المنشورات

مهذب الدّين أَبُو سعيد مُحَمَّد أبي حليقة

أوحد الْعلمَاء وأكمل الْحُكَمَاء
مولده فِي الْقَاهِرَة فِي سنة عشْرين وسِتمِائَة وَسمي مُحَمَّدًا لما أسلم فِي أَيَّام الْملك الظَّاهِر ركن الدّين بيبرس الملكي الصَّالِحِي وَهُوَ فقد منحه الله من الْعقل أكمله وَمن الْأَدَب أفضله وَمن الذكاء أغزره وَمن الْعلم أَكْثَره قد أتقن الصِّنَاعَة الطبية وَعرف الْعُلُوم الْحكمِيَّة فَلَا أحد يدانيه فِيمَا يعانيه وَلَا يصل إِلَى الْخَلَائق الجميلة الَّتِي اجْتمعت فِيهِ
لطيف الْكَلَام جزيل الإنعام
إحسانه إِلَى الصّديق والنسيب والبعيد والقريب
وصلني كِتَابه وَهُوَ فِي المعسكر الْمَنْصُور الظَّاهِرِيّ فِي شهر شَوَّال سنة سبع وَسِتِّينَ وسِتمِائَة وَهُوَ يعرب عَن فضل باهر وَعلم وافر وفطنة أصمعية وشنشنة أخزمية وتودد عَظِيم وإحسان جسيم
وَيَقُول فِيهِ أَنه وجد بِمصْر نُسْخَة من هَذَا الْكتاب الَّذِي ألفته فِي طَبَقَات الْأَطِبَّاء وَقد اقتناها وَصَارَت فِي جملَة كتبه الَّتِي حواها وَبَالغ فِي الْوَصْف الَّذِي يدل على كرم أخلاقه وَطيب أعراقه
وَكَانَ فِي أول كِتَابه الْوَاصِل إِلَيّ
(وَإِنِّي امْرُؤ أجبتكم لمحاسن ... سَمِعت بهَا وَالْأُذن كَالْعَيْنِ تعشق)
فَقلت على الْوَزْن والروي وكتبت إِلَيْهِ الْجَواب
(أَتَانِي كتاب وَهُوَ بالنقش مونق ... وَفِيه الْمعَانِي وَهِي كَالشَّمْسِ تشرق)
(كتاب كريم أريحي ممجد ... صبيح الْمحيا نوره يتألق)
(هُوَ السَّيِّد الْمولى الْمُهَذّب وَالَّذِي ... بِهِ قد زها فِي الْعلم غرب ومشرق)
(حَكِيم حوى كل الْعُلُوم بأسرها ... وَمَا عَنهُ بَاب للمكارم يغلق)
(كريم لأنواع المحامد جَامع ... وَلكنه لِلْمَالِ جودا مفرق)
(إِذا ذكرت أَوْصَافه فِي محافل ... فَمن طيبها نشر من الْمسك يعبق)
(حوى قصبات السَّبق فِي طلب الْعلَا ... وَمن رام تَشْبِيها بِهِ لَيْسَ يلْحق)
(إِذا قَالَ بذ الْقَائِلين بلاغة ... ويصمت قس عِنْده حِين ينْطق)
(وَلَو أَن جالينوس كَانَ لوقته ... لقَالَ بِهَذَا فِي التطبب يوثق)
(فَمَا أحد يحكيه فِي حفظ صِحَة ... وَلَا مثله فِي الْجِسْم للداء يحدق)
(إِذا قلت مدحا فِي معالي مُحَمَّد ... فَكل امْرِئ فِيمَا أَقُول يصدق)
(وَلَو رمت أحصي مَا حواه من الْعلَا ... عجزت وَلَو أَنِّي البليغ الفرزدق)
(وَلَا غرو فِي ابْنا حليقة أنني ... بِصدق الولا فِي قَبْضَة الرّقّ موثق)
(لوالدهم عِنْدِي أياد قديمَة ... فشكري لَهُم طول الزَّمَان مُحَقّق)
(وكل فَفِي العلياء سَام وسيما ... لمن قَالَ لي إِذْ جد فِيهِ التشوق)
(وَإِنِّي امْرُؤ أحببتكم لمحاسن ... سَمِعت بهَا وَالْأُذن كَالْعَيْنِ تعشق)
(فَلَا برحوا فِي نعْمَة وسلامة ... مُؤَبّدَة مَا دَامَت الدوح تورق)
وَلم يزل مهذب الدّين أَبُو سعيد مُحَمَّد ملازما للاشتغال مَحْمُود السِّيرَة فِي الْأَقْوَال وَالْأَفْعَال
وَقَرَأَ على أَبِيه الصِّنَاعَة الطبية وحرر أقسامها الْكُلية والجزئية وَحصل مَعَانِيهَا العلمية والعملية
وخدم السُّلْطَان الْملك الظَّاهِر بيبرس الملكي الصَّالِحِي بصناعة الطِّبّ وَله مِنْهُ غَايَة الاحترام وأوفر الإنعام والمنزلة الجميلة والعطايا الجزيلة
ولمهذب الدّين الْمَذْكُور إخْوَان أَحدهمَا موفق الدّين أَبُو الْخَيْر متميز فِي صناعَة الْكحل غزير الْعلم وَالْفضل وَكَانَ قد صنف للْملك الصَّالح نجم الدّين كتابا فِي الْكحل من قبل أَن يصير لَهُ من الْعُمر عشرُون سنة
وَالْأَخ الآخر علم الدّين أَبُو نصر وَهُوَ الْأَصْغَر مفرط الذكاء مَعْدُود من جملَة الْعلمَاء متميز فِي صناعَة الطِّبّ وافر الْعلم واللب
ولمهذب الدّين مُحَمَّد بن أبي حليقة من الْكتب كتاب فِي الطِّبّ


















مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید