المنشورات

موفق الدّين عبد السَّلَام

لقد جمع الصِّنَاعَة الطبية والعلوم الْحكمِيَّة والأخلاق الحميدة والآراء السديدة والفضائل التَّامَّة والفواضل الْعَامَّة
أَصله من بَلْدَة حماة وَأقَام بِدِمَشْق واشتغل على شَيخنَا الْحَكِيم مهذب الدّين عبد الرَّحِيم ابْن عَليّ وعَلى غَيره
وتميز فِي صناعَة الطِّبّ
ثمَّ سَافر إِلَى حلب وتزيد فِي الْعلم وخدم الْملك النَّاصِر يُوسُف بن مُحَمَّد بن غَازِي صَاحب حلب وَأقَام عِنْده وَلم يزل فِي خدمته إِلَى أَن تملك الْملك النَّاصِر يُوسُف بن مُحَمَّد دمشق فَأتى فِي صحبته وَكَانَ مُعْتَمدًا عَلَيْهِ كثير الْإِحْسَان إِلَيْهِ
وَقلت هَذِه القصيدة أتشوق فِيهَا إِلَى دمشق وأصفها وأمدحه بهَا
(لَعَلَّ زَمَانا قد تقضى بجلق ... يعود وتدنو الدَّار بعد التَّفَرُّق)
(وَإِن تسمح الْأَيَّام من بعد جورها ... بِعدْل وأنى بالأحبة نَلْتَقِي)
(فكم لي إِلَى أطلالها من تشوف ... وَكم لي إِلَى سكانها من تشوق)
(ترنحني الذكرى إِلَيْهِ تشوقا ... كَمَا رنحت صرف المدام الْمُعْتق)
(وَمن عجب نَار اشتياق بأضعلي ... لَهَا لَهب من دمعي المترقرق)
(لقد طَال عهدي بالديار وَأَهْلهَا ... وَكم من صروف الْبَين قلبِي قد لَقِي)
(وَلَو كَانَ للمرء اخْتِيَار وقدرة ... لقد كَانَ من كل الْحَوَادِث يَتَّقِي)
(وَلكنهَا الأقدار تحكم فِي الورى ... وتقضي بِأَمْر كنهه لم يُحَقّق)
(دمشق هِيَ القصوى لمن كَانَ قَصده ... يرى كل حسن فِي الْبِلَاد وينتقي)
(فصفها إِذا مَا كنت بِالْعقلِ حَاكما ... فوصف سواهَا من قبيل التحمق)
(وَمَا مثلهَا فِي سَائِر الأَرْض جنَّة ... فدع شعب بوان وَذكر الخورنق)
(بهَا الْحور والولدان تبدو طوالعا ... شموسا وأقمارا بِأَحْسَن رونق)
(وأنهارها مَا بَين مَاء مسلسل ... من الرّيح أَو مَاء من الدفق مُطلق)
(وأشجارها من كل جنس مقسم ... وأثمارها من كل نوع منمق)
(وللطير من فَوق الغصون تجاوب ... فَمَا أسجع الورقاء من فَوق مُورق)
(وَلَو لم تغن الطير من فَوق عودهَا ... لما كَانَ للأمواه وَقع مُصَفِّق)
(وَرَاح تريح النَّفس من ألم الجوى ... وتبعد هم المستهام المؤرق)
(إِذا مزجت فِي الكاس يَبْدُو شعاعها ... كَمثل شُعَاع البارق المتألق)
(وَيَا حبذا بالواديين حدائق ... لَهَا رونق من مَائِهَا المتدفق)
(فكم من مياه حسنها عِنْد رَوْضَة ... وَكم من رياض حسنها عِنْد جوسق)
(وَبسط رياض نبتها من بنفسج ... ونيلوفر فِي وسط مَاء مروق)
(يمر نسيم الرّيح فِي جنباتها ... لطيفا كجس النبض من مترفق)
(فَمن كَانَ يَرْجُو للسلامة ملْجأ ... يجده لَدَى عبد السَّلَام الْمُوفق)
(حَكِيم عليم فَاضل متفضل ... إِلَى ذرْوَة العلياء وَالْمجد مرتقي)
(وَمَا أحد فِي كل مخطر عِلّة ... بأدرب مِنْهُ فِي العلاج وأحذق)
(فضائله فِي كل علم وَحِكْمَة ... وأفضاله فِي كل غرب ومشرق)
(يفرق جمع المَال فِي مُسْتَحقّه ... وَيجمع أشتات الْعلَا المتفرق)
(وَمَا زَالَ يهدي القاصدين لفضله ... بِنور عُلُوم بالبلاغة مشرق)
(فَفِي حَبسه للخير أكْرم منعم ... وَفِي لطفه بالخلق أفضل مُشفق)
(وللعشق فِي الدُّنْيَا دواع كَثِيرَة ... وَمن يقْصد العلياء بالغرم يعشق)
(لَهُ فِي قُلُوب الْعَالمين محبَّة ... حلت وجلت عَن رُتْبَة المتملق)
(وَمن شخصه للعين أحسن منظر ... وَمن لَفظه للسمع أعذب منطق)
(وللجود يلفى بَاعه غير قَاصِر ... وللحلم يلفى صَدره غير ضيق)
(كثير الحيا دلّت مخايل نَفسه ... على طيب أصل فِي المكارم معرق)
(فدام سعيد الْجد مَا هبت الصِّبَا ... وَمَا دَامَ تغريد الْحمام المطوق) الطَّوِيل
وَلما قصد التَّرَدُّد إِلَى دمشق وَسمع بذلك أَهلهَا توجه الْحَكِيم موفق الدّين إِلَى مصر وَأقَام بهَا مُدَّة
ثمَّ خدم بعد ذَلِك الْملك الْمَنْصُور صَاحب حماة وَأقَام عِنْده بحماة وَله مِنْهُ الْإِحْسَان الْكثير وَالْفضل الغزير والآلاء الجزيلة والمنزلة الجليلة















مصادر و المراجع :      

١- عيون الأنباء في طبقات الأطباء

المؤلف: أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس الخزرجي موفق الدين، أبو العباس ابن أبي أصيبعة (المتوفى: 668هـ)

المحقق: الدكتور نزار رضا

الناشر: دار مكتبة الحياة - بيروت

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید