَالَ أَيْضا
(لَو كَانَ يحسن غضن البان مشيتهَا ... تأودا لمشاها غير محتشم)
(فِي صدرها كوكبا نور أقلهما ... ركنان لم يدنوا من كشف مستلم)
(صانتهما فِي حَرِير من غلائلها ... فَنحْن فِي الْحل والركنان فِي الْحرم) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(عانقتها وظلام اللَّيْل منسدل ... ثمَّ انْتَبَهت بِبرد الْحلِيّ فِي الْغَلَس)
(فَبت أحميه خوفًا أَن ينبهها ... وأتقي أَن أذيب العقد بِالنَّفسِ) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تظني تجنبي لملال ... أَنْت من خوف سلوتي فِي أَمَان)
(رب هجر يكون أدعى إِلَى الْوَصْل ... وَوصل أدعى إِلَى الهجران) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا
(وَكَانَ عِذَارَيْ عِنْدهَا عذر وَصلهَا ... فشاب فَصَارَ الْعذر فِي صدها عِنْدِي)
(فأعجب بِأَمْر أَمْسَى دَاعِيَة الْهوى ... يحول فيضحي الْيَوْم دَاعِيَة الصد) الطَّوِيل
وَقَالَ لغزا فِي السَّحَاب
(وهاجم لَيْسَ لَهُ من عدوى ... مستبدل بِكُل مثوى مثوى)
(بكاؤه وضحكه فِي معنى ... إِذا بَكَى أضْحك أهل الدُّنْيَا) الرجز
وَقَالَ أَيْضا لغزا فِي الْمِيزَان
(مَا وَاحِد مُخْتَلف الْأَهْوَاء ... يعدل فِي الأَرْض وَفِي السَّمَاء)
(يحكم بِالْقِسْطِ بِلَا رِيَاء ... أعمى يرى الرشاد كل رائي)
(أخرس لَا من عِلّة وداء ... يُغني عَن التَّصْرِيح بالأيماء)
(يُجيب إِن ناداه ذُو امتراء ... بِالرَّفْع والخفض عَن النداء) الرجز
وَقَالَ أَيْضا لغزا فِي الدرْع
(وبيضاء لَا للبيض والسمرقدها ... تظاهر فِي تقويمها الْحر وَالْبرد)
(تجلت لنا حبا وَلم تجر فِي رَحا ... وَلَكِن تولاه لَهَا الدق وَالْبرد)
(وقيت بهَا نَفسِي فَكَانَت كَأَنَّهَا ... هِيَ الشَّمْس محبوبا بهَا الْكَوْكَب الْفَرد) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا لغزا فِي الإبرة
(وكاسبة رزقا سواهَا يجوزه ... وَلَيْسَ لَهَا حمد عَلَيْهِ وَلَا أجر)
(مفرقة للشمل وَالْجمع دأبها ... وخادمة للنَّاس تخدمها عشر)
(إِذا خطرت جرت فضول ذيولها ... سجية ذِي كبر وَلَيْسَ بهَا كبر)
(ترى النَّاس طرا يلبسُونَ الَّذِي نضت ... تعمهم جودا وَلَيْسَ لَهَا وفر)
(لَهَا الْبَيْت بعد الْعِزّ غير مدافع ... إِلَى بأسه تعزى المهندة البتر)
(أضرّ بهَا مثلي نحول بجسمها ... وَإِن لم يرعها مثل مَا راعني هجر) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا لغزا فِي الظل
(وَشَيْء من الْأَجْسَام غير مجسم ... لَهُ حركات تَارَة وَسُكُون)
(يتم أواني كَونه وفساده ... وَفِي وَقت محياه المحاق يكون)
(إِذا بَانَتْ الْأَنْوَار بَان لناظر ... وَأما إِذا بَانَتْ فَلَيْسَ يبين) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا مِمَّا يكْتب على حَصِير
(أفرشت خدي للضيوف وَلم يزل ... خلقي التَّوَاضُع للبيب الأكيس)
(فتواضعي أعلا مَكَاني بَينهم ... طورا فصرت أحل صدر الْمجْلس) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا فِي مَعْنَاهُ
(رب وصل شهدته فتمتعت ... عنَاقًا بالعاشقين جَمِيعًا)
(وجداني للود أَهلا وللسر ... مَكَانا وللصديق مُطيعًا) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا فِي مدخنة النجور
(إِذا الهجر أضرم نَار الْهوى ... فقلبي يضرم للهجر نَارا)
(أبوح بأسراري الْمُضْمرَات ... تبدو سرارا وتبدو جهارا)
(إِذا مَا طوى خبري صَاحب ... أَبى طيب عرفي إِلَّا انتشارا)
وَقَالَ أَيْضا فِيهَا
(كل نَار للشوق تضرم بالهجر ... وناري تشب عِنْد الْوِصَال)
(فَإِذا الصد راعني سكن الوجد ... وَلم يخْطر الغرام ببالي) الْخَفِيف
وَقَالَ أَيْضا فِيهَا
(يَشكونَ المحبون الجوى ... عِنْد التَّفَرُّق والزيال)
(وَأَشد مَا أصلى بِنَا ... والشوق أَوْقَات الْوِصَال) الْكَامِل المرفل
وَقَالَ أَيْضا فِيهَا
(رب حمى لَا ترام عزته ... أبحته النَّفس غير مَحْجُوب)
(يُبْدِي عياني لمن تأملني ... نَار محب وَنشر مَحْبُوب) المنسرح
وَقَالَ أَيْضا فِي مغسل الشّرْب
(إِذا مَا خطبت الود بَين معاشر ... فَكُن لَهُم مثلي تعد أَخا صدق)
(إِذا استأثروا من كل كأس بصفوها ... رضيت بِمَا أبقوه من مشرب رنق) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تدع رَبك أَن يعذب عَاشِقًا ... لقبيح صورتهَا بِغَيْر وصالها) الْكَامِل المرفل
وَقَالَ أَيْضا
(أكثرت حسو الْبيض ... كَيْمَا يستديم قيام أيرك)
(مَا لَا يقوم ببيضتيك ... فَلَا يقوم ببيض غَيْرك) الْكَامِل
وَقَالَ أَيْضا يهجو إنْسَانا بِالْعينِ
(مدور الْعين فاتخذه ... لتل غرس وثل عرش)
(لَو رمقت عينه الثريا ... أخرجهَا فِي بَنَات نعش) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(يَا دَار لَا تنكري مني الْتِفَات فَتى ... فِرَاق أحبابه أجْرى مدامعه)
(عهِدت فِيك قميرا كَانَ يؤنسني ... حينا فعيناي تستقري مطالعه) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(خَلِيل نأى عني فبدلت بعده ... مُقيم الجوى من صفو عَيْش وطيبه)
(أغار عَلَيْهِ صرف دهر فغاله ... وَعَما قَلِيل سَوف يلحقني بِهِ) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(لَا تعجبوا من حنين قلبِي ... إِلَيْهِم واعذروا غرامي)
(فالقوس مَعَ كَونهَا جمادا ... تَئِنُّ من فرقة السِّهَام) الْبَسِيط
وَقَالَ أَيْضا
(كَيفَ ألذ الْعَيْش فِي بَلْدَة ... سكان قلبِي غير سكانها)
(لَو أَنَّهَا الْجنَّة قد أزلفت ... أرْضهَا إِلَّا برضوانها) السَّرِيع
وَقَالَ أَيْضا يرثي
(كم ذَا الْوُقُوف على غرور أماني ... أأخذت من دنياك عقد أَمَان)
(هَل عيشة بعد الرضى مرضية ... كلا وَلَو كَانَت خُلُود جنان)
(إِن السَّمَاء لفقده لحزينة ... فرياحها نفس الكئيب العاني)
(والغيث أدمعه وَمَا برقتْ بِهِ ... نَار الجوى والرعد للأرنان)
(لَو ذاق فقدك من يلوم على البكا ... لزرى على التبسيم والسلوان)
(تبعوك إِذا صلوا عَلَيْك وَلم تزل ... كالنجم تهديهم بِكُل مَكَان)
(كنت الْمُقدم فِي الصُّفُوف لجولة ... الأقران أَو لتلاوة الْقُرْآن)
(لَا تبعدن وَمَا الْبعيد بِمن نأى ... حَيا وَلَكِن الْبعيد الداني)
(وَقَالَ أَيْضا يرثي الْأَمِير سيف الدولة صَدَقَة ... بن مَنْصُور دبيس الْأَسدي لما قتل)
(ليبك ابْن مَنْصُور عفاة نواله ... إِذا عصفت بِالرِّيحِ نكباء حرجف)
(وَيذكرهُمْ من ردهم بعبوسه ... فَتى كَانَ يلقاهم ببشر ويسعف)
(وَلما سما فَوق السَّمَاء بهمة ... يغض لَهَا طرف الحسود ويطرف)
(رمته اللَّيَالِي بل رمتنا برزئه ... كبدر الدجى فِي لَيْلَة التم يخسف)
(عَلَيْك سَلام لَا تزَال قُلُوبنَا ... على حزن مَا هبت الرّيح توقف)
(وَلَا بَرحت عين السَّمَاء بوبلها ... على جدث وأراك تهمي وتذرف) الطَّوِيل
وَقَالَ يهنيء بخلعة
(لَئِن شرفت مناسبها وجلت ... لقد زفت إِلَى كُفْء شرِيف)
(إِلَى من زانها وأزان مِنْهَا ... كسالفة المليحة والشنوف) الوافر
وَكتب إِلَيْهِ الرئيس أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن أَفْلح الْكَاتِب وَقد نقه من مرض كَانَ بِهِ
(أَنا جوعان فانقذني ... من هذي المجاعه)
(فَرجي فِي الكسرة الْخبز ... وَلَو كَانَت قطاعه)
(لَا تقل لي سَاعَة تصبر ... مَالِي صَبر ساعه)
(فخواي الْيَوْم مَا يقبل ... فِي الْخبز شفاعه) الرمل
فَكتب إِلَيْهِ أَمِين الدولة بن التلميذ الْجَواب
(هَكَذَا أضياف مثلي ... يتشكون المجاعه)
(غير أَنِّي لَيْسَ عِنْدِي ... لمضر من شفاعه)
(فتعلل بسويق ... فَهُوَ خير من قطاعه)
(بحياتي قل كَمَا ... ترسمه سمعا وطاعه)
وأهدي إِلَى الْوَزير ابْن صدقه كتاب المحاضرات للراغب وَكتب مَعَه
(لما تعذر أَن أكون ملازما ... لجناب مَوْلَانَا الْوَزير الصاحب)
(ورغبت فِي ذكري بِحَضْرَة مجده ... اذكرته بمحاضرات الرَّاغِب) الْكَامِل
وَكَانَ أَبُو الْقَاسِم بن الْفضل قد عتب على أَمِين الدولة بن التلميذ عتبا مريبا فَأَجَابَهُ أَمِين الدولة بِأَن خلع عَلَيْهِ قَمِيصًا مصمتا أسود وَكتب إِلَيْهِ
(أحبك فِي السَّوْدَاء تسحب ذيلها ... خَطِيبًا وَلَكِن لَا بِذكر مثالبي) الطَّوِيل
وَقَالَ أَيْضا
(أَتَانِي كتاب لم يزدني بَصِيرَة ... بسؤدد مهديه إِلَيّ وفضله)
(فَقلت وَقد أخجلتني بابتدائه ... أَبى الْفضل إِلَّا أَن يكون لأَهله) الطَّوِيل أأأ
وَكتب إِلَى الْوَزير سعد الْملك نصير الدّين فِي صدر كتاب
(لَا زَالَ جدك بالإقبال مَوْصُولا ... وجد ضدك بالأذلال مغلولا)
(وَلَا عدمت من الرَّحْمَن موهبة ... تعيد ربعك بالعافين مأهولا)
(فَنعم منطلق الْكَفَّيْنِ أَنْت إِذا ... أضحى اللَّئِيم عَن الْمَعْرُوف مغلولا)
(تجود بِالْمَالِ لَا تسْأَل يَدَاهُ وَإِن ... تسْأَل فَصَاحَته بذ الورى قيلا)
(لَا يستريح إِلَى العلات معتذرا ... إِذا الضنين رأى للبخل تَأْوِيلا)
(يُبَادر الْجُود سبقا للسؤال يرى ... تَعْجِيله بعد بذل الْوَجْه تأجيلا)
(لَا غروان كسفت شمس الضُّحَى وبدت ... فَأكْثر النَّاس تبجيلا وتهليلا)
(فَأَنت سيف غياث الدّين أغمده ... صونا وَعَاد على الْأَعْدَاء مسلولا)
(فَلَا خلا الدست من غيث إِذا قَنطُوا ... ظلّ نداه لَدَى الرواد مبذولا)
(فَمَا يَلِيق بِغَيْر السعد مُسْنده ... وَإِن أعاروه إعظاما وتبجيلا)
(فَاسْلَمْ على الدَّهْر فِي نعماء صَافِيَة ... من النوائب مرهوبا ومأمولا) الْبَسِيط
وَكتب فِي صدر كتاب إِلَى جمال الرؤساء أبي الْفَتْح هبة الله بن الْفضل بن صاعد جَوَابا
(مَا نشر أنفاس الرياض مَرِيضَة ... عوادها طل الندى وقطار)
(بدميثة ميثاء حلى وَجههَا ... وحبا عَلَيْهَا حنوة وعرار)
(كفلت بثروتها مُؤَبّدَة بهَا ... وَكفى صداها جدول مدرار)
(بَكت السَّمَاء فأضحكتها مثل مَا ... أبْكِي فتضحك بِي الْغَدَاة نوار)
(وَإِذا تعارضها ذكاء تشعشعت ... فتمازج النوار والنوار)
(مشت الصِّبَا بفروعها مختالة ... فصبا المشوق وَغَيره استعبار)
(وَإِذا تغنى الطير فِي أرجائها ... أبدى بلابل صَدره التذْكَار)
(يَوْمًا بأطيب من جوارك شَاهدا ... أَو غَائِبا تَدْنُو بك الْأَخْبَار)
وَكتب إِلَيْهِ جمال الْملك أَبُو الْقَاسِم عَليّ بن أَفْلح فِي أثْنَاء كتاب
(إِنِّي وحقك مُنْذُ ارتحلت ... نهاري حنين وليلي أَنِين)
(وَمَا كنت أعرف قبلي امْرَءًا ... بجسم يُقيم وقلب يبين)
(يَقُول الخلي إِذا مَا رأى ... ولوعي بذكراك لَا تستكين)
(تسل فَقل دهاك الْفِرَاق ... أَتَدْرِي جوى الْبَين أَنى يكون)
(وَكَيف السَّبِيل إِلَى سلوتي ... وحزني وَفِي وصبري خؤون) المتقارب
فَكتب أَمِين الدولة فِي جَوَابه
(وَإِنِّي وحبك مذ بنت عَنْك ... قلبِي حَزِين ودمعي هتون)
(وأخلف ظَنِّي صَبر معِين ... وَشَاهد شكواي دمع معِين)
(فَللَّه أيامنا الخاليات ... لَو رد سالف دهر حنين)
(وَإِنِّي لأرعى عهود الصفاء ... ويكلؤها لَك ود مصون)
(واحفظ ودك عَن قَادِح ... وود الأكارم علق ثمين)
(وَلم لَا يكون وَنحن اليدان ... أَنْت بِفَضْلِك مِنْهَا الْيَمين)
(إِذا قلت أسلوك قَالُوا الغرام ... هَيْهَات ذَلِك مَا لَا يكون)
(وَهل لي فِي سلوة مطمع ... وصبري خؤون وودي أَمِين)
وَكتب فِي صدر كتاب إِلَى الْعَزِيز أبي نصربن مُحَمَّد بن حَامِد مُسْتَوْفِي الممالك
(لعمر أَبِيك الْخَيْر لَيْسَ لوَاحِد ... من النَّاس إِلَّا حَامِد لِابْنِ حَامِد)
(كَأَنَّهُمْ دانوا الْإِلَه بشكرهم ... علاهُ وَلَكِن لَا كشكر ابْن ساعد)
(هم خيروا عَنهُ فاثنوا بِصَالح ... وَعِنْدِي بِمَا اثنيت خير الْمشَاهد) الطَّوِيل
وَكتب إِلَى ابْن أَفْلح
(أَسَأْت بنفسي حِين أزمعت رحْلَة ... فهمي مَجْمُوع بشملي المفرق)
(فَإِن امْرَءًا سر الْمُوفق قربه ... وفارقه طَوْعًا لغير موفق) الطَّوِيل
وَكتب إِلَى موفق الدّين أبي طَاهِر الْحُسَيْن بن مُحَمَّد لما اجتازه بساوة
وَدخل إِلَى دَار كتبهَا الَّتِي وَقفهَا الْمَذْكُور الْمَكْتُوب إِلَيْهِ
(وفقت للخير إِذْ عممت بِهِ ... طلابه يَا موفق الدّين)
(أزلفت للنَّاس جنَّة جمعت ... عُيُون فضل أشهى من الْعين)
(فِيهَا ثمار الْعُقُول دانية ... قطوفها حلوة الأفانين)
(لَا زلت تسمو بِكُل صَالِحَة ... بمسعدي قدرَة وتمكين)
(وَيرْحَم الله كل مستمع ... مشيع دَعْوَتِي بتأمين) المنسرح
ولأمين الدولة بن التلميذ من الْكتب أقراباذينه الْعشْرين بَابا وشهرته وتداول النَّاس لَهُ أَكثر من سَائِر كتبه
أقراباذينه الموجز البيمارستاني وَهُوَ ثَلَاثَة عشر بَابا
الْمقَالة الأمينية فِي الْأَدْوِيَة البيمارستانية
اخْتِيَار كتاب الْحَاوِي للرازي
اخْتِيَار كتاب مسكويه فِي الْأَشْرِبَة
اخْتِصَار شرح جالينوس لكتاب الْفُصُول لأبقراط
اخْتِصَار شرح جالينوس لكتاب تقدمة الْمعرفَة لأبقراط
تَتِمَّة جَوَامِع الإسكندرانيين لكتاب حِيلَة الْبُرْء لِجَالِينُوسَ
شرح مسَائِل حنين بن إِسْحَق على جِهَة التَّعْلِيق
شرح أَحَادِيث نبوية تشْتَمل على طب
كناش
مُخْتَصر الْحَوَاشِي على كتاب القانون للرئيس ابْن سينا
الْحَوَاشِي على كتاب الْمِائَة للمسيحي
التَّعَالِيق على كتاب الْمِنْهَاج وَقيل إِنَّهَا لعَلي بن هبة الله بن أثردي الْبَغْدَادِيّ
مقَالَة فِي الفصد
كتاب يشْتَمل على توقيعات ومراسلات
تعاليق استخرجها من كتاب الْمِائَة للمسيحي
مُخْتَار من كتاب أبدال الْأَدْوِيَة لِجَالِينُوسَ














مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید