المنشورات

رفيع الدّين الجيلي

هُوَ القَاضِي الْأَجَل الإِمَام الْعَالم رفيع الدّين أَبُو حَامِد عبد الْعَزِيز بن عبد الْوَاحِد بن إِسْمَاعِيل ابْن عبد الْهَادِي الجيلي من أهل فيلمان شهر من الجيلان وَكَانَ من الأكابر المتميزين فِي الْعُلُوم الْحكمِيَّة وأصول الدّين وَالْفِقْه وَالْعلم الطبيعي والطب
وَكَانَ مُقيما بِدِمَشْق وَهُوَ فَقِيه فِي الْمدرسَة العذراوية دَاخل بَاب النَّصْر
وَله مجْلِس للمشتغلين عَلَيْهِ فِي أَنْوَاع الْعُلُوم والطب
وقرأت عَلَيْهِ شَيْئا من الْعُلُوم الْحكمِيَّة
وَكَانَ فصيح اللِّسَان قوي الذكاء كثير الِاشْتِغَال والمطالعة
واستخدم قَاضِيا فِي مَدِينَة بعلبك وَبَقِي بهَا مديدة
وَكَانَ صديقا للصاحب أَمِين الدولة وَبَينهمَا عشرَة
وَلما تملك السُّلْطَان الْملك الصَّالح عماد الدّين إِسْمَاعِيل دمشق وَتُوفِّي قَاضِي الْقُضَاة شمس الدّين الخوبي رَحمَه الله فَأَشَارَ الصاحب أَمِين الدولة أَن يَجْعَل مَوْضِعه فولاه السُّلْطَان وَصَارَ قَاضِي الْقُضَاة بِدِمَشْق وَارْتَفَعت مَنْزِلَته وأثرى وَبَقِي كَذَلِك مُدَّة وَكَانَ كثير من النَّاس يتظلمون مِنْهُ ويشكون سيرته
وَبِالْجُمْلَةِ فَإِن الْحَال تأدى بِهِ إِلَى أَن قبض عَلَيْهِ وَقتل رَحمَه الله فِي أَيَّام الْملك الصَّالح إِسْمَاعِيل
وَكَانَ قد وَقع بَين القَاضِي رفيع الدّين وَبَين الْوَزير أَمِين الدولة فبعثوه تَحت الحوطة مَعَ رجال عوامله إِلَى قريب بعلبك فِي مَوضِع فِيهِ هوة عَظِيمَة لَا يعرف لَهَا قَعْر يُقَال لَهَا مغارة أفقه
وَكَانُوا أمروهم بِمَا يَفْعَلُونَهُ بِهِ فكتفوه ثمَّ دفعوه فِي وَسطهَا
وَحدثنَا بعض الَّذين كَانُوا مَعَه أَنه لما دفع فِي تِلْكَ الهوة تحطم فِي نُزُوله وَكَأَنَّهُ تعلق فِي بعض جوانبها أَسْفَل بثيابه
قَالَ فبقينا نسْمع أنينه نَحْو ثَلَاثَة أَيَّام وَكلما مر يضعف وَيخْفى حَتَّى تحققنا من مَوته ورجعنا عَنهُ
أَقُول وَمن عَجِيب مَا يحْكى أَن القَاضِي رفيع الدّين وقف على نُسْخَة من هَذَا الْكتاب بحضوري وَمَا كنت ذكرته فِي تِلْكَ النُّسْخَة فطالع فِيهِ وَلما وقف على أَخْبَار شهَاب الدّين السهروردي تأثر من ذَلِك وَقَالَ لي ذكرت هَذَا وَغَيره أفضل مِنْهُ مَا ذكرته وَأَشَارَ إِلَى نَفسه
ثمَّ قَالَ وإيش كَانَ من حَال شهَاب الدّين إِلَّا أَنه قتل فِي آخر أمره وَقدر الله عز وَجل أَن رفيع الدّين قتل أَيْضا مثله فسبحان الله الْعَظِيم الْمُدبر فِي خلقه بِمَا يَشَاء
وَكَانَت وَفَاة القَاضِي رفيع الدّين فِي شهر ذِي الْحجَّة سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين وسِتمِائَة
وَلما كَانَ رفيع الدّين قد تولى الْقَضَاء بِدِمَشْق وَصَارَ قَاضِي الْقُضَاة وَذَلِكَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة عملت فِيهِ هَذِه القصيدة وأهنئه فِيهَا
(مجد وَسعد دَائِم وعلاء ... أَبَد الزَّمَان ورفعة وسناء)
(بِبَقَاء مَوْلَانَا رفيع الدّين ذِي ... الْجُود العميم وَمن لَهُ النعماء)
(قَاضِي الْقُضَاة أجل مولى لم يزل ... بعلاه يسمو الْعلم وَالْعُلَمَاء)
(متفرد بالمكرمات وَإِنَّمَا ... كل الورى فِي بَعْضهَا شُرَكَاء)
(لَو رام كل بليغ قَول أَنه ... يحصي علاهُ لقصر البلغاء)
(كم من عداة شَاهِدين بفضله ... وَالْفضل مَا شهِدت بِهِ الْأَعْدَاء)
(وَله التصانيف الَّتِي قد أعربت ... عَن كل مَا قد أعجم القدماء)
(وَبِه لجيل فِي الْبِلَاد مفاخر ... وَكَذَا لهَذَا الجيل مِنْهُ عَلَاء)
(يَا سيدا فاق الْأَنَام حَقِيقَة ... بجميل وصف لَيْسَ فِيهِ خَفَاء)
(قد كَانَ عِنْدِي من فراقك والنوى ... ألم وَمن رُؤْيَاك جَاءَ شِفَاء)
(وأتى إِلَى قلبِي السرُور وأشرقت ... شمس الحبور وزالت البرحاء)
(وبدت تباشير الهناء بِمنْصب ... يعلوه من نور الْإِلَه بهاء)
(إحكام أَحْكَام وَعدل شَائِع ... ملئت بِهِ وبفضلك الغبراء)
(وَتَفَرَّقَتْ فِي النَّاس مِنْك فواضل ... وتجمعت مِنْهُم لَك الْأَهْوَاء)
(فلك السِّيَادَة والسعادة والعلا ... وَالْفضل والأفضال والآلاء)
(وَالْمُشْتَرِي للحمد أَنْت وَإِن تقل ... فصل الْخطاب فَإنَّك الجوزاء)
(وَلَئِن خصصتك بالهناء فَإِنَّهُ ... عَم الْأَنَام بِمَا وليت هناء)
(لله كم أوليتني مننا على ... مر الزَّمَان وَمَا لَهَا إحصاء)
(فَاسْلَمْ وَدم فِي رغد عَيْش دَائِم ... مَا غردت فِي أيكها الورقاء) الْكَامِل
ولرفيع الدّين الجيلي من الْكتب شرح الإشارات والتنبيهات أَلفه المظفر تَقِيّ الدّين عمر ابْن الْملك الأمجد بهران شاه بن فرخ شاه بن شاهنشاه بن أَيُّوب
اخْتِصَار الكليات من كتاب القانون لِابْنِ سينا
كتاب جمع مَا فِي الْأَسَانِيد من حَدِيث النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم














مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید