المنشورات

نفث الْمدَّة من الرئة والصدر

والسلّ والورم الْحَار فِي الرئة والقروح فِيهَا وَفِي قَصَبَة الرئة وَفِي نواحي الصَّدْر أجمع إِذا تقيّحت وجمعت وَجمع الْمدَّة فِي فضاء الصَّدْر والأورام وَنَفث الدَّم من الصَّدْر والرئة وآلات التنفس وَخُرُوج الرئة وَسُوء مزاجها.
وَيجب أَن يفرد ذَات الرئة وَذَات الْجنب وَنَفث الدَّم من السلّ لِأَن السل إِنَّمَا هُوَ عِلّة لَزِمت من هَذِه الْأَشْيَاء وَغَيرهَا كالنوازل والسعال الطَّوِيل بعد حميات طَوِيلَة خَفِيفَة وذوبان فَلْيَكُن للسل عَلَامَات وَبَاب لَا يكون فِيهِ إِلَّا هَذَا فَإِن أردْت ذَلِك فَانْظُر فِيهِ فَإِن ذَات الرئة كثيرا مَا تبقي بِلَا سل قد ذكرنَا مَا ذكر جالينوس فِي القروح الباطنية فردّه إِلَى هَاهُنَا ليجتمع العلاج والعلامات.
الرَّابِعَة من الْأَعْضَاء الألمة قد أجمع الْأَطِبَّاء أَن الدَّم الْخَارِج بالقيء يكون من الْمعدة أَو من المريء وَالْخَارِج بالسعال من آلَات التنفس وَالْخَارِج بالتنخع مِمَّا قرب من الْحلق واللهاة وَقد رَأَيْت مرَارًا كَثِيرَة الدَّم إِذا انحدر من الرَّأْس كثيرا دفْعَة لَا سيّما إِذا كَانَ ذَلِك دَاخِلا من اللهاة مِمَّا يَلِي الْحلق نفث صَاحبه الدَّم وَذَلِكَ أَن الدَّم سَاعَة يَقع فِي الحنجرة يهيج السعال فأجد النّظر هَاهُنَا لِئَلَّا تظن كَمَا ظن الْجُهَّال بِأَنَّهُم لما رَأَوْا أَن هَذَا الدَّم يَنْقَطِع سَرِيعا بِلَا مَكْرُوه ظنُّوا أَنما قَالَ حذاق الْأَطِبَّاء من أَن خُرُوج الدَّم بالسعال عِلّة ردية قَول بَاطِل لِأَن الرئة قد حدثت بهَا آفَة شَدِيدَة عَظِيمَة إِذْ كَانَ لَا يُمكن فِي ذَلِك الْوَقْت انْقَطع فِيهَا عرق صَغِير مَعَ أَنه قد يُمكن أَن يكون صعُود الدَّم الْكثير بالسعال دفْعَة بِسَبَب تأكلّ وَذَلِكَ إِذا كَانَ الْإِنْسَان ينفث الدَّم فِيمَا بَين فترات)
يسيرَة عرض بعد ذَلِك أَن نفث دَمًا كثيرا من غير سَبَب باد مثل ضجة أَو سقطة وَرُبمَا خرج فِي هَذِه الْحَالة أَجزَاء من الرئة وَلذَلِك يجب للطبيب أَن يتفقد مَا خرج بعناية فَينْظر هَل مَعَه شَيْء وَهل الدَّم زبدي وَذَلِكَ أَن الدَّم الزُّبْدِيُّ أصدق شَاهد على أَنه من الرئة وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ مَعَه بعض حلق الرئة أَو طبقَة من طَبَقَات الْعُرُوق أَو قِطْعَة من لحم الرئة فَإِن هَذَا لَيْسَ يُوجد الْبَتَّةَ فِي من يقذف الدَّم من صَدره كَمَا أَنه لَا يُوجد فِي من ينفث الدَّم من رئته بِشَيْء من الوجع لِكَثْرَة أعصاب الصَّدْر وَقلة ذَلِك فِي الرئة فَإِنَّمَا فِيهَا أَيْضا من العصب إِنَّمَا يَنْقَسِم فِي غشائها فَقَط وَلَا يتَجَاوَز وَلَا يمتّد إِلَى عُنُقهَا وَأما الصَّدْر فَلهُ أعصاب كَثِيرَة وَهُوَ عضل أجمع وَلذَلِك يحس حسا شَدِيدا هُوَ أَيْضا قوي والرئة رخوة لَا تدافع فَيكون وجعها لذَلِك أقل وَمَتى كَانَ إِنْسَان يجد وجعاً فِي جُزْء من صَدره أيّ جُزْء كَانَ وَكَانَ مَعَ هَذَا ينفث مَعَ السعال دَمًا لَيْسَ بِكَثِير وَلَا أَحْمَر لكنه قد أسود وانعقد فَصَارَ علقاً ألف ألف فَإِن الصَّدْر بِهِ عِلّة وَإِن الدَّم يدْخل من الصَّدْر إِلَى الرئة كَمَا تدخل الْمدَّة قَالَ وَيتبع نفث الدَّم قُرُوح وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الرئة فَهُوَ عسر الْبُرْء أَو لَا تَبرأ أصلا وَأما الَّتِي فِي الصَّدْر فَإِن أَكثر الْعُرُوق الَّتِي تنخرق رقيقَة وينفث صَاحبهَا مِنْهَا الدَّم تلتحم وَلَو أزمنت فَإِنَّهَا لَا تصير الْبَتَّةَ فِي حد مَا لَا برْء لَهُ قَالَ وَإِنَّمَا القروح الَّتِي فِي الرئة فَإِنَّهَا إِذا طَالَتْ وَإِن هِيَ بَرِئت فِي وَقت من الْأَوْقَات فَإِنَّهُ تبقى مِنْهَا بَقِيَّة فِي الصَّدْر ناصورية صلبة تتغطى بحلية تغشاها وتنكشف بِأَدْنَى سَبَب فيعاود نفث الدَّم وَجَمِيع الدَّم الصاعد من آلَات الْغذَاء يكون بالقيء لَا بالسعال وتفقد ذَلِك لَعَلَّه لعلقة فِي الْحلق مُتَعَلقَة فَإِن رَأَيْت إنْسَانا تنخع وامتخط الدَّم أَيَّامًا كثيرا متوالياً من غير أَن يكون وجد فِيهَا فِيمَا تقدم وجعاً وَلَا ثقلاً فِي الرَّأْس وَلَا وَقعت بِهِ ضَرْبَة وَلَا يجد الْآن وجعاً فتفقد أَمر مَنْخرَيْهِ وحلقه فِي الضَّوْء تفقداً شَدِيدا فَإِنَّهُ قد يعرض أَن يكون ذَلِك لأجل علقَة مُتَعَلقَة فهناك وسل هَل شرب من مَاء كَانَ فِيهِ علق.
لي خُرُوج الدَّم من الْفَم يكون إِمَّا بالقيء وَإِمَّا بالسعال وَإِمَّا بالتنحنح وَإِمَّا بالتنخع وَالَّذين يخرج مِنْهُم بالسعال إِمَّا من الرئة وَإِمَّا من الصَّدْر وَالَّذِي بالقيء إِمَّا من المريء وَإِمَّا من فَم الْمعدة وَإِمَّا من قعرها وَلَيْسَ كَذَلِك فِي الرئة لِأَن قَصَبَة الرئة لَا عرق فِيهَا يخرج مِنْهُ دم لَهُ قدر يعتدّ بِهِ وبالتنخع إِمَّا من اللهاة وَالْحلق ونواحيه وَإِمَّا أَن ينزل من الرَّأْس فتفقد هَل هَذِه كلهَا كَذَلِك أم لَا ثمَّ اعْمَلْ بِحَسب ذَلِك وَنحن نذكرهُ فِي الدَّم فِي بَاب الْمعدة وتنخع الدَّم فِي بَاب) ج الرئة لَا يعرض فِيهَا وجع عنيف فِي وَقت من الْأَوْقَات فَأَما حس الثّقل فقد يكون فِيهَا كثيرا وحس التمدد يبلغ إِلَى القص وَإِلَى عظم الصلب لِأَن أغشيتها مربوطة هُنَاكَ فَإِذا كَانَ مَعَ النفث الزُّبْدِيُّ ثقل فِي الصَّدْر وَحمى حادة فَفِي الرئة ورم حَار فَإِن كَانَ الثّقل أقل وَكَذَلِكَ ضيق النَّفس أقل إِلَّا أَن اللهيب شَدِيد لَا يُطَاق فَفِي الرئة ورم وَهُوَ الَّذِي يعرف بالحمرة قَالَ وَإِذا كَانَ الدَّم كثيرا أَو جَاءَ بعقب سَبَب باد فَإِنَّهُ عرق انْفَتح فِي الرئة قَالَ وَأكْثر مَا يفتح الْعُرُوق الضوارب الصَّوْت الحاد إِذا لم ينْدَرج إِلَيْهِ قَلِيلا قَلِيلا لِأَن التدرج فِي الصَّوْت قَلِيلا قَلِيلا يفعل مَا يفعل التمريخ من إعداد الْبدن للرياضة وَإِلَّا حدث بهم فسوخ وهتوك وَيكون ذَلِك سَرِيعا جدا إِلَى من لم يعتده فَأَما من اعْتَادَ الصياح فَذَلِك إِلَيْهِ أقل كَمَا أَن من اعْتَادَ الرياضة فَذَلِك إِلَيْهِ أقل وَقد يَنْفَسِخ من شدَّة الْبرد إِذا برد بردا مفرطاً يَجْعَل طَبَقَات الْعُرُوق إِلَيْهِ صلبة عسيرة الانبساط فتسير لذَلِك متهيئة للْفَسْخ فَأَما الدَّم الَّذِي يصعد قَلِيلا قَلِيلا بالنفث بِلَا سَبَب باد من ضجة وَمن ضَرْبَة بل يكون قد اسْتعْمل الْإِنْسَان الاستحمام بِالْمَاءِ الْحَار كثيرا وَأقَام فِي بلد حَار وَاسْتعْمل أَطْعِمَة وأشربة حارة فَإِنَّهُ يكون من انفتاح أَفْوَاه الْعُرُوق فِي الرئة وَإِذا نفث دَمًا كثيرا دفْعَة من بعد أَن قد كَانَ قد نفث دَمًا قَلِيلا وَصعد مَعَ ذَلِك الدَّم أَجزَاء من الرئة أَو قشور قرحَة فَلَيْسَ يكون أَن يبرأ فَإِن كَانَت القرحة فِي قَصَبَة الرئة فَإِن العليل يحس بالوجع لَيْسَ مثل الرئة الَّتِي لَا وجع مَعهَا وَيكون مَا ينفث أَيْضا نزرا قَلِيلا وَلَيْسَ الوجع فِي هَذِه أَيْضا شَدِيد إِلَّا أَن لَهُ وجعاً مّا وَلَيْسَ للرئة وجع الْبَتَّةَ وَمن السل ضرب آخر لَا يكون ابتداؤه نفث دم وَلَا خراجات وَيكون فِي الندرة قَالَ رَأَيْت رجلا سعل بَغْتَة خلطا رَقِيقا مرارياً بَين الْأَحْمَر الناصع والأصفر وَلم تكن مَعَه حِدة أصلا وَلم يزل يقذف ذَلِك الْخَلْط دَائِما ثمَّ أَنه حم حمى دقيقة وصاربه الدق ثمَّ أَنه قذف بالسعال شَيْئا يَسِيرا من قيح وَبعد أَرْبَعَة أشهر قذف دَمًا يَسِيرا مَعَ قيح وَأَقْبل يذوب وحماه تزيد ثمَّ نفث من الدَّم مِقْدَارًا كثيرا وَمن بعد هَذَا تزيدت حماه وخارت الْقُوَّة وَمَات كَمَا يَمُوت المسلول وَرَأَيْت آخر وَآخر وجهدت فِي مداواتهم فَلم تَنْفَع وَجَمِيع هَؤُلَاءِ قذفوا من الرئة أَجزَاء قد تعفنت فَعلمت أَنه عرض فِي رئاتهم عِلّة شَبيهَة بِالَّتِي تعرض من خَارج من العفونة إِلَّا أَن الرئة لَا يُمكن قطعهَا وكيّها كَمَا يُمكن فِي الْأَعْضَاء الْخَارِجَة فَلذَلِك صَار هَؤُلَاءِ يهْلكُونَ قَالَ وعنيت بِالرجلِ الثَّالِث عناية شَدِيدَة فَأخذت أجفف رئته تجفيفاً عنيفاً شَدِيدا بِمَا يشم وَمَا يُؤْكَل وَيشْرب وَذَلِكَ إِنِّي أَمرته أَن يشم نَهَاره أجمع الْخَلْط الَّذِي)
يُسمى أندروخورون وَيمْسَح مَنْخرَيْهِ إِذا نَام بالأدهان الطّيبَة الروائح وسقيته المثروديطوس والأمروسيا وأثاناسيا والترياق إِلَّا أَن هَذَا مَاتَ بعد عَام وَلَعَلَّه إِنَّمَا طَالَتْ مدَّته أَكثر لهَذَا التَّدْبِير مَعَ الْأَجَل الْمَكْتُوب.
لي غَرَض المعالج لقروح الرئة مَا دَامَت طرية أَن يلحم فَإِذا عتقت أَن تجفف وأحسب أَن اللَّبن فِي هَذِه الْحَال ضار وَإنَّهُ إِنَّمَا ينفع فِي الِابْتِدَاء.
لي الدَّم الَّذِي ينفث بِسَبَب انفتاح الْعُرُوق فَهُوَ من ضروب نفث الدَّم عَاقِبَة وعلاجه الفصد وتبريد الْجِسْم مَا أمكن وَشرب الْأَدْوِيَة المبردة والمغريه.
جَوَامِع الْأَعْضَاء الألمة تقوّس الْأَظْفَار دَلِيل على وجود قرحَة فِي الرئة وَحُمرَة الْوَجْه دَلِيل على ورم فِي الرئة لَا يحدث فِي الرئة عَن الورم الْحَار ضَرْبَان لِأَنَّهَا لَا حس لَهَا ذَات الرئة يكون مَعَه عسر النَّفس وسعال ووجع ثقيل منتشر فِي الصَّدْر كُله ونبض موجيّ وَنَفث أَشْيَاء متغيرة بلغمية فِي أَكثر الْأَمر وَنَفس حَار بنفحة عَظِيمَة وَحمى حادة ورم الرئة فِي الْأَكْثَر بلغمي لِأَن الرئة من أجل أَن تخلخلها لَا تكَاد تقبل إِلَّا مَادَّة غَلِيظَة لِأَن الْمَادَّة اللطيفة لَا يُمكن أَن تلحج فِيهَا بل تنحلّ وتجري فِيهَا بسهولة وَنَفث الدَّم إِذا كَانَ من الرَّأْس كَانَ بالتنخع ويتقدمه ثقل فِي الرَّأْس وَحُمرَة فِي الْوَجْه وَإِن كَانَ فِي قَصَبَة الرئة يكون شَيْئا بعد شَيْء مَعَ سعال يسير ووجع قَلِيل فِي اللبّة وَمن الرئة يخرج مَعَه مِقْدَار كثير ألف ألف بِلَا وجع وَيكون حاراً زبدياً وَمن الصَّدْر يخرج دفْعَة وَيكون علقياً ويجد وجعاً فِي الصَّدْر وَيكون مَعَ سعال ويستدل على انفجار عرق بصعود دم كثير لسَبَب باد وعَلى التأكلّ أَن يَجِيء دم كثير إِن كَانَ يَجِيء قَلِيلا قَلِيلا أسود زبدياً وعَلى الَّذِي لانفتاح أَفْوَاه الْعُرُوق من امتلاء الْبدن وَانْقِطَاع الاستفراغات أَن يَجِيء قَلِيلا قَلِيلا بِلَا وجع نفث الدَّم من الرئة يكون إِمَّا بِسَبَب انخراق عرق لضربة أَو ضجّة أَو عَن برودة مفرطة وَإِمَّا بِسَبَب انفتاح أَفْوَاه الْعُرُوق عَن الْأَطْعِمَة الحارة أَو حرارة أَو عَن الامتلاء وَكَثْرَة الاستحمام أَو طَعَام أَو شراب حَار بِالْفِعْلِ وبسبب تأكلّ حدث عَن مزاج حَار انصبّ إِلَيْهَا وبلغم مالح. 













مصادر و المراجع :

١-الحاوي في الطب

المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)

المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي

الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م

عدد الأجزاء: 7

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید