المنشورات

ابْن جلجل

هُوَ أَبُو دَاوُد سُلَيْمَان بن حسان يعرف بِابْن جلجل وَكَانَ طَبِيبا فَاضلا خَبِيرا بالمعالجات جيد التَّصَرُّف فِي صناعَة الطِّبّ
وَكَانَ فِي أَيَّام هِشَام الْمُؤَيد بِاللَّه
وخدمه بالطب وَله بَصِيرَة واعتناء بقوى الْأَدْوِيَة المفردة وَقد فسر أَسمَاء الْأَدْوِيَة المفردة من كتاب ديسقوريدس الْعين زَرْبِي وأفصح عَن مكنونها وأوضح مستغلق مضمونها وَهُوَ يَقُول فِي أول كِتَابه هَذَا إِن كتاب ديسقوريدس ترْجم بِمَدِينَة السَّلَام فِي الدولة العباسية فِي أَيَّام جَعْفَر المتَوَكل وَكَانَ المترجم لَهُ اصطفن بن بسيل الترجمان من اللِّسَان اليوناني إِلَى اللِّسَان الْعَرَبِيّ وتصفح ذَلِك حنين بن إِسْحَق المترجم فصحح التَّرْجَمَة وأجازها فَمَا علم اصطفن من تِلْكَ الْأَسْمَاء اليونانية فِي وقته لَهُ اسْما فِي اللِّسَان الْعَرَبِيّ فسره بِالْعَرَبِيَّةِ وَمَا لم يعلم لَهُ فِي اللِّسَان الْعَرَبِيّ اسْما تَركه فِي الْكتاب على اسْمه اليوناني اتكالا مِنْهُ على أَن يبْعَث الله بعده من يعرف ذَلِك ويفسره بِاللِّسَانِ الْعَرَبِيّ إِذْ التَّسْمِيَة لَا تكون بالتواطؤ من أهل كل بلد على أَعْيَان الْأَدْوِيَة بِمَا رَأَوْا وَأَن يسموا ذَلِك إِمَّا باشتقاق وَإِمَّا بِغَيْر ذَلِك من تواطئهم على التَّسْمِيَة فاتكل اصطفن على شخوص يأْتونَ بعده مِمَّن قد عرف أَعْيَان الْأَدْوِيَة الَّتِي لم يعرف هُوَ لَهَا اسْما فِي وقته فيسميها على قدر مَا سمع فِي ذَلِك الْوَقْت فَيخرج إِلَى الْمعرفَة
قَالَ ابْن جلجل وَورد هَذَا الْكتاب إِلَى الأندلس وَهُوَ على تَرْجَمَة اصطفن مِنْهُ مَا عرف لَهُ اسْما بِالْعَرَبِيَّةِ وَمِنْه مَا لم يعرف لَهُ اسْما
فَانْتَفع النَّاس بِالْمَعْرُوفِ مِنْهُ بالمشرق وبالأندلس إِلَى أَيَّام النَّاصِر عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد وَهُوَ يَوْمئِذٍ صَاحب الأندلس
فكاتبه أرمانيوس الْملك ملك قسطنطينية فِي سنة سبع وَثَلَاثِينَ وثلثمائة وهاداه بِهَدَايَا لَهَا قدر عَظِيم فَكَانَ فِي جملَة هديته كتاب دسقوريدس مُصَور الحشائش بالتصوير الرُّومِي العجيب
وَكَانَ الْكتاب مَكْتُوبًا بالإغريقي الَّذِي هُوَ اليوناني وَبعث مَعَه كتاب هروسيس صَاحب الْقَصَص وَهُوَ تَارِيخ للروم عَجِيب فِيهِ أَخْبَار الدهور وقصص الْمُلُوك الأول وفوائد عَظِيمَة
وَكتب أرمانيوس فِي كِتَابه إِلَى النَّاصِر إِن كتاب ديسقوريدس لَا تجتنى فَائِدَته إِلَّا بِرَجُل يحسن الْعبارَة بِاللِّسَانِ اليوناني وَيعرف أشخاص تِلْكَ الْأَدْوِيَة فَإِن كَانَ فِي بلدك من يحسن ذَلِك فزت أَيهَا الْملك بفائدة الْكتاب وَأما كتاب هروسيس فعندك فِي بلدك من اللطينيين من يقرأه بِاللِّسَانِ اللطيني وَإِن كشفتهم عَنهُ نقلوه لَك من اللطيني إِلَى اللِّسَان الْعَرَبِيّ
قَالَ ابْن جلجل وَلم يكن يَوْمئِذٍ بقرطبة من نَصَارَى الأندلس من يقْرَأ اللِّسَان الأغريقي الَّذِي هُوَ اليوناني الْقَدِيم فَبَقيَ كتاب ديسقوريدس فِي خزانَة عبد الرَّحْمَن النَّاصِر بِاللِّسَانِ الإغريقي وَلم يترجم إِلَى اللِّسَان الْعَرَبِيّ وَبَقِي الْكتاب بالأندلس
وَالَّذِي بَين أَيدي النَّاس بترجمة أسطفن الْوَارِدَة من مَدِينَة السَّلَام بَغْدَاد
فَلَمَّا جاوب النَّاصِر أرمانيوس الْملك سَأَلَهُ أَن يبْعَث إِلَيْهِ بِرَجُل يتَكَلَّم بالإغريقي واللطيني ليعلم لَهُ عبيدا يكونُونَ مترجمين فَبعث أرمانيوس الْملك إِلَى النَّاصِر براهب كَانَ يُسمى نقولا فوصل إِلَى قرطبة سنة أَرْبَعِينَ وثلثمائة وَكَانَ يَوْمئِذٍ بقرطبة من الْأَطِبَّاء قوم لَهُم بحث وتفتيش وحرص على اسْتِخْرَاج مَا جهل من أَسمَاء عقاقير كتاب ديسقوريدس إِلَى الْعَرَبيَّة وَكَانَ أبحثهم وأحرصهم على ذَلِك من جِهَة التَّقَرُّب إِلَى الْملك عبد الرَّحْمَن النَّاصِر حسداي بن بِشُرُوط الإسرائيلي وَكَانَ نقولا الراهب عِنْده أحظى النَّاس وأخصهم بِهِ
وَفسّر من أَسمَاء عقاقير كتاب ديسقوريدس مَا كَانَ مَجْهُولا وَهُوَ أول من عمل بقرطبة ترياق الْفَارُوق على تَصْحِيح الشجارية الَّتِي فِيهِ
وَكَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت من الْأَطِبَّاء الباحثين عَن تَصْحِيح أَسمَاء عقاقير الْكتاب وَتَعْيِين أشخاصه مُحَمَّد الْمَعْرُوف بالشجار وَرجل كَانَ يعرف بالبسباسي وَأَبُو عُثْمَان الجزار الملقب باليابسة وَمُحَمّد بن سعيد الطَّبِيب وَعبد الرَّحْمَن بن إِسْحَق بن هَيْثَم وَأَبُو عبد الله الصّقليّ وَكَانَ يتَكَلَّم باليونانية وَيعرف أشخاص الْأَدْوِيَة
قَالَ ابْن جلجل وَكَانَ هَؤُلَاءِ النَّفر كلهم فِي زمَان وَاحِد مَعَ نقولا الراهب أَدْرَكته وَأدْركت نقولا الراهب فِي أَيَّام الْمُسْتَنْصر وصحتهم فِي أَيَّام الْمُسْتَنْصر الحكم
وَفِي صدر دولته مَاتَ نقولا الراهب فصح ببحث هَؤُلَاءِ النَّفر الباحثين عَن أَسمَاء عقاقير كتاب ديسقوريدس تَصْحِيح الْوُقُوف على أشخاصها بِمَدِينَة قرطبة خَاصَّة بِنَاحِيَة الأندلس مَا أَزَال الشَّك فِيهَا عَن الْقُلُوب وَأوجب الْمعرفَة بهَا بِالْوُقُوفِ على أشخاصها وَتَصْحِيح النُّطْق بأسمائها بِلَا تَصْحِيف إِلَّا الْقَلِيل مِنْهَا الَّذِي لَا بَال بِهِ وَلَا خطر لَهُ
وَذَلِكَ يكون فِي مثل عشرَة أدوية
قَالَ وَكَانَ لي فِي معرفَة تَصْحِيح هيولى الطِّبّ الَّذِي هُوَ أصل الْأَدْوِيَة المركبة حرص شَدِيد وَبحث عَظِيم حَتَّى وهبني الله من ذَلِك بفضله بِقدر مَا اطلع عَلَيْهِ من نيتي فِي إحْيَاء مَا خفت يدرس وَتذهب منفعَته لأبدان النَّاس فَالله قد خلق الشِّفَاء وبثه فِيمَا انبتته الأَرْض وَاسْتقر عَلَيْهَا من الْحَيَوَان المشاء والسابح فِي المَاء والمنساب وَمَا يكون تَحت الأَرْض فِي جوفها من المعدنية كل ذَلِك فِيهِ شِفَاء وَرَحْمَة ورفق
وَلابْن جلجل من الْكتب كتاب تَفْسِير أَسمَاء الْأَدْوِيَة المفردة من كتاب ديسقوريدس أَلفه فِي شهر ربيع الآخر سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وثلثمائة بِمَدِينَة قرطبة فِي دولة هِشَام بن الحكم الْمُؤَيد بِاللَّه
مقَالَة فِي ذكر الْأَدْوِيَة الَّتِي لم يذكرهَا ديسقوريدس فِي كِتَابه مِمَّا يسْتَعْمل فِي صناعَة الطِّبّ وَينْتَفع بِهِ وَمَا لَا يسْتَعْمل لكيلا يغْفل ذكره
وَقَالَ ابْن جلجل أَن ديسقوريدس اغفل ذَلِك وَلم يذكرهُ إِمَّا لِأَنَّهُ لم يره وَلم يُشَاهِدهُ عيَانًا وَإِمَّا لِأَن ذَلِك كَانَ غير مُسْتَعْمل فِي دهره وَأَبْنَاء جنسه
رِسَالَة التَّبْيِين فِيمَا غلط فِيهِ بعض المتطبيين
كتاب يتَضَمَّن ذكر شَيْء من أَخْبَار الْأَطِبَّاء والفلاسفة ألف فِي أَيَّام الْمُؤَيد بِاللَّه
















مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید