المنشورات

(السدر والدوار والبشيدك) الثَّالِثَة من الْأَعْضَاء الآلمة.

قَالَ هَؤُلَاءِ يسدرون وتظلم أَعينهم ويدار بهم حَتَّى يعرض لَهُم مَا يعرض للصحيح إِذا دَار مَرَّات كَثِيرَة من دورة وَاحِدَة وَمن أَسبَاب يسيرَة حَتَّى أَنهم رُبمَا سقطوا وَأكْثر مَا يعرض لَهُم ذَلِك عِنْد نظرهم إِلَى الدواليب والمياه الشَّدِيدَة الجرية وَإِذا سخنت رُؤْسهمْ الشَّمْس أَو بِأَيّ شَيْء كَانَ لي من هَاهُنَا حدسوا أَنه يكون من خلط بَارِد فِي الرَّأْس ينْحل عِنْدَمَا يسخن الرَّأْس إِلَى بخارات وَمن كَانَت هَذِه حَاله فَبين أَن فصد الشريانين وشدهما لَا يريانه لِأَن الْعلَّة فِي الرَّأْس أولية)
وعلاجها نفض الرَّأْس قَالَ وَإِنَّمَا يكون السدر من ريح بخارية حادة ترْتَفع إِلَى الدِّمَاغ فِي هَذِه الشرايين أَو يكون فِي الدِّمَاغ نَفسه سوء مزاج يُولد مثل هَذِه الرّيح قَالَ يكون السدر إِمَّا لصعود ريح حادة بخارية إِلَى الرَّأْس فِي الشرايين الظَّاهِرَة أَو الْبَاطِنَة وَإِمَّا لِأَنَّهُ يتَوَلَّد فِي الرَّأْس نَفسه مثل هَذِه الرّيح عَن سوء مزاج مُخْتَلف فِيهِ وَإِمَّا لِأَنَّهُ يصعد عَن الْمعدة لي لم يقل جالينوس فِي السدر أَنه يكون من خلط بَارِد الْبَتَّةَ وَلم يذكر فِيهِ إِلَّا مَا قد كتبنَا فَيَنْبَغِي أَن ينظر من أَيْن قَالَت الْأَطِبَّاء ذَلِك قَالَ وَقد ينْتَفع قوم منم بِقطع الشاريانين اللَّذين خلف الْأذن عرضا حَتَّى يبرأ وَلَيْسَ كلهم يبرء بِهَذَا العلاج وَذَلِكَ أَنه يصعد إِلَى الدِّمَاغ شريانات أخر كَثِيرَة غير هَذِه وَقد يكون عَن الدِّمَاغ نَفسه وَعَن فَم الْمعدة.
قَالَ أرجيجانس أَنه إِذا كَانَ السدر من عِلّة تخص الرَّأْس كَانَ قبل السدر والدوار طنين فِي الْأذن وصداع وَثقل الْحَواس وَإِذا كَانَ عَن فَم الْمعدة تقدمه خفقان وتهوع لي يستعان بِهَذِهِ الْمقَالة جَوَامِع هَذَا الْكتاب إِذا كَانَ السدر والدوار يخص الرَّأْس فَإِن صَاحبه لَا يزَال ثقيل الْأذن مظلم الْعين وَيكون السدر والدوار بِهِ دَائِما.
وَأما الَّذِي يصعد إِلَيْهِ فَإِنَّهُ يفتر وصعوده إِلَيْهِ رُبمَا كَانَ فِي الْعُرُوق الَّتِي خلف ألف الْأذن وعلامة ذَلِك توترها وتمددها وَحِينَئِذٍ فليقطع وَرُبمَا صعد فِي شرياني السبات وَدَلِيله تمدد الرَّقَبَة وَرُبمَا صعد من الْمعدة وَآيَة ذَلِك أَن الْعلَّة تصعب عِنْد حُدُوث التخم وَأَن العليل يجد قلبه غثيانا وخفقانا لي يَنْبَغِي أَن يمثل هَذَا فِي الصرع.
الْيَهُودِيّ قَالَ أَكثر مَا يكون السدر من الدَّم والصفراء وَإِن كَانَ عَن البلغم كَانَ مجانسا للصرع.
قَالَ أهرن الدوار يكون إِمَّا عَن الْمعدة وَإِمَّا عَن الرَّأْس من قبل دم يصعد إِلَيْهِ أَو ريح تتولد فِيهِ عِنْد سخونة فِي الشَّمْس ويتقدم الَّذِي عَن الْمعدة وجع الْمعدة وغثي وَنَحْو ذَلِك والذ من الدَّم الصاعد فِي الشرايين أَن يدر ويتمدد وينفع حِينَئِذٍ قطعهَا وَقد يصعد فِي شرياني السبات وينفع مِنْهُ قطع الباسليق وَأما الَّذِي يخص الرَّأْس فليسق طبيخ الاهليلج والغاريقون لي ويضمد الرَّأْس بالأضمدة المقوية وَإِن رَأَيْت الْوَجْه يحمر مَعَه وَالْبدن ممتلئ فافصد الصَّافِن واحجم السَّاق ثمَّ المحاجم على الْقَفَا وينفع شم الكافور والأضمدة والنطولات الْبَارِدَة.
بولس قَالَ الْمَادَّة الَّتِي يكون مِنْهَا السدر وَهِي الَّتِي مِنْهَا يكون ليثرغس وَقد يكون عِنْد ضغط بطُون الدِّمَاغ من عظم ينكسر أَو نَحوه والسدر يكون إِذا غلب على الدِّمَاغ كيموس بَارِد)
وَلذَلِك يسْقط هَؤُلَاءِ من أدنى شَيْء من الْأَشْيَاء الَّتِي تَدور وَإِذا سخن الرَّأْس بالشمس أَو الدثار وَقد يعرض عَن ضَرْبَة تصيب الرَّأْس وَيكون إِمَّا باشتراك وَإِمَّا بانفراد فَإِن كَانَت الْعلَّة تخص الرَّأْس تقدمه وجع شَدِيد ودوي فِي الْأذن وَثقل فِي السّمع وَضعف فِي الشم وَرُبمَا عرض مَعَه ضعف الذَّوْق وَإِذا عرض عَن الْمعدة كَانَ مَعَه عصر الْمعدة والغثي ويعالج فِي وَقت النّوبَة بالغمر والدلك للأطراف وَمَا يشم مِمَّا يسكن الْعلَّة فاقصد الرَّاحَة بالفصد أَولا ثمَّ بالإسهال بالأيارج وَبعد ذَلِك وَبعد ذَلِك بالحقن الحارة المعمولة بشحم الحنظل والقنطوريون وَبعد ذَلِك حجامة النقرة وعَلى الرَّأْس ثمَّ اسْتعْمل الغرغرة والعطوس فَأَما الَّذين يَجدونَ حرارة فِي الرَّأْس ودويا فِي الْأذن وَذَلِكَ من بخارات حارة ترْتَفع فِي الشرايين فليفصد الشريانين الَّذين خلف الْأذن الْإِسْكَنْدَر قَالَ من أَنْفَع الْأَشْيَاء للسدر الْحبّ الَّذِي فِي بَاب الشَّقِيقَة. شَمْعُون للدوار أقطع مِنْهُ العرقين العظيمين الَّذين فِي الْقَفَا واكوهما حَتَّى يبلغ الْعظم وَمن سقط من شدَّة الدوار فهوّعه ثمَّ احقنه بحقن حادة وعطسه وافصده وضمد رَأسه بضماد بَارِد معتدل.
أريباسيس قَالَ حرك أَصْحَاب السدر فِي وَقت النّوبَة بالدلك والشم حَتَّى يتنبهوا فَأَما فِي وَقت الرَّاحَة فليفصدوا أَولا ثمَّ يسقوا الأيارج ثمَّ يحقنوا بحقن حادة مثل طبيخ الحنظل والقنطاريون ثمَّ يشرطون على الرَّأْس ويحجمون النقرة ويتغرغرون بِمَا يجلب بلغما كثيرا ويعطسون لي الْفرق بَين السدر الشَّديد الَّتِي يسْقط صَاحبه مِنْهُ وَبَين الصرع بِأَنَّهُ لَا يكون مَعَ سُقُوط السدر تلوي وَلَا تشنج يحرر ذَلِك.
ابْن ماسويه من كتاب السدر والدوار قَالَ إِن البخار الغليظ الْكثير إِذا صعد إِلَى الرَّأْس وَلم يُمكنهُ التنفس والتحلل مِنْهُ ولد السدر وَهَذَا البخار إِمَّا أَن يتَوَلَّد فِي الرَّأْس إِذا كَانَ مزاجه رطبا مولدا للبخار وَإِمَّا أَن يصعد عَن الْمعدة أَو بعض الْأَعْضَاء الْأُخْرَى كالساق والفخذ والكلى وَنَحْوهمَا فدليل السدر يخص الرَّأْس يكون إِنَّمَا يتَوَلَّد إِذا سخن الرَّأْس بالشمس وَالنَّار والدثار وَنَحْوه.
وَأما الْكَائِن عَن الْمعدة فَإِنَّهُ يُولد السدر فِي مقدم الرَّأْس خَاصَّة وَيكون مَعَه تهوع وَغشيَ وتكسر ويشتد مَعَ طعم وَيكثر التبزق والبصاق لي قد يكون سدر عَن الْمعدة إِذا خلت فَلَا يسكن إِلَّا بِالطَّعَامِ من الْأَشْيَاء القابضة.
قَالَ وَأما الَّذِي يرْتَفع من عُضْو مَا فَإِنَّهُ يجد الدبيب يرْتَفع من ذَلِك الْعُضْو حَتَّى يبلغ الرَّأْس ثمَّ)
يسدر وَهَذَا البخار يحدث عَن جَمِيع الأخلاط فاستخرج مَا الْغَالِب من الدَّلَائِل الظَّاهِرَة وَالتَّدْبِير الْمُتَقَدّم فَإِن رَأَيْت أَمَارَات الدَّم فافصد وَإِن رَأَيْت أَمَارَات الصَّفْرَاء فأسهل.
ابْن سرافيون قَالَ الدوار يكون إِمَّا بإشترك فَالَّذِي باشتراك وَإِمَّا بانفراد فَالَّذِي باشتراك يكون مَعَ سوء الهضم ووجع الْمعدة والقراقر والغشي ويسكن ويهيج وَالَّذِي بانفراد عَن الرَّأْس فَيكون دَائِما وَيكون مَعَ طنين الْأذن وَثقل الرَّأْس وظلمة الْبَصَر وَيقرب من حَالَة السَّكْرَان وَقد يكون الدوار من بلاغم ألف كَثِيرَة فِي الرَّأْس فعالج هَؤُلَاءِ بإسهال البلغم ثمَّ بِالتَّدْبِيرِ الملطف والأدوية المسخنة وتنقية الرَّأْس وَإِن كَانَ من ريَاح غَلِيظَة فاكبه على طبيخ البانونج والبرنجاسف وأكليل الْملك والصعتر والمرزنجوش والشيح وورق الْغَار وَإِن كَانَ كيموس حَار فانفضهم بطبيخ الهيلج وَإِن رَأَيْت للفصد وَجها فافصدهم القيفال إِن كَانَ بانفراد الرَّأْس وَإِن كَانَ باشتراك فالأكحل واسقه بعد ذَلِك المبردات وضمد بهَا رَأسه وَإِن طَالَتْ الْعلَّة فَاعْلَم إِنَّهَا بَارِدَة فَعَلَيْك بالإيارجات الْكِبَار ونقيع الصَّبْر بليغ جيد وَإِن كَانَت الرّيح يرْتَفع فِي الشريانين الَّذين خلف الْأُذُنَيْنِ فآية ذَلِك أَن يتمدد تمدداً شَدِيدا ويلتفان بِآخِرهِ وَإِن أَنْت شددتهما سكن الوجع وَكَذَلِكَ إِن اطليتهما بالأدوية القابضة ويسكن الْبَتَّةَ بترهما وَإِن لم ينْتَفع بذلك فَإِنَّهُ يصعد فِي الدَّاخِلَة وعلاجه إدمان الإسهال.
الْفُصُول الْخَامِسَة قَالَ السدر هُوَ أَن يخيل للْإنْسَان مَا يرَاهُ يَدُور حوله ويفقد حس الْبَصَر بَغْتَة حَتَّى يظنّ أَنه قد غشى جَمِيع مَا يرَاهُ ظلمَة وينفع مِنْهُ الْقَيْء لي كَانَ جالينوس لَا يفرق بَين السدر والدوار هُوَ أَن يرى مَا حوله يَدُور والسدر يكوون بعقب الدوار إِذا اشْتَدَّ وَبلغ إِلَى أَن يسْقط وَحصل أَن الدوار يَنْبَغِي أَن يطْلب سَببه من حَال الْبدن وتدبيره وأزمان الْعلَّة فَإِنَّهُ قد يكون من خلط بَارِد وحار ثمَّ يعالج بِحَسب ذَلِك.
مسَائِل الْفُصُول قَالَ السدر هُوَ أَن يرى الْإِنْسَان جَمِيع مَا يرَاهُ كَأَنَّهُ قد تغشا ظلمَة أَو ضباب ويعرض لخلط ردى يلذع فَم الْمعدة البشيذك لي هَذِه الْعلَّة تكون من حَال إعيائه فِي الْبدن وخاصة فِي أعالي الْبدن وتتمدد مَعَه الْعُرُوق وتحمر الْعين وَيكثر التثاوب والتمطي وينفع مِنْهُ على ماقد جربت صب المَاء الْبَارِد الْكثير على الرَّأْس وَشرب مَاء الثَّلج وَالنَّوْم وَإِذا كَانَ يكثر بالإنسان فَإِنَّهُ يحْتَاج إِلَى فصد عرق القيفال وَإِلَى الْحَوْز قَالَت وَج جيد للبشيذك لي وَقد جربه صديق لي فَانْتَفع بِهِ فَإِن كَانَ يلوكه وَلَعَلَّه يعْمل ذَلِك بخاصيته وَقد ينفع مِنْهُ أَن يستف كزبرة وسكر وَأَن يشد الْيَد على شرياني السبات سَاعَة وَيَنْبَغِي أَن يحذر أَن يُصِيب الْإِنْسَان من الشد على هذَيْن حَالَة شَبيهَة أُفٍّ بالسكتة حِينَئِذٍ وَقَالَ خل العنصل يصلح للسدر الْعَارِض من السَّوْدَاء وَشَرَابه جيد البلسان نَافِع من السدر.
روفس قَالَ شرب المَاء خير فِي السدر من الشَّرَاب وأصل الفاشرا يشرب مِنْهُ كل يَوْم دِرْهَمَيْنِ يعظم نَفعه للسدر القنة إِذا دخن بِهِ نفع للسدر ابْن ماسويه ينفع من السدر حب البلسان مثقالين يسقى بنقيع الصَّبْر أَو بنقيع الايارج أَو بنقيع الحمص فِي مَاء الافسنتين ثَلَاث اواق وللسدر الْعَارِض من البلغم والصفراء بنقيع الصَّبْر والافسنتين.
هراوس الْحَكِيم قَالَ يكون السدر من البلغم والسوداء ويجد صَاحبه ثقلاً فِي الرَّأْس ويحيد بَصَره عَن الضَّوْء وَلَا يَسْتَطِيع سَماع صَوت شَدِيد وَيرى بَين يَدَيْهِ أَشْيَاء تَدور فَإِذا تمطى وَهُوَ قَائِم سقط فليفصد ويحقن ويشم الملطفة وَيُقَوِّي الرَّأْس بخل ودهن ورد ويلطف غذاؤه وَيكثر الْمَشْي وينطل على رَأسه مَاء حَار فَإِنَّهُ يبرؤه ويحجم النقرة وَيقطع الشريان الَّذِي خلف الْأذن ويشم جندبيدستر وسداب ومرزنجوش ونمام ويسهل بالغاريقون وشحم الحنظل وإيارج وملح هندي والاسطوخودوس.
من حفظ الصِّحَّة قَالَ قد يكون سدر ودوار من قبل مزاج الشريانات فليفصد حِينَئِذٍ الشريانات أَعنِي خلف الْأذن وَقَالَ فِي الفصد اجْعَلْهُ من الرجل.
جورجس قَالَ حَال من سدر كَحال من يَدُور مَرَّات كَثِيرَة يحميه ويسدر أَيْضا من الشَّمْس والصيحة الشَّدِيدَة وينفعه قطع القيفال والإسهال وَترك الشَّرَاب وَجَمِيع مَا يبخر.
ابْن ماسويه من كِتَابه فِي السدر قَالَ يكون من بخار كثير يمْلَأ الدِّمَاغ إِمَّا يتَوَلَّد فِي الرَّأْس أَو يصعد من الْمعدة أَو من بعض الْأَعْضَاء فاستدل على الَّذِي من عُضْو مَا إِنَّه يجده يصعد مِنْهُ أَولا وَيعرف حَال الْبدن ثمَّ انفض ذَلِك الْخَلْط الْغَالِب.)
مَجْهُول إِذا كَانَ السدر مَعَ حرارة فعالج بخل خمر ودهن ورد وافصد شرياني الْأذن والقيفال واحجم الفاس وانفخ فِي أَنفه كافورا وَإِن كَانَ مَعَ بردفا سهله بالقوقايا واسعطهم بِمَا يجذب البلغم.









مصادر و المراجع :

١-الحاوي في الطب

المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)

المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي

الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م

عدد الأجزاء: 7

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید