المنشورات

الحشْو.

العرب تقيم حشْو الكلام مقام الصلة والزِّيادة وتُجريه في نظام الكلمة وهو على ثلاثة أضْرُب: ضَرب منها رديء مذموم كقول الشاعر: [من المجزوء الوافر]
ذَكَرْتُ أخي فَعاوَدَني ... صُداعُ الرَّأسِ والوَصَبُ.
فَذَكَر الرَّأس وهو حشو مُسْتَغنى عنه لأن الصُّداع مُخْتَصٌ بالرَّأس فلا معنى لذكره معه. وكقول الآخر: [من المنسرح]
صُدودُكُمْ والدِّيارُ دانيَةٌ ... أهْدى لِرأسي ومِفْرَقي شَيبا.
فقوله: مفرقي مع ذكر الرأس حشو بَغيض. وكقول الآخر: [من الطويل]
إذا لَمْ يَكُنْ للمَرْءِ في دولة امرئٍ ... نَصيبٌ ولا حظٌّ تَمَنَّى زَوالَها.
والنَّصيب والحظ بمعنى واحد. وأما الضرب الأوسط فكقول امرئ القيس: [من الطويل]
ألا هل أتاها والحوادِثُ جَمَّة ... بِأنَّ امرأ القيسِ بن تمْلكَ بَيْقَرا2.
فقوله: والحوادثُ جَمَّة حشو مُستغنى عنه ولكن لا بأس به في موضعه. وكقول النَّابغة: [من الطويل]
لَعَمْري وما عَمري عليَّ بِهَيِّنً ... لَقَد نَطَقَتْ بُطْلاً على الأقارِعُ.
فقوله: وما عمري عليَّ بِهَيِّنٍ حشو يتم الكلام بدونه ولكنه محمود لما فيه من تفخيم اللفظ وتأكيد المراد. وأما الضَّرب الثالث فهو الحشو الحسن اللطيف كقول عوف بن محلم: [من السريع]
إنَّ الثَّمانينَ وبُلِّغْتَها ... قد أحْوَجَتْ سَمعي إلى تَرْجُمانْ.
فقوله: وبُلِّغْتُها حشو مُسْتَغنى عنه في نظم الكلام ولكنه حسن في مكانه وأوقع في المعنى المقصود. وكان بن عبّاد يسمِّي هذا الحشو: حشو اللوزينج لأن حشو اللوزينج خير من خُبْزَتِهِ. ومن هذا الضَّرب قول طَرَفَة:
فَسَقى دِيارَكَ غَيرَ مُفْسِدِها ... صوبُ الرَّبيعِ وديمَةٌ تَهْمي.
فقوله: غير مفسدها حشو ولكن ما لحسنه نهاية. ومن ذلك قول عديّ: [من الوافر]
فَلَو كنتَ الأسيرَ ولا تَكُنْهُ ... إذن عَلِمَتْ مَعَدٌّ ما أقولُ.
فقوله: ولاتكُنهُ حشو لا يخفى حسنه وبراعته. ومن ذلك قول البحتري: [من الكامل]
إنَّ السَّحابَ أخاكَ جادَ بِمِثلِ ما ... جادَتْ يَداكَ لو أنَّهُ لَمْ يَضْرُرِ.
فقوله: أخاكَ حشو ولكن ما لِحُسنه غاية. ومن ذلك قول ابن المعتز: [من الخفيف]
إنْ يحيي لا زال يحيا صديقي ... وخَليلي من دونِ هذي الأنامِ.
فقوله: لا زال يحيا حشو يُربى على حشو اللوزينج ومن ذلك قول أبي الطِّيب المتنبي: [من الطويل]
ويَحْتَقِرُ الدُّنيا احْتِقارَ مُجَرِّبٍ ... يَرى كلَّ ما فيها وحاشاه فانِيا
فقوله: وحاشاه حشوٌ يجمع الحُسن والطّيب.
دومن ذلك قول ابن عبّاد: [من السريع]
قُلْ لأبي القاسم إن جِئْتَهُ ... هُنِّيت ما أُعْطِيتَ هُنِّيتَهُ.
كلُّ جَمالٍ فائق رَائقٍ ... أنتَ بِرَغْمِ البَدْرِ أوتيتَهُ.
فقوله: برغم البدْرِ حشو يقطر منه ماء الظَّرفِ. ومن ذلك قول أبي محمد الخازن الأصبهانيّ رحمه الله للصّاحب: [من الوافر]
فَإيهِ طَرْبَةً للعفوِ إنَّ ... الكريم وأنتَ مَعْناهُ طَروبُ.
فقوله: وأنت مَعناه حشو يَعجِزُ الوصفُ عن حُسنه وحلاوته. وكان ابن عباد يقول: إذا سمع قول يحيى بن أكثم للمأمون وقد سأله عن شيء: "لا وأيَّدَ الله أميرَ المؤمنين" هذه الواو أحسن من واوات الأصداغ في خدود المرد الملاح. 












مصادر و المراجع :

١-فقه اللغة وسر العربية

المؤلف: عبد الملك بن محمد بن إسماعيل أبو منصور الثعالبي (المتوفى: 429هـ)

المحقق: عبد الرزاق المهدي

الناشر: إحياء التراث العربي

الطبعة: الطبعة الأولى 1422هـ - 2002م

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید