المنشورات

(التنفس)

وتقدمة الْمعرفَة مِنْهُ بِمَا يدل عَلَيْهِ وَفعله فِي الْجِسْم يَنْبَغِي أَن يلْحق كل بَاب يدل على مرض بذلك الْمَرَض وَينزل هَاهُنَا أَيْضا 3 (قَالَ ج فِي) 3 (سوء التنفس) النَّفس مركب من حركتين إِحْدَاهمَا جده الْهَوَاء إِلَى دَاخل وَالْأُخْرَى دَفعه إِلَى خَارج وَله وقفتان من هَاتين إِحْدَاهمَا الوقفة الَّتِي بَين أَجزَاء الانبساط وَابْتِدَاء الانقباض وَهُوَ أقصرهما وَالْأُخْرَى الَّتِي بَين أَجزَاء الانقباض وَأول الانبساط وَهِي أطولهما قَالَ إِذا كَانَ الْفضل الدخاني قد أجمع مِنْهُ شَيْء كثير كَانَت حَرَكَة الْهَوَاء إِلَى خَارج وَهُوَ الانقباض سَرِيعا عَظِيما وبالضد لِأَن الطبيعة تحْتَاج أَن تدفع مِنْهَا أَكثر من دَفعهَا فِي الْحَالة الطبيعية وَدفعهَا بالانقباض وَكَانَت الْحَاجة إِلَى التبريد بالهواء شَدِيدَة فَإِن الانبساط يزِيد وَيَنْبَغِي أَن تفسو كلا إِلَى حَالَته الطبيعية لِأَن حَرَكَة الانقباض فِي الشَّبَاب أقوى بالطبع لِأَن حَاجتهم إِلَى إِخْرَاج البخار الدخاني أَكثر وَكَذَلِكَ فِي الْأَوْقَات والأمزاج فَإِن الحارة تكسب عظما وتواتراً والبارد على ضد ذَلِك وَفِي حَال النّوم يكون الانقباض أسْرع وَأعظم لِأَن الهضم هُنَاكَ يكون فتكثر البخارات الدخانية والاستحمام الحارّ يَجْعَل النَّفس سَرِيعا عَظِيما والبارد على ضد ذَلِك وَجَمِيع الْأَمْرَاض الحارّة تجْعَل النَّفس عَظِيما سَرِيعا متواتراً وخاصة مَتى كَانَت فِي آلَات النَّفس الْعَظِيم الْكثير الانبساط والانقباض والسريع الَّذِي يسْرع فِي إِدْخَال الْهَوَاء إِذا أَدخل وَفِي إِخْرَاجه إِذا أخرج والمتواتر الَّذِي ينقص فِيهِ زمَان السّكُون وَهُوَ زمَان الانقباض.
قَالَ وَفِي الْأَمْرَاض الْبَارِدَة بضد ذَلِك إِذا كَانَ الصَّدْر ألماً صَار النَّفس صَغِيرا متواتراً لِأَن الصَّغِير لحركته وَقلة الْحَرَكَة أقل لوجعه وَإِنَّمَا يصير متواتراً ليدرك مِنْهُ بالتواتر مَا فَاتَهُ بِعظم فَإِن لم يكن لهيب وحرارة مَعَ ذَلِك فِي الْقلب وَغَيره نقص التَّوَاتُر وأبطئت حَرَكَة الصَّدْر لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى السرعة ويصعب عَلَيْهِ لوجعه فَلَا يَفْعَله وَإِن كَانَ اللهيب قَائِما فالحاجة إِلَى استدخال الْهَوَاء الْكثير قَائِمَة فَإِنَّهُ يزِيد فِي التَّوَاتُر كلما نقص من الْعظم لِأَن التَّوَاتُر أخف عَلَيْهِ وَأَقل لوجعه من أَن ينبسط انبساطاً كثيرا لعظم الْحَرَكَة وَطول مدَّتهَا فَإِن فِي أوجاع الصَّدْر الَّتِي لَيْسَ الْقلب ملتهباً مَعهَا ينقص عظم الانبساط وَيزِيد فِي التَّوَاتُر.)
فَإِن كَانَ الْقلب مَعَ ذَلِك متواتراً وَالنَّفس الَّذِي يكون من أورام صلبة وسدد وَبِالْجُمْلَةِ لضيق فِي آلَات النَّفس يكون صَغِيرا متواتراً وَالسَّبَب فِي ذَلِك ألف ألف إِنَّمَا يجذب من الْهَوَاء قَلِيل فَيحْتَاج أَن يجذب بِسُرْعَة مَا كَانَ يبلغهُ بسعة المجرى والضيق يكون فِي آلَات النَّفس على وَجْهَيْن إِمَّا فِيهِ نَفسه كَمَا يعرض فِي الربو والأورام وَإِمَّا لشَيْء يضغط آلَات النَّفس كالحال فِي الاسْتِسْقَاء والحيال وورم الكبد وَالطحَال وَعند الشِّبَع أَو من أجل حدبه من خلف أَو قُدَّام وتفرق بَين الضّيق الْكَائِن مَعَ وجع وَالَّذِي لَا وجع مَعَه إِن الَّذِي مَعَه وجع تقل سرعته إِلَّا أَن يكون مَعَ حمى فَإِن كَانَ مَعَ حمى أفرط التَّوَاتُر.
وَإِن كَانَ الْهَوَاء الْخَارِج بِالنَّفسِ أسخن وَلَيْسَ هَذَا فِي الضّيق فَقَط وَالَّذِي بِلَا وجع النَّفس الْعَظِيم المتفاوت يدل على اخْتِلَاط الْعقل لِأَن الْمُخْتَلط يشْتَغل بأَشْيَاء تصده من أَن يتنفس فَإِذا أكدته أَخذ من النَّفس ضَرْبَة مَا فَاتَ فيعظم لذَلِك وتطول مُدَّة الانقباض وَهَذَا الْإِمْسَاك عَن النَّفس وَيكون التنفس مُخْتَلفا لِلْعِلَّةِ الَّتِي يخْتَلف لَهَا النبض وَيكون اختلافه مدّة بسرد ونظام ومدّة بِلَا سرد وَلَا نظام مثل النبض إِذا عرض فِي إِدْخَال الْهَوَاء أَو فِي إِخْرَاجه سُكُون قبل استتمامه كَأَنَّهُ يجتذب الْهَوَاء فِي دفعتين أَو يُخرجهُ فقصبة الرية مَمْلُوءَة أخلاطاً ورطوبات وَيكون إِمَّا فِي الشوصة وَإِمَّا فِي ذَات الرية وَلَا بُد فِي حُدُوث التنفس الْمُخْتَلف أَن تكون قَصَبَة الرية ضيقَة لِأَن التنفس الْمُخْتَلف يحدث إِذا كَانَ فِي آلَات النَّفس وجع أَو شَيْء مَانع من الْبسط فتميل الْقُوَّة مرّة إِلَى تَخْفيف الوجع فيصغر الانبساط فَإِذا أشرفت على الاختناق مَالَتْ إِلَى تَعْظِيمه أَصْحَاب الوجع الَّذين يتنفسون نفسا صَغِيرا وبهم مَعَ ذَلِك حَاجَة تدعوهم إِلَى عظم الانبساط يتنفسون نفسا عَظِيما بَينا وَذَلِكَ أَن الْعَظِيم يوجعهم فَإِذا أشرفوا على الاختناق استعملوه ضَرُورَة من اخْتَلَط ذهنه كَانَ نَفسه عَظِيم الانبساط وَمن نقص حره الغريزي كَانَ انبساطه صَغِيرا وَكَانَت مَعَ ذَلِك عودته بطيئة من كَانَ بِهِ وجع مَعَ زِيَادَة الْحَاجة إِلَى التنفس كَانَ انبساطه عَظِيما متواتراً وَكَذَلِكَ من كَانَ بِهِ ضيق آلَات النَّفس فَإِذا كَانَ مَعَ ذَلِك حرّ كَانَ التوتر أسْرع وَرُبمَا دعت الضَّرُورَة أَن يتنفس نفسا عَظِيما لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذكرنَا. وَيَعْنِي من أَصْنَاف سوء النَّفس وَاحِدَة وَهِي الْعَظِيم السَّرِيع وَهَذَا يكون عِنْد شدَّة الْحَاجة ومواتاة الْآلَة.
أَصْنَاف سوء التنفس إِمَّا عَظِيم متواتر وَإِمَّا عَظِيم متفاوت وَإِمَّا صَغِير سريع متفاوت هَذَا فِي الانبساط وَمثل هَذَا فِي الانقباض والانقباض جملَة يدل على الْحَاجة إِلَى مَا يحْتَاج إِلَيْهِ إِن يخرج)
والانبساط إِلَى مَا يحْتَاج أَن يدْخل فَلذَلِك إِذا غلبت الْحَرَارَة الدخانية على الْقلب كَانَ الانقباض أَعنِي إِخْرَاج النَّفس عَظِيما سَرِيعا مِثَال أنزل أَن اجتذاب ألف ألف الْهَوَاء إِلَى دَاخل صَار أَصْغَر وَأَبْطَأ وإخراجه وَدفعه إِلَى خَارج صَار أعظم وَأقوى أَقُول إِن صَاحب هَذِه الْحَال قد نقصت حرارته الغريزية وزادت فِيهِ الْحَرَارَة الدخانية وبالضد الانبساط الْعَظِيم إِذا كَانَ مَعَ تَوَاتر دلّ على شدَّة الْحَاجة وَإِذا كَانَ مَعَ تفَاوت فعلى اخْتِلَاط الذِّهْن النَّفس الْعَظِيم إِذا كَانَ متواتراً دلّ على شدَّة الْحَاجة وَإِذا كَانَ مَعَ تفَاوت فعلى اخْتِلَاط الذِّهْن النَّفس الصَّغِير يدلّ على الوجع وَإِمَّا على الضّيق وَإِمَّا على قلَّة الْحَاجة فَإِذا كَانَ التَّوَاتُر دلّ على الوجع وَإِمَّا على الضّيق وَإِمَّا على قلَّة الْحَاجة وَإِذا كَانَ مَعَ تفَاوت لي وَيفرق بَين الوجع وَبَين الضّيق أَن الضّيق يَدُوم الصغر فِيهِ والوجع رُبمَا وَقع فِي الْوسط وَاحِد عَظِيم لِأَنَّهُ فِي أَكثر الْحَال تكون الْحَاجة مَعَه أسْرع أَو باحتباس الوجع وَبِأَن الَّذِي من الضّيق أَن حمل نَفسه على نفس عَظِيم كَانَ كَأَنَّهُ لَا يُمكنهُ فَأَما الَّذِي كَون من وجع فيمكنه لَكِن يوجعه وَله مثل الْأَصْنَاف الَّتِي قدمنَا من السرعة وَمعنى السرعة إِدْخَال الْهَوَاء وإخراجه سريع متواتر سريع متفاوت بطيء متواتر بطيء متفاوت وَمثل ذَلِك فِي الانقباض وَهُوَ إِخْرَاج الْهَوَاء فَذَلِك سِتَّة عشر ثَمَانِيَة فِي الانبساط وَثَمَانِية فِي الإنقباض وَذَلِكَ أَن الْمُفْردَات سِتَّة عَظِيم وصغير وسريع وبطيء ومتفاوت ومتواتر. فالعظيم وَالصَّغِير يكونَانِ فِي كَيْفيَّة الإدخال والإخراج والسريع والبطيء فِي سرعَة حركته الإدخال والإخراج والتواتر والتفاوت فِي الزَّمَان الَّذِي بَين آخر الإنقباض وَأول الانبساط والتنفس الْكثير الْمُتَوَاتر الْقَلِيل السرعة يكون عَن وجع مَعَ تزايد الْحَاجة والقليل الْمُتَوَاتر الْكثير السرعة يدل على تزيد الْحَاجة وَيلْزمهُ الْعظم ضَرُورَة وَيلْزم الأول الصغر ضَرُورَة وَأما الْمُتَوَاتر البطيء فَيسْقط لِأَن مَا ينْدر بِهِ بيّن مِمَّا قدمْنَاهُ والمتفاوت السَّرِيع يسْقط أَيْضا لِأَن أمره بيّن من الأول والطيء المتفاوت قد علم مِمَّا تقدم وَتحصل مِمَّا تدل سِتَّة أَصْنَاف فَقَط وَتسقط الْبَاقِيَة لن دلايلها دَاخِلَة فِيمَا تقدم عَظِيم متواتر عَظِيم متفاوت صَغِير متواتر صَغِير متفاوت بطيء متواتر سريع متفاوت فتختلف وَتسقط الْبَاقِيَة وَالِاخْتِلَاف يدل على مَا ذكرنَا فحصّل ذَلِك وجرّده وَهَذَا أبعد أَن يتفقد أَمر عَادَة الرجل فِي نَفسه لِأَن النَّاس يتنفسون ضروباً بعد أَن تكون آلَة الصَّدْر سليمَة من الاسترخاء والتشنج وَرُبمَا اخْتَلَط الذِّهْن وَلم يكن النَّفس عَظِيما متفاوتاً وَفِي هَذِه الْحَال يكون وجع مَانع من عظم النَّفس فيضمك إِلَى صغره ولصغره إِلَى تواتره سوء التنفس يعرض دَائِما مَعَ الورم الْحَار فِي)
جَمِيع آلَات النَّفس والصدر وَالْجنب والرية والحجاب وَفِي أورام الكبد الحارة الفلغمونية وخاصة إِن كَانَ فِي حدبتها وَفِي ورم عَظِيم فِي الطحال وخاصة إِن كَانَ مِنْهُ ألف ألف فِي أَعْلَاهُ وَأَعلاهُ هُوَ الَّذِي إِلَى الرَّأْس أقرب فَإِنَّهُ يعرض لجَمِيع هَؤُلَاءِ نفس صَغِير متواتر ويتولد أَيْضا من ورم الأمعاء وَلِذِي القولن إِذا كَانَ ورماً فلغمونياً وَفِي المستسقين والحبال وَأَصْحَاب الْبُطُون الْعِظَام والممتلين وَأَصْحَاب الربو والمدة واعوجاج الصلب يصير صَغِيرا متواتراً للضيق وَفِي الَّذين ذَكَرْنَاهُمْ أَولا للوجع إِذا كَانَ الوجع شَدِيدا جلب اخْتِلَاط الْعقل وَجعل النَّفس صَغِيرا متواتراً وَإِذا كَانَ اخْتِلَاط الذِّهْن عَظِيما والوجع ضَعِيفا جدا لم يتَغَيَّر نَفسه عَن الْعظم والتفاوت والورم فِي الطحال لَا يكَاد يزحم الْحجاب إِلَّا أَن يكون عَظِيما.
قَالَ أبقراط فِي الْمقَالة السَّادِسَة من أبيذيميا التنفس مِنْهُ الصَّغِير الْمُتَوَاتر وَالصَّغِير المتفاوت والعظيم الْمُتَوَاتر والعظيم المتفاوت والعظيم إِلَى خَارج وَالصَّغِير إِلَى دَاخل والعظيم إِلَى دَاخل وَالصَّغِير إِلَى خَارج والممتد والمسرع وَالِاسْتِنْشَاق بعد الِاسْتِنْشَاق والحار والبارد وَحكى عَن أبقراط أَنه قَالَ فِي الْأَمْرَاض الحادة أَن التنفس الْمُتَوَاتر يتعب مَا دون الشراسيف ومراق الْبَطن. ج أَن أبقراط وصف فِي هَذَا القَوْل أَصْنَاف التنفس الرَّدِيء وَأَقُول أَن التنفس مركب من جزئين أَحدهمَا إِدْخَال الْهَوَاء وَالْآخر إِخْرَاجه وَيلْزمهُ بِالْعرضِ سكونان أَحدهمَا الَّذِي بعد إِدْخَال الْهَوَاء قبل أَن يَدُوم إِخْرَاجه وَالْآخر بعد خُرُوج الْهَوَاء من قبل إِدْخَاله وَالنَّفس الْعَظِيم هُوَ الَّذِي يدْخل فِيهِ الْهَوَاء أَكثر مِمَّا يخرج وَالصَّغِير ضد لذَلِك والمتفاوت مَتى كَانَ الصَّدْر يسكن أَكثر من السّكُون الطبيعي وَإِذا كَانَت مُدَّة سكونه قَصِيرَة كَانَ متواتراً وَإِذا تركبت هَذَا كَانَ مِنْهَا أَرْبَعَة تراكيب الْمُتَوَاتر الصَّغِير والمتفاوت الْعَظِيم والمتفاوت الصَّغِير والمتواتر الْعَظِيم والعظيم إِلَى دَاخل وَالصَّغِير إِلَى خَارج هُوَ الَّذِي يستنشق هَوَاء كثيرا وَيخرج قَلِيلا وضده الممتد هُوَ الَّذِي يكون فِي مُدَّة طَوِيلَة والمسرع ضِدّه يكون فِي مُدَّة قَصِيرَة وَالَّذِي يستنشق فِي مرَّتَيْنِ وَالَّذِي يخرج الْهَوَاء فِي مرَّتَيْنِ وكل شَيْء يسْتَحق أَن يذكر فِي بَاب قد رددناه إِلَيْهِ قَالَ وَمن بردت آلَات النَّفس مِنْهُ فناله من ذَلِك سوء النَّفس فَالنَّفْس الصَّغِير جيد لَهُ وَالنَّفس الَّذِي يَتَحَرَّك مِنْهُ ورقتا الْأنف يعرض لمن يصير إِلَى حَال الاختناق من الذبْحَة أَو من ذَات الرية أَو غَيرهَا من أمراض الصَّدْر أَو لمن خارت قوته وضعفت وَفِي هَؤُلَاءِ)
ترى العالي إِلَى مَا يَلِي الْكَتِفَيْنِ يَتَحَرَّك ويسمي الْأَطِبَّاء هَذَا النَّفس نفسا عَالِيا فَإِن الْإِنْسَان مادام فِي صِحَّته وَكَانَ فَارًّا من حَرَكَة إرادية مزعجة فَإِنَّمَا يتنفس بأسافل صَدره ممايلي الْحجاب فَإِذا احْتَاجَ أَن يتنفس استنشاقاً أَكثر حرك مَعَ أسافل صَدره مَا يتَّصل من فَوق فَإِذا احْتَاجَ إِلَى ذَلِك حَاجَة شَدِيدَة جدا حرك مَعَ ذَلِك أعالي صَدره ممايلي الْكَتِفَيْنِ حَتَّى يُحَرك الصَّدْر حَرَكَة استكراه أَو كَمَا يعرض فِي حَال الصِّحَّة لم يحضر إحضاراً شَدِيدا.
من الْأَمْرَاض الحادة ألف ألف قَالَ يعرض النَّفس الْمُتَوَاتر والعظيم عِنْد انضغاط الْحجاب من الْأَطْعِمَة الْكَثِيرَة المحتبسة وَذَلِكَ أَنه يجب ضَرُورَة أَن يقل الْهَوَاء عِنْد الإدخال من أجل ضغط الْمعدة للحجاب فلكي يستتم الْحَيَوَان مَا يحْتَاج إِلَيْهِ أَن يقل الْهَوَاء عِنْد الإدخال إِمَّا أَن ينبسط الصَّدْر بسطاً وَاسِعًا كثيرا وَإِمَّا أَن يواتر ذَلِك. 

من مُخْتَصر فِي النبض على رَأْي ج التنفس مركب من انبساط وانقباض ووقفتين إِحْدَاهمَا قبل الانبساط وَالْأُخْرَى قبل الانقباض والوقفة الَّتِي قبل الانبساط أطول كثير من الَّتِي قبل الانقباض مادام الْجِسْم بِحَالهِ الطبيعية وَكَذَلِكَ مُدَّة الانبساط أطول وإدخاله الْهَوَاء فِي وَقت أَبْطَأَ وَمُدَّة الانقباض أقصر وإخراجه الْهَوَاء فِي وَقت أقل أَو الوقفتان يتبعان فِي الطول وَالْقصر طول وَقت الانبساط والانقباض فيطولان ويقصران بطولهما وقصرهما وَأمره شَبيه بِأَمْر النبض فاقرء بَاب النبض واستعن بِهِ. وَإِذا كَانَ النَّفس إِلَى خَارج سَرِيعا كَانَت الوقفة قبله قَصِيرَة وَإِذا كَانَ بطيئاً كَانَت طَوِيلَة لِأَن التنفس إِلَى دَاخل يَعْنِي فِي الانبساط إِنَّمَا يكون سَرِيعا عِنْد فضل حَاجَة إِلَى الْهَوَاء الْبَارِد وَإِذا كَانَ التنفس إِلَى دَاخل بطيئاً كَانَ الْأَمر فِي الوقفة الَّتِي قبله على الضِّدّ لِأَن الطبيعة لَا يخفر بهَا شَيْء إِلَى سرعَة اجتذاب الْهَوَاء وعَلى هَذَا الْقيَاس يجْرِي أَمر التنفس إِلَى خَارج وَهُوَ الانقباض وَذَلِكَ إِنَّمَا يسْرع إِذا كَانَ البخار الدخاني فِي الْقلب وَالْعُرُوق يخفر الطبيعة لإخراجه وافهم مثل هَذَا فِي النبض انبساطه وانقباضه.
تقدمة الْمعرفَة والتنفس الْمُتَوَاتر يدل على ألم فِي الْمَوَاضِع الَّتِي فَوق الْحجاب وَإِذا كَانَ عَظِيما ثمَّ كَانَ فِي مَا بَين مُدَّة طَوِيلَة دلّ على اخْتِلَاط الْعقل وَإِذا كَانَ يخرج من المنخرين والفم وَهُوَ بَارِد فَإِنَّهُ قتال لِأَن التنفس عِنْد الْأَلَم يكون صَغِيرا متواتراً وَأما عِنْد الالتهاب فعظيماً متواتراً وَأما المتفاوت وَهُوَ الَّذِي يكون فِي مَا بَين مُدَّة طَوِيلَة فَإِنَّهُ إِن كَانَ عَظِيما دلّ على اخْتِلَاط الذِّهْن وَإِن كَانَ صَغِيرا دلّ على انطفاء الْحَرَارَة وَقلة الْحَاجة إِلَى التروّح وَالَّذِي يخرج بَارِدًا على ذَلِك يدل)
على سَلامَة الْقلب والرية والحجاب على أَن الْأَعْضَاء الَّتِي تتصل بِهَذِهِ لَيست بهَا عِلّة مؤلمة وَلَا ورم حَار أَعنِي الْمعدة والكبد وَالطحَال لِأَن هَذِه تلاصق الْحجاب وَمَتى لم يكن فِي هَذِه التهاب شَدِيد وَلَا ورم حَار فِي الْأَمْرَاض الحادة فليعظم الرَّجَاء فِي السَّلامَة.
الْفُصُول إِذا كَانَ التنفس مُنْقَطِعًا قبل الاستتمام إِمَّا فِي الانبساط وَإِمَّا فِي الانقباض وَإِمَّا فيهمَا فَيدل على تشنج لِأَن ذَلِك يكون قد نَالَ عضل الصَّدْر طرف من التشنج فَإِن عظم ذَلِك أدنى عظم نَالَ صَاحبهَا التشنج. لي أعد النّظر فِي الْمقَالة الأولى من سوء التنفس وَضعهَا على تَرْتِيب ونظام كَمَا فعل جالينوس وتفصل مَا ترى ألف ألف مِمَّا نقُول مِثَال ذَلِك نقُول إِن التنفس مركب من إِدْخَال الْهَوَاء وَهُوَ الانبساط والوقفة الَّتِي تكون قبل أَن تبدء بِإِخْرَاج الْهَوَاء أَعنِي الانقباض والوقفة الَّتِي تكون بعده حَتَّى تبدء بانبساط ثانٍ فَهَذِهِ أَرْبَعَة أَجزَاء حركتان إِحْدَاهمَا انقباض وَالْأُخْرَى انبساط وسكونان أَحدهمَا قبل الانقباض وَالْآخر قبل الانبساط وَالَّذِي قبل الانقباض أقصر بالطبع من الَّذِي قبل الانبساط وَكَانَ النَّفس إِنَّمَا هُوَ ثَلَاثَة أَجزَاء الانبساط والسكون الَّذِي بعده والانقباض لِأَن النَّفس الْوَاحِد يتم بِهَذِهِ الثَّلَاثَة الْمعَانِي فَأَما السّكُون الَّذِي قبل الانبساط فَإِنَّهُ مُشْتَرك فِيمَا بَين النفسين وَلَكِن بِجِهَة الثَّلَاثَة تمّ الْأَمر أَن يُقَال إِن لَهُ أَرْبَعَة أَجزَاء أول وَيلْزم النَّفس من جِهَة الْحَرَكَة اثْنَتَانِ إِحْدَاهمَا السرعة وَالْآخر الْعظم والسرعة وضدهما إِدْخَال الْهَوَاء وإخراجه فِي مُدَّة أقصر والعظم هُوَ بسط الصَّدْر أَو قَبضه فِي مَسَافَة أعظم وَمن السّكُون المتفاوت والمتواتر فَتَصِير أَصْنَاف التنفس سِتَّة عَظِيم وصغير وسريع وبطيء ومتفاوت ومتواتر فَأَما المركبة فستة عشر صنفا لِأَن تركيب الْعَظِيم مَعَ الصَّغِير والسريع مَعَ البطيء والمتفاوت مَعَ الْمُتَوَاتر تسْقط لِأَنَّهَا أضداد وَتسقط أَيْضا عكوس كَثِيرَة. لي يُمكن أَن يُؤْخَذ الدَّلِيل من النَّفس أبين وأوضح مِنْهُ من النبض فِي بعض الْأَحْوَال فَإِذا رَأَيْت النَّفس يدْخل سَرِيعا وَيخرج سَرِيعا فَإِنَّهُ على حرارة وَيجب أَن يَنْقَسِم ذَلِك كُله باستقصاء.
الثَّالِثَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ سوء التنفس الَّذِي لَهُ فترات ودفعات وَيكون خُرُوجه ودخوله بكُرهٍ شَدِيد قَالَ ذَلِك يكون بِسَبَب السكتة. الرَّابِعَة وَفِي الربو وضيق الْآلَة بِالْجُمْلَةِ وَفِي ضعف الْقُوَّة قد ينبسط الصَّدْر انبساطاً كثيرا إِلَّا أَنه لَا يدْخلهُ هَوَاء كثير وَلَا يكون للهواء فِيهِ خُرُوج ينفخه ضَرْبَة كالحالة عِنْد الْحَرَارَة الْكَثِيرَة فِي الصَّدْر قَالَ عظم النَّفس الَّذِي يَتَحَرَّك فِيهِ جَمِيع)
الصَّدْر يكون إِمَّا لحرارة شَدِيدَة فِي الصَّدْر وَإِمَّا لضيق وَإِمَّا لضعف الْقُوَّة وَإِمَّا لَهَا كلهَا إِلَّا أَنَّهَا إِن اجْتمعت كلهَا مَاتَ العليل على الْمَكَان وَإِن اجْتمع اثْنَان يعسر مَا يتَخَلَّص فَإِذا كَانَ من حرارة مَعَ ذَلِك تَوَاتر ونفخة وَسُرْعَة وَهُوَ حَار يخرج مِنْهُ وَهُوَ يتروّح إِلَى الْبَارِد وَإِذا كَانَ من قُوَّة ضَعِيفَة فَإِنَّهُ لَا يكون تَوَاتر وَلَا سرعَة وَلَا نفخة إِلَّا أَن يخفر مَعَ حرارة شَدِيدَة وَله فِيمَا يَخُصُّهُ انقباض ورقتي الْأنف قَالَ وَكَذَلِكَ من كَانَ ينبسط صَدره أعظم مَا يكون لسَبَب ضيق فَإِنَّهُ لَا يخرج مَعَه نفخة وَلَا هُوَ حَار إِلَّا أَن يكون مَعَ ذَلِك حرارة كالحال فِي ذَات الرية فَإِن هَؤُلَاءِ يتنفسون التنفس الْعَظِيم جدا ألف ألف الْمُتَوَاتر السَّرِيع وَلَا يكفيهم ذَلِك فضلا عَن غَيره وَالَّذين بهم ربو يبسطون الصَّدْر كُله لَكِن لَا يكون هُنَاكَ تَوَاتر وَلَا نفخة وَلَا هَوَاء حَار وَالَّذين بهم مُدَّة فِي الصَّدْر بِلَا هَوَاء حَار ونفخة وَلَا يكون أَيْضا هَؤُلَاءِ يختنقون سَرِيعا لِأَن قوتهم تكون قد سَقَطت لِأَن كل من جمع فِي صَدره مُدَّة قد بلغ إِلَيْهِ الضعْف ضَرُورَة وَمَعَ أَصْحَاب ذَات الرية والربو بَاقِيَة. وَجُمْلَة فالنفخة خَاصَّة بالحرارة الْكَثِيرَة وَأَصْحَاب الذبْحَة أَيْضا يتنفسون كَهَذا التنفس إِلَّا أَنه يكون مَعَ سرعَة وتواتر لِأَن النَّفس يدْخل قَلِيلا فَيحْتَاج أَن يستلحق مَا قد فَاتَ فَأَما نفخة فَلَا تكون وَأما الْعَظِيم المتفاوت فَهُوَ يدل على اخْتِلَاط عقل فَقَط وَالصَّغِير المتفاوت يدل على برد فِي الْقلب وغنى عَن التنفس وَالصَّغِير الْمُتَوَاتر يدل على وجع فِي آلَات التنفس وَالَّذِي يَنْقَطِع بِسُكُون يسير ثمَّ يتنفس وَهُوَ المتضاعف كَنَفس الباكي يكون إِمَّا لتشنج فِي آلَات النَّفس وَإِمَّا لأجل حرارة كَثِيرَة تضطر العليل إِلَى شدَّة المتواترة فِي إِدْخَال النَّفس وإخراجه فَأَما تَعْطِيل النَّفس وَهُوَ الَّذِي يبلغ من صغره أَلا يلْحقهُ الْحس فَهُوَ من عِلّة تحدث فِي قَالَ التنفس الَّذِي ينبسط فِيهِ الصَّدْر كُله إِذا كَانَ بِلَا حمى فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يكون فِي الرية خلط غليظ أَو مُدَّة حواليها أَو فِي قصبتها وَحِينَئِذٍ فافصل بَين هذَيْن فَإِن النَّفس الَّذِي مَعَه تحير يدل على أَن الَّذِي فِي الرية رطوبات فَإِنَّهُ مِنْهَا فِي قصبتها وَالَّذِي بِلَا تحير يدل على ورم لم ينضج فِي الرية أَو حواليها خَارِجا عَنْهَا أَو رطوبات حولهَا خَارِجا وَإِذا حدث مثل هَذَا التنفس بَغْتَة فَاعْلَم أَنه قد سَالَ إِلَى الرية من الرَّأْس أَو من غير مَادَّة وَأما إِن كَانَ مَعَه قبل ذَلِك ذَات جنب فَلم تستنق جيدا فَاعْلَم أَن ذَلِك مُدَّة. الأولى من سوء التنفس قَالَ التنفس مركب من إِدْخَال الْهَوَاء وإخراجه من سكونين أَحدهمَا بعد إِدْخَال الْهَوَاء وَهُوَ أَصْغَر وَالْآخر بعد إِخْرَاجه وَهُوَ أطول بكمية قَالَ والتنفس المعتدل هُوَ الَّذِي يحفظ أجزاؤه هَذِه يلمد فِيهِ الْخَاص فِي الكمية)
والكيفية قَالَ وَالْخُرُوج عَن الِاعْتِدَال يلْزم الحركتين أَعنِي دُخُول الْهَوَاء وَخُرُوجه فِي الكمية والكيفية لِأَن الْحَرَكَة مركبة من مِقْدَار الْمسَافَة الَّتِي فِيهَا تكون وَمن مِقْدَار الزَّمَان فَأَما السّكُون فَهُوَ وَاحِد للبسط وَلذَلِك إِنَّمَا هُوَ اعتداله وَخُرُوجه عَن الِاعْتِدَال فِي الكمية أَعنِي فِي مِقْدَار الزَّمَان الَّذِي فِيهِ يكون قَالَ فيخص من هَاهُنَا أَن أَصْنَاف سوء المزاج البسيطة سِتَّة السَّرِيع والبطيء والعظيم وَالصَّغِير والمتفاوت والمتواتر قَالَ وَنحن قَائِلُونَ فِي تَعْرِيف هَذِه ثمَّ فِي أَسبَابهَا ثمَّ نقُول فِي المركبة قَالَ السرعة والبطء والعظم والصغر تقال فِي الحركتين أَعنِي فِي إِدْخَال الْهَوَاء إِلَى دَاخل وَفِي إِخْرَاجه فَيُقَال إِذا كَانَ يدْخل هَوَاء كثيرا وينبسط الصَّدْر فِي مَسَافَة طَوِيلَة عَظِيما وَإِذا كَانَ بالضد صَغِيرا وَيُقَال إِذا كَانَ يدْخل الْهَوَاء فِي زمن قصير ويخرجه فِي زمن قصير وَإِذا كَانَ يدْخلهُ فِي زمن طَوِيل بطيئاً قَالَ وَأما التَّفَاوُت والتواتر فيقالان فِي ألف ألف السكونين الَّذين قبل الانبساط وَالَّذِي قبل الانقباض قَالَ وَأما أَنْيَاب التنفس فَإِنَّمَا يُؤْخَذ من الْأَشْيَاء الفاعلة لَهَا قَالَ وَهِي ثَلَاثَة الْقُوَّة الفاعلة للنَّفس والآلة الَّتِي يكون بهَا وَالْحَاجة الَّتِي لَهَا يكون قَالَ مَتى كَانَت هَذِه الثَّلَاثَة بِالْحَال المعتدلة للحيوان كَانَ النَّفس طبيعياً معتدلاً وَمَتى حدث فِي شَيْء من هَذِه حَادث فَلَا بُد أَن يعرض فِي النَّفس ضَرَر من أجل ذَلِك الْحَادِث بِقدر عظم الْحَادِث وصغره. 

قَالَ وَاعْلَم أَن علم التنفس لَيْسَ بِدُونِ النضب فِي الْمَنْفَعَة وَهُوَ أبين مِنْهُ ويشاركه فِي أَسبَاب كَثِيرَة قَالَ وَقد أوضحت فِي كتاب النبض أَن سرعَة الْحَرَكَة تكون من أجل تزيد الْحَاجة وَقُوَّة المواتاة ومواتاة الْآلَة فَإِن حضرت الْحَاجة أَشد فَإِنَّهُ قد يُمكن وَإِن كَانَت الْقُوَّة لَيست بالقوية فَإِنَّهُ لَا يُمكن حِينَئِذٍ أَن تكون حَرَكَة سريعة بل يكون يدل على السرعة تَوَاتر لِأَن التَّوَاتُر فِي جَمِيع الْأَفْعَال إِنَّمَا يكون عِنْد تَقْصِير الْفِعْل عَن مِقْدَار الْحَاجة لعظمه وسرعته فتخفر لحَاجَة عنند ذَلِك إِلَى أَن تقل مُدَّة ترك الْفِعْل حَتَّى يسْرع الرُّجُوع. لي الَّذِي بَين فِي النبض أَن الْعظم يحْتَاج إِلَى قُوَّة قَوِيَّة وَآلَة مواتية وحاجة دَاعِيَة فَإِذا تزيدت الْحَاجة أَكثر فَعِنْدَ ذَلِك تتزيد السرعة قَالَ وَعظم التنفس أَيْضا يحْتَاج إِلَى أَن تكون الْحَاجة دَاعِيَة وَالْقُوَّة قَوِيَّة والآلة مواتية قَالَ وَأما الصغر والإبطاء فَلَيْسَ يحْتَاج فِي كَونهمَا إِلَى أضداد هَذِه ضَرُورَة بل قد يَكْتَفِي بِوَاحِدَة من هَذِه لِأَنَّهُ إِن نقصت الْحَاجة نُقْصَانا كثيرا نقص لذَلِك الْعظم والسرعة وَإِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة لِأَن الْحَيَوَان قد اسْتغنى ثمَّ اسْتعْمل آلَته وقوته وَكَذَلِكَ إِن ضعفت جدا ثمَّ كَانَت الْآلَة مواتية وَالْحَاجة شَدِيدَة وَكَذَلِكَ إِن حدث فِي الْحَالة مَانع وَكَذَلِكَ)
الْحَاجة وَالْقُوَّة باقيتين فَإِن الْعظم والسرعة ينقص بِقدر الشَّيْء الَّذِي يُوجد قَالَ تزيد الْحَاجة إِذا كَانَت سَائِر الْأَشْيَاء فَاعْلَم أَن الْحَرَارَة قد زَادَت أَقُول إِنَّه إِن كَانَ تزيدها يَسِيرا فَإِن الانبساط يكون أعظم مِمَّا كَانَ بِأَمْر بَين وَإِن تزيدت الْحَرَارَة تزيداً كثيرا فَإِنَّهُ يكْتَسب مَعَ الْعظم سرعَة وَإِن تزيدت أَيْضا فمتواترة فَإِن نقصت الْحَرَارَة وَهُوَ معنى فولبل نقصت الْحَاجة وَكَانَت الْآلَة وَالْقُوَّة بحسبهما فَإِن أول مَا ينقص التَّوَاتُر ثمَّ بعده السرعة ثمَّ الْعظم حَتَّى يكون النبض أَشد تَفَاوتا من الطبيعي بِمِقْدَار وَأَبْطَأ مِنْهُ بِمِقْدَار معتدل وأصغر بِمِقْدَار يسير لِأَن الْقُوَّة مَا دَامَت قوته لم يُمكن الانبساط أَصْغَر من الْمِقْدَار الطبيعي بِشَيْء كثير وَلَا أَبْطَأَ مِنْهُ بِشَيْء كثير جدا لَكِن يكون التَّفَاوُت فِي غَايَة الطول ألف ألف إِن كَانَت الْحَاجة قد نقصت نُقْصَانا قَوِيا كثيرا قَالَ وَكَذَلِكَ الْحَال فِي الانقباض إِلَّا أَن شدَّة الْحَاجة فِي الانقباض إِنَّمَا يكون لتزيد البخارات الدخانية الَّتِي تحْتَاج أَن تخرج فَإِنَّهُ إِذا كَانَت الْحَاجة إِلَى إِخْرَاج هَذِه البخارات شَدِيدَة لكثرتها أَو لحدتها كَانَ الانقباض أَعنِي خُرُوج النَّفس سَرِيعا عَظِيما متواتراً وَيكون بطيأً صَغِيرا متفاوتاً فِي ضد هَذِه الْحَالة وعَلى مِثَال هَذِه الْحَالة فِي الانبساط يكون هَاهُنَا أَيْضا فَإِنَّهُ إِذا ذهبت الْحَاجة نقص أَولا زمَان السّكُون الَّذِي قبل الانبساط ثمَّ سرعته ثمَّ الْعظم.
قَالَ وَالْحَال فِي استفراغ الرّوح النفساني وتحلله كالحال فِي تزيد الْحَرَارَة فَإِن الَّذين يستفرغ مِنْهُم يتنفسون عَظِيما سَرِيعا متواتراً وَالَّذين لَا يستفرغ مِنْهُم فبالضد فَإِن اجْتمع تزيد الْحَرَارَة إِلَى استفراغ الرّوح كَانَ النَّفس إِلَى دَاخل أسْرع وَأعظم وَأَشد تواتراً وبالضد وبالخلاف قَالَ وَأما الانقباض فَإِنَّمَا يكون عَظِيما سَرِيعا متواتراً إِذا كَانَت هَذِه الفضول الدخانية كَثِيرَة وَيكون صَغِيرا بطيأً متفاوتاً وَإِذا كَانَت هَذِه الفضول قَليلَة. 

قَالَ وَأما الْأَسْنَان فالسن الَّتِي فِيهَا الْحَيَوَان نامٍ يكون النَّفس فِيهِ أعظم وَأَشد تواتراً فِي الانبساط والانقباض لِأَن الْحَرَارَة الَّتِي فِي السن النامي أَكثر فَلذَلِك يحْتَاج إِلَى تروّح أَكثر والفضول الدخانية فيهم أَيْضا أَكثر لِأَن هَذِه الفضول إِنَّمَا تكون بِحَسب كَثْرَة الهضم لِأَنَّهَا فضول الهضم وَكَذَلِكَ الْحَال فِي أَوْقَات السّنة والبلدان والأمزجة فَإِنَّهُ فِي الْحَار يعظم ويسرع ويتواتر وَفِي الْبَارِد بالضد وَكَذَلِكَ فِي الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال والتصرفات قَالَ والاستحمام أَيْضا مَا كَانَ بالحار يَجْعَل النَّفس سَرِيعا عَظِيما متواتراً وَمَا كَانَ بالبارد فبالضد وَأما النّوم فَإِنَّهُ يَجْعَل الانقباض أعظم وأسرع من الانبساط لِأَن الهضم يكون فِي حَال النّوم أَكثر لِأَن الْحَرَارَة تَجْتَمِع فِيهِ فِي دَاخل الْجِسْم فيكثر لذَلِك)
اجْتِمَاع الفضول الدخانية غَايَة الْكَثْرَة.
قَالَ وَأما الْأَمْرَاض فَجَمِيع مَا تتزيد فِيهِ الْحَرَارَة مثل الحميات تتزيد فِيهَا سرعَة النَّفس وعظمه وتواتره وخاصة فِيمَا كَانَ مِنْهَا فِي الْقلب نَفسه أَو فِيمَا قرب مِنْهُ حرارة مفرطة وَأما الَّتِي نقصت فِيهَا الْحَرَارَة فينقص النَّفس حَتَّى أَنه رُبمَا لم يتَبَيَّن للحس الْبَتَّةَ كالحال فِي اختناق الْأَرْحَام قَالَ وَجَمِيع هَذِه الْأَشْيَاء النبض فِيهَا مُشَاركَة للنَّفس قَالَ وَلِأَن النَّفس فعل إراديّ والنبض فعل طبيعيّ يَخْتَلِفَانِ فِي أَشْيَاء مِنْهَا أَن النبض إِذا كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة والآلة مواتية وَالْحَاجة دَاعِيَة لَا يُمكن أَن يَجْعَل بالإرادة صَغِيرا والتنفس قد يكون ذَلِك فِيهِ لِأَنَّهُ إِن عرض فِي آلَات النَّفس وجع فَإِن الصَّدْر ينبسط انبساطاً أقل عظما لِأَن عظم الانبساط يهيج الوجع ويشتد لَهُ وَإِذا صغر الانبساط لم يبلغ للْحَاجة قدرهَا فيعتاض من ذَلِك التَّوَاتُر ألف ألف لِأَن يسْتَدرك من الْهَوَاء بِقدر مَا فَاتَهُ بِعظم الانبساط فَتكون هَذِه الْحَالة كمن لَا يتهيء لَهُ أَن يشرب رية فِي جرعة حَتَّى يَسْتَوْفِيه فيغرفه فِي جرعات كَثِيرَة متواترة قَلِيلا قَلِيلا وَمن حالات الوجع فِي الصَّدْر يكون التنفس بكليته يَعْنِي انبساطه وانقباضه بطيئاً صَغِيرا متواتراً وَيكون بعد صغره عَن الِاعْتِدَال أَكثر من بعد سرعته لِأَن تأذي الصَّدْر بِالْوَضْعِ لعظم الانبساط أَكثر مِنْهُ بِسُرْعَة فَإِن السرعة وَإِن كَانَت مؤذية فَإِنَّهَا من أجل قصر مدّتها يكون أذاها أقل وَذَلِكَ لِأَن السرعة تصيره وتؤدّيه إِلَى الَّذِي تشتاق إِلَيْهِ ويستريح الصَّدْر سَرِيعا وَأما عظم الانبساط فَإِنَّهُ مؤذٍ من كل الْجِهَات من أجل شدَّة هَذِه الْحَرَكَة وليتمدد الورم والضغاطة فيألم مِنْهُ من كل وَجه فَلذَلِك لَا ينقص فِي حَال الوجع الشَّديد أَكثر من السرعة.
قَالَ فَإِن كَانَ وجع الصَّدْر بِلَا حرارة يخفر وَيَدْعُو إِلَى النَّفس الْعَظِيم لَكِن تكون حرارة الْقلب بِحَالِهَا الطبيعية فَإِنَّهَا ترى رُؤْيَة بَيِّنَة حَرَكَة الصَّدْر أَبْطَأَ يَعْنِي النَّفس فَأَما إِن كَانَ مَعَ الوجع الْقلب ملتهباً فَإِن السرعة تُوجد لشدَّة الْحَاجة ومبادرته للتطفية فَلَا تنقص السرعة لَكِن ينقص الْعظم نُقْصَانا كثيرا والخلقة المتواترة من أجل خفر الْحَاجة. فَإِن كَانَ مَعَ الوجع تلهب أَيْضا فَإِنَّهُ يزِيد فِي السرعة أَيْضا وَيزِيد فِي التَّوَاتُر بِمِقْدَار أَكثر.
قَالَ والتواتر وَإِن كَانَ قد يلْحق التنفس الَّذِي عَن تلهب الْقلب فَقَط وَهُوَ خفر الْحَاجة وَالَّذِي عَن الوجع فَإِن الْفرق بَينهمَا أَن جملَة مَا قُلْنَا أَن الوجع فِي آلَات النَّفس يَجْعَل التنفس صَغِيرا متواتراً وَأَن الَّذِي عَن الوجع صَغِير كثيرا وَمَعَهُ أَيْضا أَبْطَأَ وَإِن كَانَ أقل من الصغر قَالَ فَأَما)
التنفس الْكَائِن عَن الوجع مَعَ تلهب الْقلب فينفصل عَن تلهبه فَقَط بالصغر لِأَنَّهُ أَصْغَر من الكاين عَن التلهب بِلَا وجع وينفصل من الكاين عَن الوجع فَقَط فَإِنَّهُ أَشد تواتراً وأسرع وَأعظم وَأَبْطَأ قَالَ فالضعف الَّذِي يتَغَيَّر فِيهِ النَّفس من أجل الوجع لَا يشبه أَمر التنفس فِيهِ أَمر النبض وَأما سَائِر ذَلِك الَّذِي ذَكرْنَاهُ فيشبهه فِي السَّبَب والتغير قَالَ والتغير الْحَادِث فِي النَّفس من سدد أَو أورام صلبة أَو ضغط أَو صنف من أَصْنَاف ضيق فِي الصَّدْر والرية فَإِنَّهُ يُغير النَّفس تغيراً مشتبهاً لتغير النبض قَالَ والتنفس والنبض يكونَانِ جَمِيعًا فِي هَذِه الْأَحْوَال أَعنِي فِي هَذِه حَال الضّيق صَغِيرا سَرِيعا متواتراً أما كَونه متواتراً فَلِأَن مَا ينجذب من الْهَوَاء يكون قَلِيلا لضيق الْآلَة الَّتِي بهَا يجذب وَإِمَّا متواتراً فَلِأَنَّهُ يحْتَاج أَن يسْتَدرك بِهِ مَا فَاتَ من الْعظم ليكمل مَا تحْتَاج إِلَيْهِ الْحَاجة وَإِمَّا سَرِيعا فلهذه الْعلَّة أَيْضا وَقد بَينا فِي كتاب النبض أَن عظم الانبساط إِذا وفى الْحَيَوَان مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من إِدْخَال الْهَوَاء لم يطْلب السرعة وَلم يؤف انْتقل إِلَى السرعة ألف ألف إِن كَانَت الْقُوَّة قَوِيَّة فَإِن وفاه لم تَوَاتر فَإِن لم يوفه أَيْضا تَوَاتر حِينَئِذٍ وَفِي أَحْوَال الضّيق يكون النبض والتنفس أَيْضا مُخْتَلفين وَالِاخْتِلَاف عَلامَة خَاصَّة لهَذِهِ الْعِلَل.













مصادر و المراجع :

١-الحاوي في الطب

المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)

المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي

الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م

عدد الأجزاء: 7

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید