المنشورات

(أَصْنَاف السلّ)

الأولى من مسَائِل إبيذيميا قَالَ: أَصْنَاف السلّ ثَلَاثَة: إِمَّا نزلة تنحدر من الرَّأْس وَإِمَّا الْعلَّة بعد النفث وَإِمَّا لقبُول إِلَى الرئة فضل عُضْو مِمَّا يُوشك بهَا ويعفن ويتقرح قَالَ: والأبدان المستعدة للسلّ من نفث الدَّم هِيَ الَّتِي تسرع الامتلاء فِيهَا إِلَى الرَّأْس بحرارة وينحدر نوازلها إِلَى الصَّدْر قَالَ: الحميات الَّتِي تكون مَعَ السلّ حميات الدق وَهِي غير مُفَارقَة الْبَتَّةَ والنائبة فِي كل يَوْم الدقيقة مَعَ ذَلِك قَالَ: السلّ لَا يكَاد ينضج النفث فِيهِ ويعسر ارتفاعه ونفثه وَإِن نفث مِنْهُ شَيْء كَانَ قَلِيلا زنخاً سريع الْإِتْلَاف خبيثاً وَالَّذِي يسْرع النضج ويسهل النفث فِيهِ أطول مُدَّة.
الْمقَالة السَّادِسَة قَالَ: البزاق المستدير بِلَا حمى يدل على الذبول وَقد رَأَيْت خلقا نفثوا هَذَا النفث فذابت أبدانهم على طول الْمدَّة وماتوا كموت أَصْحَاب السلّ قَالَ: يَنْبَغِي أَن تكون للَّذين بهم مُدَّة فِي الصَّدْر فِي ابْتِدَاء الْعلَّة قبل أَن تتأكّل الرئة قَالَ: وَأمر القدماء من بِهِ قرحَة فِي رئته أَن يستنشق هَوَاء حاراً كثيرا مرّة ابْتِدَاء مَرضه إِمَّا كثيرا فلينق القرحة وَإِمَّا حارة فليجففها وَأما فِي ابْتِدَاء الْعلَّة فَقبل أَن يعظم ويترهل.
من كتاب روفس: فِي شرب اللَّبن قَالَ: لبن النِّسَاء إِذا رضعوه سهلوا سَرِيعا وبرئت قروحهم فِي المّدة الَّتِي فِي الصَّدْر قَالَ: يحدث من دبيلة نَضِجَتْ وانفرغت فِي الصَّدْر إِمَّا لذات الْجنب أَو لغيره ويعرض فِي أول أمرهَا أَعنِي حِين يخرج الْخراج ثقل فِي الصَّدْر وتمدد ثمَّ تهيج حميات دقيقة وسعال يَابِس كَمَا يكون فِي ابْتِدَاء ذَات الْجنب فَإِذا كَانَ الْخراج مِمَّا ينضج وينضج فَإِنَّهُ مِمَّا ينفتق بِسَبَب الْمدَّة فَيحدث نافض شَدِيد ويحمر فِي غّدة بِجهْد الْمَكَان ويهيج السعال ويسخن الْأَصَابِع وخاصة بَاطِن الأَصْل وَإِن كَانَ الْمدَّة قَليلَة فَرُبمَا نقيت بالنفث وَإِن كَانَت كَثِيرَة آل إِلَى السلّ وَرُبمَا انْدفع فِي مجاري الْبَوْل وَالْبرَاز من غير أَن يهتك دم فر عَمَّا يكون بطرق خُفْيَة للطبيعة ويفرّق بَين الْمدَّة والبلغم من الرَّائِحَة على النَّار لِأَنَّهُ منتن وَإنَّهُ يذيب فِي المَاء والبلغم يطفو وَيعلم فِي أَي جَانب هِيَ الْمدَّة ينوّم العليل على جنبه مرّة بعد مرّة ألف ألف فَأَي جَانب مَال عَلَيْهِ فَلم يحس فِي الْأَعْلَى بثقل مُعَلّق وَلَيْسَت فِيهِ مُدَّة وَيَجِيء أَيْضا صَوتهَا إِذا قلبت الْعِلَل فِي الْخراج الَّذِي يُرِيد أَن ينضج وتنفتق وَهُوَ الدُّبَيْلَة فِي الصَّدْر والبطن قَالَ: أكب عَلَيْهِ بالأضمدة واسق مَاء الشّعير أَو مَاء اللَّبن فَإِذا أردْت أَن تتقيح وَعلمت أَن النضج قد كَانَ وعلامته سُكُون الْحمى فَاسق طبيخ الفراسيون والحاشا والتين وَالْعَسَل فيعين على سرعَة قيحها أكل السّمك)
المالح وَشرب القوقايا عِنْد النّوم أَو يتَّخذ بالزوفا والحاشا وَالَّتِي فِي قمع يدْخلهُ فِيهِ والقيء يُعينهُ إلاّ أَنه يخَاف أَن يحدث فتقاً عَظِيما جدا ينصبّ المّدة صرفة ويخنق فِيهِ خطر فَإِذا انفتقت الْمدَّة فَانْظُر فَإِن حدست أَنَّهَا قَليلَة وَيُمكن أَن ينقى بالنفث فأعن الطبيعة بِمَا يسهل ذَلِك بِمَاء الْعَسَل والايرسا والحاشا والزوفا وَاجعَل الأغذية ملينة مسهلة فَإِن نفثت فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وإلاّ صَار سلاّ وَإِن حدست أَنَّهَا صعبة جذب الْقَيْح من الصَّدْر بجاذبة الْقَيْح كَثِيرَة لَا يُمكن أَن ينقى بالنفث فَيَنْبَغِي أَن يحمى مكوي رَقِيق وينفث بِهِ الصَّدْر وتنشف الْمدَّة بجاذبة الْقَيْح قَلِيلا قَلِيلا ويغسله بِمَاء الْعَسَل ويجذبه ثمَّ يقبل على الْموضع حَتَّى يلحمه.
ابْن سرابيون قَالَ: ذَات الرئة فلغموني تحدث فِي الرئة وَيكون فِي الْأَكْثَر بعقب الزُّكَام أَو الخوانيق أَو الربو وَذَات الْجنب أَو بعض النَّوَازِل من الرَّأْس الحادة الحريفة إِذا اندفعت الفضلة إِلَى الرئة فَلم يكنها دَفعهَا عَن نَفسهَا وَقد يحدث فِي بعض الْأَوْقَات ابْتِدَاء فِي الرئة وَيكون مَعَ هَذَا الوجع ضيق النَّفس وَحمى حادة وَثقل وتمدد فِي الصَّدْر وامتلاء وتحمر وانتفاخ وَحُمرَة الْوَجْه وخاصة فِي الوجنتين لما يصعد إِلَيْهَا من البخارات الحادة قَالَ: وَإِن كَانَ ذَات الرئة بعقب بعض الْأَمْرَاض الَّتِي ذكرت وَكَانُوا قد فصدوا فِي تِلْكَ الْعلَّة فَلَا تفصدهم وخلّ بعد ذَلِك الْبَطن ثمَّ اِسْقِهِمْ مَاء الشّعير بدهن اللوز الحلو والفانيذ فَإِذا سكن الوجع والحرارة فَاسْتعْمل الأحساء المتخذة من الشّعير مَعَ دهن اللوز وَالْعَسَل فَإِذا بَدَأَ النفث فاسقهم طبيخ الزوفا والايرسا ومرخ الصَّدْر مَا دَامَت حرارة بالتقيح والشمع الْأَبْيَض ولعاب بزر قطونا فَإِذا طفيت الْحَرَارَة فبالسمن والمخاخ لي بِمَا رَأَيْت لأبقراط فِي الْفُصُول: الِاخْتِلَاط رُبمَا يحدث للمسلول إِذا ضعفت حرارته الغريزية وكادت تطفأ ثمَّ تكون هُوَ نَفسه زَائِدا فِي ذَلِك عَادَته الزِّيَادَة قَالَ ج: أَصْحَاب ذَات الرئة يتنفسون نفسا عَظِيما متوالياً جدا جدا.
الرَّابِعَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: لَا يحدث فِي الرئة عَن الخراجات الوجع لَكِن الثّقل وَقد يكون فِيهَا كَثِيرَة تمدد يبلغ إِلَى القص وَإِلَى عظم ألف ألف الصلب لِأَن الْأَشْبَه المحيطة بهَا مربوطة بهَا وَيتبع الفلغموني فِيهِ نفس ضيق وَثقل كثير وَحُمرَة الوجنات وَحمى وَكَذَلِكَ إِذا كَانَ فِيهَا حمرَة إِلَّا أَنه إِذا كَانَ التلهب لَا يُطَاق والعليل مَدْخُول فالورم حمرَة.
لي وَأما إِن كَانَ التلهب قَلِيلا والحمى سَاكِنة والثقل شَدِيد فالورم بلغمي وَأما سوء المزاج فِي الرئة بِلَا مَادَّة فَإِن كَانَ مِنْهُ غير متساو ويجتذب سعالاً وَمَا كَانَ مِنْهُ مُتَسَاوِيا فَإِنَّهُ إِن كَانَ يَسِيرا)
غير المتنفس وَإِن كَانَ قَوِيا وَكَانَ حاراً أحدث شَهْوَة لتنشق الْهَوَاء الْبَارِد وَشرب الْبَارِد وَإِذا طَال الْأَمر بِهِ تتبعه حميات فَأَما الْبَارِد فيتبعه أَسبَاب خلاف هَذِه أَعنِي حسب استنشاق الْهَوَاء الْحَار وَشرب الْحَار مَا دَامَ يَسِيرا فَإِذا يزِيد امتلئت الرئة مواداً.
لي يتبعهُ الربو وَقد صَحَّ هَهُنَا علاج الربو الَّذِي لَا حمى مَعَه.
الثَّانِيَة من تَفْسِير السَّادِسَة من مسَائِل إبيذيميا قَالَ: النفث المستدير يؤول الْحَال بِصَاحِبِهِ على الأولى من تَفْسِير الأولى قَالَ: النزلة الدائمة الَّتِي تنحدر من الرَّأْس فَيحدث على أَصْحَابهَا السعال والبحوحة ويتمادى ذَلِك وَيطول وَلَا يسكن يحدث عَلَيْهِم السل وَأعظم أَصْنَاف السلّ صنفان: أَحدهمَا الْكَائِن فِي النزلة الْمُتَوَاتر من الرَّأْس وَالْآخر من الْآفَات الْحَادِثَة فِي نفس الرئة وَأكْثر مَا يكون ذَلِك من نفث الدَّم وخاصة إِذا كَانَ من الصداع عروق أَصْنَاف السلّ ثَلَاثَة إِمَّا لما ينزل من الرَّأْس وَإِمَّا لما ينصبّ إِلَى الرئة من عُضْو مّا وإمّا أَن يحدث فِي الرئة ابْتِدَاء كنفث الدَّم من الرئة وَالَّذِي يصير إِلَى الرئة أَكْثَره من الصَّدْر والحجاب وَقد يصير إِلَيْهِ من الكبد والمعدة.
لي على مَا رَأَيْت فِي الميامير: من السعال نوع يكون من خشونة قَصَبَة الرئة وسقاؤه بالأدوية المملسة كعقيد الْعِنَب والنشا وَالْبيض والكثيراء. 

تحْتَاج إِلَى أَن يسْلك أَمَاكِن كَثِيرَة حَتَّى يصل إِلَيْهَا فيضعف لذَلِك وَلِأَن قُرُوح الرئة يحْتَاج إِلَى تجفيف كَسَائِر القروح إِلَى أدوية لَطِيفَة حارة لتوصل الْأَدْوِيَة الَّتِي تصلح للقرحة إِلَيْهَا وَيكون فِي الْأَكْثَر مَعَ حمى والحمى تمنع من هَذِه فقد عسر علاج قُرُوح الرئة وُجُوهًا قَالَ: وَيلْزم للَّذين حدث بهم السلّ من حِدة أَو ورم أَو أكال حمى دائمة لينَة وتهزل الْجِسْم وتتقوس أظافرهم لِأَن اللَّحْم الَّذِي تحتهَا يذوب فَإِذا طَال انتثر الشّعْر وَكَانَ مَا ينقيه)
شَدِيد النثر ثمَّ يَأْخُذهُ يحتبس النفث وَذَلِكَ عِنْد قرب الْمَوْت لأَنهم يَخْتَلِفُونَ حِينَئِذٍ ويموتون وَقبل ذَلِك مَا يبطل بِهِ الشَّهْوَة وينحل الْبَطن لَا يُمكنهُم أَن ينفثوا وَهَكَذَا يَمُوت المسلول وَيسْقط الْقُوَّة الْبَتَّةَ ولسقوط الْقُوَّة فَإِذا عرض احتباس النفث من أول الْأَمر إِلَى أَن يظْهر هَذِه العلامات فَإِن ذَلِك لردائة الْعلَّة فَإِنَّهُ قد يعرض احتباس النفث مُنْذُ أول الْأَمر فِي السلّ الرَّدِيء العديم النضج الْبَتَّةَ.
قَالَ إِسْحَاق فِي علاج قرحَة الرئة ألف ألف مَعَ حمى قَالَ: تسكن الْحمى مرّة بالتطفئة والتبريد والترطيب وَأُخْرَى إِلَى تجفيف القرحة وَاعْلَم أَن القرحة الْحَادِثَة من التأكّل لَا تبرئ لِأَن مثل هَذِه القرحة يحْتَاج إِلَى مُدَّة طَوِيلَة فِي برئها وَفِي هَذِه الْمدَّة إِمَّا أَن يكون يتعفن ويقلب فتتأكل الرئة كلهَا وَإِمَّا أَن وَقت التأكل جَفتْ الرئة وصلبت وَصَارَت فِي حد مَا لَا يُمكن أَن تلتحم وَاعْلَم أَن القرحة الْحَادِثَة من أكال إِن لم تتدارك سَرِيعا ابْتِدَاء آلت إِلَى مَا ذكرنَا من السلّ فَإِذا كَانَ كَذَلِك أَعنِي إِذا لم يعالج الَّتِي عَن أكالها سَرِيعا فَأقبل عَلَيْهَا بِمَا تجففها مَا أمكن لِئَلَّا تتأكّل الرئة كلهَا وَاحْذَرْ أَن تنصب من رُؤْسهمْ إِلَى رئاتهم شئ وَذَلِكَ يُمكن بالإسهال بِمَا ينقى الرَّأْس وَالَّتِي تمنع من النَّوَازِل كالدياقوذا وَإِن كَانَ الرَّأْس شَدِيد الامتلاء فافصد القيفال ثمَّ أسهل بِمَا ينقى الرَّأْس إِن لم تكن حمى أَو كَانَت لينَة فَبِهَذَا وَصفته تَرَبد أَبيض دِرْهَم صَبر مغسول دِرْهَم دِرْهَم رب السوس نصف دِرْهَم فَإِن لم تكن حرارة الْبَتَّةَ فَاسق حب الأفاوية مَعَ الماست وَإِن كَانَت حرارة شَدِيدَة فأعط الْمَطْبُوخ الْمُتَّخذ من البنفسج وأصل السوس وَالزَّبِيب والسبستان والعناب والخيارشنبر والترنجبين فَإِذا نقيت أبدانهم فأعطهم الْأَدْوِيَة المغرية المعدلة مَعَ المجففة مثل مَاء الشّعير بسرطانات واسقهم عِنْد النّوم بزر قطونا وطيناً أرمينياً فَإِنَّهُ نَافِع جدا وَاجعَل شرابهم مَاء الْمَطَر أَو مَاء قد ألْقى فِيهِ طين أرميني وَورد وطباشير وَمَتى كسرت الخشونة وَامْتنع النفث فأسهله بالأدوية والأغذية اللينة وَمَتى كَانَت ذَلِك صَالحا فَعَلَيْك بالمجففة بِقدر مَا يُمكن وَاسْتعْمل اللَّبن إِذا لم تكن حمى أَو كَانَت يسيرَة فأعط الْحَيَوَان الَّذِي يجلب مِنْهُ أَشْيَاء مجففة وَلبن النِّسَاء أفضل وَاللَّبن جيد لمن قد نهك جدا وَهَهُنَا ضرب من السل يكون بِلَا حمى ويتقدمه سعال طَوِيل وَنَفث غليظ لزج جدا شَبيه بغراء السّمك وَلَيْسَت فيهم حرارة الْبَتَّةَ وَلَا كَانَ سَبَب سلهم تقرّح الرئة بل دوَام نَوَازِل كَثِيرَة إِلَيْهَا وتضيق لقصبتها وينهكون لدوام السعال وضيق النَّفس فعالج هَؤُلَاءِ بعلاج الربو وأعطهم أدوية مسهلة من القيلوط والعهل وَمَاء)
النخالة ولوز الصنوبر واللوز بِقدر قلَّة الْحَرَارَة فيهم يُقَوي الملطفات وأحرص على كَثْرَة نفثهم فَإِن ذَلِك خلاصهم لِأَن هَؤُلَاءِ أَيْضا إِنَّمَا يموتون بِأَن يضعفوا عَن النفث وَاحْذَرْ فِي هَؤُلَاءِ التجفيف بالأدوية والضماد وَعَلَيْك بالترطيب وَإِن سقيتهم لَبَنًا فَاجْعَلْ مَعَه شَيْئا مقطعاً وَأما من حدث بِهِ السل من قرحَة فجفف مَا أمكن بالأدوية وبالضماد يضمد الصَّدْر بِالصبرِ والمر والأقاقيا وَجوز السرو والرامك والكهربا ورماد كرنب وأدهنه بدهن آس أَو بدهن ورد وَإِذا كَانَت لي هَذَا صَلَاح مِقْدَار كَلَامه وَهُوَ نَاقص عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ وَيَنْبَغِي أَن ألف ألف نصف نَحن علاج الرئة من انفتاق الْعرق الَّذِي من أكال الرئة فِي ابتدائها وَبعد الِابْتِدَاء وعلاج الَّذِي من الْمدَّة وَالْخَرَاج فِي الرئة فَأَما علاج السل الغليظ فَحق على مَا قَالَ: علاجه علاج الربو إِلَّا أَنه رُبمَا كَانَ مَعَه حرارة فَيحْتَاج أَن يفصد قَلِيلا.
ابْن سرابيون قَالَ: إِذا كنت قد عزمت على أَن ينقى الْمدَّة من الصَّدْر بالنفث فَلْيَكُن التَّدْبِير غليظاً منعساً وَلَا يحْتَاج إِلَى المقطعات وَإِذا عزمت على تنقيته بالنفث فَإنَّك تحْتَاج مَعَ الإنعاس أَن تكون الْأَشْيَاء الملينة والملطفة وَلَا يكون هُنَاكَ شَيْء مغلظ الْبَتَّةَ قَالَ: وَيَنْبَغِي أَن يستفرغها قَلِيلا قَلِيلا لِئَلَّا تسْقط الْقُوَّة وَإِن كَانَت هَذِه الْمدَّة بَيْضَاء تحّسه وَهُوَ أَحْرَى أَن يسلم العليل ويندمل جرحه وَإِن كَانَت رَدِيئَة مُنْتِنَة فَهُوَ أَحْرَى أَن ينقى جرحه متأكّلا. لي مَرَاتِب السلّ وأبوابه هِيَ ابْتِدَاء نفث الدَّم المزمن وَذَات الْجنب والتقيح وَذَات الرئة وَذَات الْحجاب ثمَّ الصنفان الْآخرَانِ اللَّذَان يكونَانِ من نَوَازِل الرَّأْس أَحدهمَا من النزلة الْحَادِثَة الحريفة الَّتِي تَأْكُل الرئة وَالثَّانِي من الغليظ الْكثير الَّذِي يملأها وَهُوَ السل الزُّبْدِيُّ وَاعْلَم أَن الدُّبَيْلَة النافذة إِلَى تجويف الصَّدْر تبرؤ والنافذة إِلَى تجويف الأمعاء والمعدة لَا تكَاد تبرؤ يسْعَى أَلا تلحم الْموضع الَّذِي تنقيه حَتَّى يلتحم فتق الدُّبَيْلَة.
قَالَ فِي جَوَامِع الْعِلَل والأعراض: أَصْحَاب السلّ تغور أَعينهم وتحتد آنافهم وتلطى أصداغهم يشخص مِنْهُم الكتفان والمرفقان حَتَّى تتعلقا بارزين عَن الْجَسَد بِمَنْزِلَة الجناحين. لي وَاعْلَم أَن المجنحين هم الَّذين تبعد مرافقهم وَجُمْلَة الْعَضُد عَن الجنبين وَسبب ذَلِك من شخوص الْكَتِفَيْنِ ونتوه فِي الظّهْر لِأَنَّك مَتى فعلت ذَلِك بِإِرَادَة تبَاعد الْعَضُد عَن الْجنب وخاصة إِذا شلته مَعَ ذَلِك إِلَى فَوق.
تقدمة الْمعرفَة قَالَ أبقراط: البصاق الَّذِي يخالطه دم لَيْسَ بِكَثِير وَهُوَ أَحْمَر ناصع فِي ذَات الرئة)
هُوَ فِي أول الْأَمر لِلْعِلَّةِ بدل على السَّلامَة جدا فَإِن أَتَى على الْعلَّة أُسْبُوع أَو أَكثر والبصاق على هَذِه الْحَال يُمكن تهتك بِهِ أقل.
قَالَ ج: هَذَا النفث يدل على أَن الورم الَّذِي فِي الرئة دموي وَهَذَا الورم ينضج فِي أَرْبَعَة أَيَّام إِلَى سَبْعَة أَيَّام فَإِن بَقِي بِحَالهِ بعد السَّابِع دلّ على أَنه عسر النضج وَإِذا أَبْطَأَ النضج وَقع الْخَطَأ إِمَّا من العليل أَو من الطَّبِيب أَو سَقَطت الْقُوَّة قبل ذَلِك فَلذَلِك بَقَاؤُهُ بِحَالهِ لَيْسَ بجيد.
مُفْرَدَات ج: الزفت الرطب جيد لمن ينفث الدَّم يسقى فِي غَيره أُوقِيَّة لَا تزيد وقية ويصقع عسل ينفع لتسهيل نفث الْمدَّة لِأَنَّهُ قد وصف للربو الطين الَّذِي يجفف قُرُوح أَصْحَاب السل حَتَّى لَا يسعلوا بعد ذَلِك إِلَّا قَلِيلا إِلَّا أَن يَقع فِي تدبيرهم خطأ وكما أَن النواصير يلطى ويجف إِذا جففت وَإِن لم يبن كَذَلِك قُرُوح الرئة ينْتَفع بالأدوية المجففة حَتَّى أَن كثيرا من النَّاس قد ظن أَنَّهَا بَرِئت لما استعملها وانتقل بعد ذَلِك إِلَى هَوَاء يَابِس ثمَّ أَنهم لما تركُوا التحفظ وأطلقوا تدبيرهم عاودهم السعال كَمَا أَن النواصير خَارِجا ألف ألف أَيْضا ترطب من امتلاء الْبدن. د: القطران إِذا تحسى مِنْهُ أُوقِيَّة وَنصف نقي قُرُوح الرئة وأبدلها حب الْغَار جيد للقرحة فِي الرئة وعسر النَّفس الغاريقون يسقى لقروح الرئة بالطلاء والكراث النبطي جيد لقرحة الرئة.
اوريباسلس وبولس: الزّبد ينضج علل الصَّدْر والرئة وينفع من السعال.
ابْن ماسويه: مرق السرطان النَّهْرِي جيد للمسلولين وَكَذَلِكَ لحومها.
الخوز قَالَت: السوس يحل الْمدَّة من الصَّدْر.
أَبُو جريح: الصمغ الْعَرَبِيّ يرفع ضَرَر قُرُوح الرئة بَارِد يَابِس جدا.
الثَّانِيَة من مسَائِل الْفُصُول قَالَ: من وَقع فِي السلّ من الشبَّان فَإِنَّهُ يَمُوت إِذا بلغ سنّ الكهول. لي إِنَّمَا كتب هَذَا لتخطئة من يرى أَن طول عمر المسلول بسنه.
من كتاب الذبول قَالَ: ارومن وأبوديقلس يأمران أَصْحَاب ذَات الرئة أَن يمتص اللَّبن من ثدي الْمَرْأَة. 

لي هَذَا يدل على أَنه يسْتَعْمل فِي ابْتِدَاء السل لِأَن ذَات الرئة إِنَّمَا هُوَ ابْتِدَاء للسل إِلَّا أَن يرى لما ينفث فِيهِ للنضج أبدا الْبَتَّةَ أَو يرى فِيهِ شَيْء قَلِيل جدا وَكَانَ مَا ينفث قَلِيلا قَلِيلا بِجهْد فَهُوَ أقل سرعَة وبالضد. لي معجون جيد لمن يحْتَاج أَن ينفث مُدَّة مَعَ حرارة وَحمى رئة الثَّعْلَب وبزر رازيانج وَرب)
السوس متخذ هِيَ وعصارة برسياوشان يجمع السكر قد غلظ بالطبخ بِالْمَاءِ. لي قَالَ جالينوس فِي الثَّالِثَة من البحران فِي أَولهَا: إِن الرعاف لَا يشاكل الورم فِي الرئة ويشاكل ذَات الْجنب يُرِيد أَنه لَا يكون لَهُ بحران جيد من هَهُنَا يعلم أَن الفصد فِي بَاب ذَات الْجنب أوجب مِنْهُ فِي ذَات الرئة وَإنَّهُ لَا يحْتَاج فِي ذَات الرئة إِلَى الفصد اللَّهُمَّ إِلَّا أَن تظهر دَلَائِل لذَلِك غالبة جدا.
الأولى من مسَائِل إبيذيميا: من السل ضرب رَدِيء السحنة خَبِيث سريع الْإِتْلَاف وَهَذَا الصِّنْف إِمَّا أَلا ينضج مَا ينفث مِنْهُ أصلا وَإِمَّا إِن نضج كَانَ ذَلِك منتناً قَلِيلا ويكّد مَا يرْتَفع قَلِيلا قَلِيلا وَمِنْه نصف آخر لَيْسَ برديء وَهُوَ أطول مُدَّة وَهُوَ الَّذِي ينضج نعما ويسارع ويسهل بالنفث.
الثَّانِيَة من مسَائِل إبيذيميا قَالَ: الصّبيان من حِين يعظمون إِلَى الإنبات يتخلصون من الْأَمْرَاض الصعبة جدا لقُوَّة النشو فيهم وخاصة فِي وَقت الإنبات. لي يتخلصون من قُرُوح الرئة خَاصَّة وَيبرأ ويلتحم فيهم سَرِيعا وَلَا يكَاد يحدث بهم مِنْهُ دق لرطوبة أمزجتهم وَقد رَأَيْت قرحَة مستحكمة من ذَات الرئة بِغَيْر وَاحِد مِنْهُم فبرئ برأَ تَاما وَقَالَ: جَمِيع الْأَمْرَاض فيهم أسْرع نضجاً وبرأ.
الثَّالِثَة قَالَ: السل لَا يَخْلُو من حمى دقيقة لَازِمَة وَقد تركبت مَعهَا حميات مِنْهَا الْخمس ثمَّ بِشَطْر الغب والنائبة كل يَوْم وبشطر الغب وشرها واقتلها بِسُرْعَة الَّتِي تتركب مَعهَا الْخمس ثمَّ شطر الغب ثمَّ الَّتِي تنوب كل يَوْم.
مُخْتَصر حِيلَة الْبُرْء: إِنَّمَا يسْتَعْمل حلق الرَّأْس وطليه بالخردل والتافثيا وخرؤ الْحمام حَيْثُ تنحدر مَادَّة إِلَيْهِ حارة إِلَى الرئة بِغَيْر ألف ألف حمى فَعِنْدَ ذَلِك يَنْبَغِي أَن تبتدأ فتفصد وتحلق الرَّأْس تطليه بِهَذِهِ وتسقيه الجالبة للنوم المخدرة المغرية ليمنع النَّوَازِل وَإِنَّمَا يفعل ذَلِك فِي ابْتِدَاء الْعلَّة مادامت هَذِه النزلة لم تفرط فِي أقراح الرئة فَيبرأ مِنْهُمَا برأَ كَامِلا فَأَما إِذا أمعنت فِيهِ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَن تجفف القرحة لِأَنَّهُ مائل إِلَى برئها. لي هَذَا النَّوْع الثَّالِث من السلّ الأخبث الأردي وَمَا دَامَ مُبْتَدأ يبرأ بِقطع النزلة بِمَا ذكر وَسَقَى المجففة المخدّرة وعلامة الْمُبْتَدِئ أَن يَقع نفث الدَّم بِغَيْر سعال وَنَفث حاد وَلَا يكون طَال الْأَمر بعد وَلَا نفث الدَّم مرّة بعد مرّة لَكِن فِي حدثان مَا نفث.) 

لي السلّ يحدث إِذا حدث خراج فِي الرئة ابْتِدَاء أَو فِي الْجنب وانصبت الْمدَّة إِلَى الصَّدْر وَلم ينق أَو من نزلة تنحدر إِلَى الرَّأْس أَو لربو مزمن أَو لنفث الدَّم يعالج كلهَا فَيبرأ مَا دَامَ لم يحدث ضروب السلّ بتعديله للخلط الرَّدِيء وتسهيله لنفث وتقويته للقوة وغسله جلائه للقرحة وإلحامه أَيْضا لِأَنَّهُ قد جمع ذَلِك.
الرَّابِعَة من الْأَعْضَاء الألمة قَالَ: أصَاب رجلا ذَات الرئة فَلَمَّا برِئ مِنْهَا صَار عضده من جَانب الْخلف والجانب الدَّاخِل وكلى مَوَاضِع الصاعد عسر الْحس إِلَى أَطْرَاف أَصَابِعه وَبَعض النَّاس ناله من ذَلِك مضرَّة يسيرَة فِي الْحَرَكَة وَإِنَّمَا عرض ذَلِك لِأَن العصب الَّذِي يخرج من الْموضع الأول وَالثَّانِي من الْمَوَاضِع الَّتِي فِيمَا بَين. . نالته مضرَّة وَالْأول من هَاتين. لي رُبمَا أصَاب من بِهِ عِلّة فِي صَدره ذَات الرئة أَو ذَات الْجنب بعد برئه عسر حس أَو حَرَكَة فاطلب ذَلِك فِي بَاب الفالج.
فلاذيوس فِي الْفُصُول الَّتِي ذكر فِيهَا اللَّبن قَالَ: اللَّبن يُبرئ قرحَة الرئة لِأَنَّهُ بمائيته تنقيها وبجبنيته تختمها فَهُوَ يُبرئ المسلولين الْبَتَّةَ إِلَّا لم حماه قَوِيَّة أَو بلغ الذبول فَإِنَّهُ فِي هَؤُلَاءِ لَا يُمكن أَن ينهضم وَفِي الآخرين يَسْتَحِيل بِشدَّة حرارة الْحمى.
فيلغريوس من رسَالَته فِي السلّ قَالَ: يَنْبَغِي أَن يسقى لبن الأتن فِي قدح خشب وَيكون مَاءَهُ الَّذِي يشرب بِهِ مَاء الْمَطَر وضمد صَدره بالمراهم الْحَادِثَة إِلَى خَارج مرّة وبأطلية أخر إِذا احْتبست وَاحْتبسَ النَّفس فأعطهم حِينَئِذٍ مَاء الْعَسَل وَرب السوس بليغ النَّفْع لَهُم وأعطهم بِاللَّيْلِ ليكن تَحت ألسنتهم.
بختيشوع للسلّ الْعَتِيق وللحدبة وَهُوَ أَجود شَيْء لَهُ: يطْبخ لَهُم كل يَوْم سرطان مَعَ مَاء الشّعير وَطَعَامه مخ بيض وأسفيذباج لين بشحم دَجَاج ودهن لوز وَيجْلس فِي الآبزن بعد الطَّعَام قَلِيلا لَا يُطِيل وليمرخ بعد بدهن بنفسج.
أبقراط فِي تَدْبِير الْأَمْرَاض: عَلامَة الْخراج فِي قَصَبَة الرئة والورم حمى صعبة وضربان فِي وسط الظّهْر وحكة الْجَسَد وبحة الصَّوْت وريح الْفَم ألف ألف كالسمك وَقد يكون فِي الرئة مَاء وَتَكون حمى مَعَه لينَة ومتصلة وَسُوء نفس وورم الْأَطْرَاف وَنَفث مَادَّة وَهُوَ طَوِيل وَرُبمَا توهم أَنه مستسق وَرُبمَا نزل إِلَى الْبَطن الْأَسْفَل فخف النَّفس ثمَّ ثقل فعالجهم بالبط من الْجنب وَبِمَا يعالج المتقيحون.) 

تَدْبِير الْأَمْرَاض لأبقراط قَالَ: يكون مَعَ الْخراج فِي الرئة حمى شَدِيدَة وَنَفس سخن متدارك وبخر واسترخاء الْقُوَّة وضربان تَحت الْكَتف وَفِي الترقوة والثدي وَثقل فِي الصَّدْر وهذيان وَمِنْهُم من لَا يجد ضرباناً حَتَّى يسعل وينفث نفثاً أَبيض مزبداً ولسان أَحْمَر فِي أول الْأَمر ثمَّ يسود فَإِن لم يسْرع سوَاده كَانَ الانفجار ارجا ويلصق الْيَد بِاللِّسَانِ إِذا وضعت عَلَيْهِ وَيكون هَذَا الوجع فِي المرطوبين أقوى فَإِذا صَار البصاق حلواً فقد تقيح فَإِن نقى فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَإِلَّا بقى سنة وَإِن كَانَ بصاقه كريه الرّيح فَهُوَ هَالك. لي ابتدئ بنفض الرَّأْس لِئَلَّا يسيل إِلَى الرئة شَيْء وأحسه أحساء حلوة لينضج وَيغسل إِلَى أَرْبَعَة أَيَّام أَو خَمْسَة أَيَّام ثمَّ دع الْحَلَاوَة وجدّ فِيمَا يصعد النفث ويسهل الْبَطن لِئَلَّا يكون للحمى قُوَّة قيمَة فَيسْقط الْقُوَّة وتمتنع وَإِن سَالَ الْقَيْح إِلَى الصَّدْر خيل إِلَيْهِ أَنه قد خف أَيَّامًا ثمَّ يسوء حَاله وأسرع بِهِ قبل أَن ينهك قبل خَمْسَة عشر يَوْمًا بِمَاء فحمه حَار ثمَّ أجلسه على كرْسِي على الرِّيق وليأخذ إِنْسَان بكفيه وَهَذِه أنبت وحركه وضع يَديك على جَانِبي الصَّدْر لينْظر فِي أَي جَانب الْقَيْح فيقطعه وَهُوَ فِي الْأَيْسَر أسلم فاقطع لكل من سَالَ الْقَيْح إِلَى صَدره فَلم ينفث مِنْهُ شَيْئا الْبَتَّةَ وَلم يطْمع فِي إصعاده بالنفث بالأدوية وَخذ خرقَة كتَّان فضعها فِي طين أَحْمَر وَمَاء وأذره على الْجنب والموضع الَّذِي يجِف أسْرع هُوَ مَوضِع اجْتِمَاع الْقَيْح فعلّم لصلبه حَتَّى تبطّه وَعَلَيْك بِحِفْظ الرَّأْس من النَّوَازِل وتقوية الْمعدة بالأطعمة الْبَارِدَة مثل مَا يطعم أَصْحَاب قوسس. (ذَات الْجنب وَالْفرق بَينهَا وَبَين ورم الكبد. .) (وورم الرئة والحجاب) الْمقَالة الأولى من البحران قَالَ: الْأَشْيَاء الَّتِي اجتماعها فِي ذَات الْجنب الْحمى الحادة ووجع الأضلاع شبه النخس وَتغَير النَّفس والسعال قَالَ: إِلَّا ينفث العليل شَيْئا الْبَتَّةَ بالسعال وَذَلِكَ دَلِيل على أَن الْمَرَض لم ينضج الْبَتَّةَ وَالثَّانِي أَن ينفث شَيْئا إِلَّا أَنه غير مَحْمُود وَذَلِكَ يكون على ضَرْبَيْنِ: أَحدهمَا أَن يكون ذَلِك الشَّيْء الَّذِي ينفث إِنَّمَا فِيهِ إِنَّه لم ينضج فَقَط وَالْآخر أَن يكون مَعَ أَنه غير نضيج رديئاً فِي نَفسه قَالَ: والنفث النضيج مُخَالف لهَذِهِ كلهَا وَهُوَ الَّذِي يَخُصُّهُ الْأَطِبَّاء باسم البزاق وَذَلِكَ أَنهم لَا يسمون الشَّيْء الَّذِي ينفث وَهُوَ شَبيه بِالدَّمِ أَو المرار أَو البلغم أَو بالزبد بزاقاً بل يسمون هَذِه جَمِيعًا نفثاً فَإِذا رَأَوْا النفث لَا يخالطه شَيْء من الدَّم وَلَا من)
الصَّفْرَاء ألف ألف وَلَا من السَّوْدَاء سموهُ حِينَئِذٍ بزاقاً وَهَذَا البزاق إِذا حدث سَرِيعا بعد حُدُوث الْمَرَض كَانَ قَصِيرا وَإِذا لم ينفث شَيْئا الْبَتَّةَ أَو نفث شَيْئا غير نضيج دلّ على أَن الْمَرَض يطول فَإِن كَانَ مَعَ ردائته خبيثاً دلّ على الْمَوْت. 

لي تَحْصِيل هَذَا الْكَلَام إِن عدم النفث بعد الْمَرَض دَلِيل على عدم التقييح الْبَتَّةَ وبمقدار تَأَخره يكون طول زمَان النضج وَلَيْسَ وجود النفث دَلِيلا على وجود عِلّة لكنه إِن كَانَ نضيجاً مَحْمُودًا خَالِيا من الكيفيات الرَّديئَة حَتَّى يسْتَحق أَن يُسمى بزاقاً وَحدث بعد الْعلَّة سَرِيعا دلّ على قصر الْعلَّة وَإِن كَانَ بِخِلَاف هَذِه الصِّفَات فإمَّا أَن يدل على أَن الْمَرَض يطول فَقَط وَذَلِكَ إِذا لم يكن فِي النفث إِلَّا عدم النضج فَقَط وَهُوَ أَن تكون الكيفيات الْمُخَالفَة للبزاق مِنْهُ قَليلَة على مَا سنقول بعد وَمرَّة يدل على الْمَوْت وَذَلِكَ إِذا كَانَ النفث مَعَ عَدمه للنضج رديئاً خبيثاً وَذَلِكَ إِذا كَانَت هَذِه الكيفيات صرفة مَحْضَة أَو غالبة على البزاق وَمن هَهُنَا نبتدئ نعلم أَن مَا النفث الْغَيْر نضيج وَمَا النفث الرَّدِيء وَكَأَنَّهُ يُسمى النَّفس النضيج الحميد بزاقاً وَالَّذِي بِخِلَاف ذَلِك نفثاً غير نضيج كَانَ أَو رديئاً. لي قَالَ: وَأما تِلْكَ الْأَسْمَاء الَّتِي تسمى نفثاً فَمَا كَانَ مِنْهَا فِيهِ حمرَة ناصعة يسيرَة أَو صفرَة أَو زبدية أَو رقة فَإِنَّهُ يدل على أَنه لم ينضج فَقَط وَلَا يدل على بلية فادحة فَأَما مَا كَانَ من النفث مفرطاً فِي الْحمرَة الناصعة أَو فِي الصُّفْرَة أَو فِي الزبدية أَو فِي الخضرة أَو النفث فِي اللزوجة أَو كَانَ مستديراً فَهُوَ رَدِيء وَأكْثر من هَذَا رداءة مَا كَانَ أسود قَالَ وَانْظُر مَعَ هَذَا فِي سهولة النَّفس وعسره وَذَلِكَ إِن كَانَ يخرج بسهولة دلّ على أَنه مَحْمُود جيد وَإِن كَانَ بِخِلَاف ذَلِك دلّ على أَنه رَدِيء. لي هَذَا يدل على أَن سهولة الْخُرُوج جيد لَا الشَّيْء الْخَارِج وَذَلِكَ أَنه إِن أمكن أَن يكون نفث أَخْضَر أَو أسود يخرج بسهولة فَلَيْسَ يجب من أجل ذَلِك أَن يكون هَذَا النفث مَحْمُودًا لَكِن جِهَة خُرُوجه مَحْمُود حَتَّى يكون مثلا نفثين متساوي الْحَال فِي الردائة وأسهلهما خُرُوجًا هُوَ أقلهما شرا وبالضد قَالَ: وَأَنا أجيئك بِشَاهِد من كتاب أبقراط فِي تقدمة الْمعرفَة يَأْتِي على جَمِيع مَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَهُوَ قَوْله: إِنَّه يَنْبَغِي أَن يخرج البزاق فِي جَمِيع الأوجاع الَّتِي فِي الصَّدْر والرئة والأضلاع بسهولة وَسُرْعَة وَيكون اللَّوْن الْأَحْمَر الناصع فِيهِ مخاطاً للبزاق جدا فقد دلك أبقراط بِهَذَا القَوْل: إِن اسْم البزاق إِنَّمَا يجب للنفث الطبيعي الَّذِي ذكرنَا أَنه يَنْبَغِي أَن يُوجد)
الشَّيْء الْأَحْمَر الناصع قد خالطه مُخَالطَة شَدِيدَة.
لي قد تبين من هَذَا الْكَلَام أَن النفث الصَّالح الحميد فِي هَذِه الْعلَّة لَيْسَ هُوَ الَّذِي فِيهِ حمرَة وَلَا تغير الْبَتَّةَ بل الَّذِي يخالطه حمرَة قَليلَة مُخَالطَة شَدِيدَة فَإِن الِاخْتِلَاط الْجيد عَظِيم فِي الْقُوَّة وعَلى قدر جودة الِاخْتِلَاط يكون خُرُوجه من الردائة وبالضد فَإِن يكون الشَّيْء الرَّدِيء غير مختلط بالبزاق نعما رَدِيء.
قَالَ ج: أبقراط يظنّ دَائِما الِاخْتِلَاط فِي جمع الْأَشْيَاء إِذا كَانَ متفاوتاً غير مُتَسَاوِيَة والتجربة تشهد على ذَلِك قَالَ: ثمَّ قَالَ أبقراط: وَذَلِكَ أَن الْأَحْمَر الناصع ألف ألف إِذا كَانَ صرفا دلّ قَالَ ج: إِنَّمَا يُرِيد بِالصرْفِ الَّذِي هُوَ غير مخالط للبزاق ثمَّ قَالَ: والأبيض اللزج والمستدير غير نَافِع ثمَّ ترقى إِلَى ذكر مَا هُوَ فِي غَايَة الرداءة فَقَالَ وَإِذا كَانَ أَخْضَر جدا أَو زبدياً فَإِن كَانَ صرفا مَحْضا حَتَّى يبلغ من ذَلِك إِلَى أَن يكون أسود فَهُوَ أردى مِمَّا ذكرنَا قبله فعلى هَذَا الْمِثَال فاستدل من الْأَشْيَاء الْخَاصَّة بِذَات الْجنب وَانْظُر مَعهَا فِي الْأَشْيَاء الْعَامَّة لَهُ مَعَ الْأَمْرَاض الحادة فَإِن الْأَعْلَام الجيدة احْتِمَال الْمَرِيض لمرضه وَصِحَّة النَّفس وألاّ يجد وجعاً وَأَن ينفث بزاقه بسهولة وَأَن يكون بدنه حاراً حرارة مستوية وَيكون ليّناً وَلَا يكون بِهِ عَطش وَيكون الْبَوْل وَالْبرَاز وَالنَّوْم والعرق مَحْمُودًا بِهَذِهِ الْأَعْلَام الجيدة الخاصية بآلات التنفس والمشتركة لجَمِيع الْأَمْرَاض الحادة قد نسقتها لَك وأتبع أبقراط بِذكر هَذِه العلامات الرَّديئَة فَقَالَ: وَأما الْأَعْلَام الرَّديئَة فَإِن تثقل على الْمَرِيض احْتِمَال مَرضه وَيكون نَفسه عَظِيما متواتراً وَلَا يسكن وَجَعه.
لي يَعْنِي الناخس الَّذِي فِي الْجنب قَالَ: وَإِن ينفث بزاقه بكدّ أَو أَن يعطس جدا وَأَن يكون حرارة الْحمى فِي بدنه مُخْتَلفَة فَيكون بَطْنه وجنباه حارة جدا وَتَكون جَبهته ويداه وَرجلَاهُ بَارِدَة وَيكون الْبَوْل وَالْبرَاز وَالنَّوْم والعرق كلهَا رَدِيئَة مذمومة.
قَالَ: النفث الْأسود مَعَ مَا يدلّ على أَنه غير نضيج قد يدلّ على التّلف من بِهِ ذَات الْجنب إِن ظهر بِآخِرهِ طَال الْمَرَض النوائب فِي ذَات الْجنب فِي أَكثر الْأَمر يكون غبّاً فَمَتَى رَأَيْت عَلامَة من عَلَامَات النضج أيّ عَلامَة كَانَت من قبل أَن يَأْتِي النّوبَة الثَّانِيَة فَإِنَّهُ يدل على أَن الْمَرَض قصير سليم البزاق الشبيه ببزاق الأصحاء يدلّ على غَايَة سَلامَة آلَات التنفس والمخالف لَهُ على أَن آلَات النَّفس عليلة بِقدر تِلْكَ الْمُخَالفَة قَالَ: وَأما الَّتِي بالضد من الطبيعي فعلى أَنه غير نضيج وَأَن آلَات النَّفس فِي غَايَة الضعْف فَإِن كَانَ مَعَ ذَلِك فِيهِ شَيْء رَدِيء فعلى الْمَوْت.)
لي بِقدر تقدّم عَلَامَات النضج يكون قصر مُدَّة الْمَرَض وبقدر قوتها سَلَامَته أَمر التبّزق نضج ذَات الرئة وَالْجنب فِي بَاب إزمان الْأَمْرَاض فَإِنَّهُ فِيهَا على مَا يَنْبَغِي وَهَذِه جملَته أَن البزاق الَّذِي لَا حمرَة ناصعة فِيهِ وَلَا صفرَة خَالِصَة وَلَا زبدية وَلَا لزوجة السهل النفث العديم الوجع مَحَله فِي الدّلَالَة على نضج الْخَلْط الَّذِي مِنْهُ ذَات الْجنب محلّ الثّقل الْأَبْيَض الأملس الراسب فِي الْبَوْل وَإِلَّا ينفث الْمَرِيض الْبَتَّةَ لكنه يسعل سعالاً يَابسا نَظِير الْبَوْل المائي وَأَن ينفث شَيْئا قَلِيلا رَقِيقا فَإِنَّهُ ينْتَقل نقلا خَفِيفا إِلَى النضج جدا وَلَيْسَ يدل أَن ابْتِدَاء ذَات الْجنب قد انْقَضى بِهَذِهِ العلامات فضلا على تصاعده فَإِذا أقبل النفث يزْدَاد كَثْرَة وغلظاً فَهُوَ فِي طَرِيق النضج فَإِذا نفث نفثاً نضيجاً كثيرا سهلاً بِلَا وجع فَذَلِك النضج التَّام وَهُوَ وَقت منتهي الْمَرَض فَإِذا نقصت كمية هَذَا النفث وَكَانَ على غلظة وسهولة خُرُوجه وَلم يبْق شَيْء من الوجع الْبَتَّةَ فقد انْقَضى إِلَيْهَا الْمَرَض أَو انحط وَبعد هَذَا الْكَلَام مِثَال نقرأه من ثمَّ. 3 (مِثَال فِي الحميات) الَّتِي مَعَ ألف ألف أورام يمثل فِيهِ بِذَات الْجنب قَالَ: أما الْموضع الَّذِي فِيهِ الورم فَهُوَ الغشاء المستبطن للأضلاع ويعرض بِسَبَب الورم فِيهِ وجع وَيكون هَذَا الوجع نَاقِصا ممتداً فِي مَسَافَة كَثِيرَة لِأَن الْموضع الَّذِي فِيهِ الورم غشاء والأوجاع الَّتِي تعرض فِي الأغشية الحساسة هَذِه حَالهَا وَلِأَن الغشاء حيّز من آلَات النَّفس يعرض لذَلِك المتنفس تَغْيِير من قبل أَنه قريب من الْقلب وَجب أَن ينَال الْقلب شَيْء بِمَا فِي الورم من الالتهاب وَإِذا نَالَ الْقلب ذَلِك الالتهاب وَجب أَن تكون حمى وَلما كَانَ أَيْضا قَرِيبا من الرئة والرئة على مَا هِيَ عَلَيْهِ من السخافة والتخلخل واللين والإمكان لقبُول كل جَوْهَر رطب بسهولة وَسُرْعَة وَجب أَن تنَال الرئة بعض مَا فِي ذَلِك الغشاء من الرُّطُوبَة فَإِذا كَانَ فَلَا بُد أَن يحدث سعالاً وَلَا يجب ضَرُورَة أَن يقذف متداول الْأَمر شَيْئا لكنه إِن كَانَ مَا يسيل إِلَى الرئة من الورم ذَلِك الغشاء كثيرا غليظاً قذف مَعَ السعال وَإِن كَانَ رَقِيقا قَلِيلا فَهُوَ يهيج ضَرُورَة ويحرك السعال إِلَّا أَنه كَانَ لَا ينفث دون أَن يجْتَمع وينضج فتزداد كَثْرَة وغلظاً وَذَات الْجنب لِأَنَّهُ ورم فِي عُضْو مستحصف حاصر حَابِس لجَمِيع مَا فِيهِ من الرُّطُوبَة وَلَا يكون مَعَ ذَات الْجنب فِي أَوله نفث فَإِذا لِأَن واسترخى حَتَّى يسيل مِنْهُ شَيْء إِلَى الرئة كَانَ السعال أَكثر وَبَدَأَ النفث يكون وَتعلم مَا الْخَلْط الْمُحدث للورم من لون النفث وَذَلِكَ أَنه كَانَ مَا ينفث زبدياً فَإِن الْخَلْط بلغمي فَإِن كَانَ يضْرب إِلَى اللَّوْن الْأَحْمَر الناصع فَإِن الفضلة)
صفراء كَانَت تضرب إِلَى الصُّفْرَة المشبعة دلّ على أَنه يخالط الصَّفْرَاء رُطُوبَة كَثِيرَة مائية وَمَتى كَانَ يضْرب إِلَى الصُّفْرَة الرقيقة فَإِن مَا يخلط من المرار الصّرْف من هَذِه الرُّطُوبَة أَكثر.
وَمَتى كَانَ النفث أسود فَإِن الْخَلْط مائل إِلَى السوَاد وَمَتى كَانَ يضْرب إِلَى الْحمرَة القانية أَكثر مَا يضْرب إِلَى اللَّوْن الناصع فَإِن أَكثر ذَلِك الْخَلْط دم وَأقله صفراء وَلذَلِك صَار هَذَا النفث أقل مَكْرُوها وأدلها على التّلف وَقُوَّة الْأَعْرَاض الَّتِي ذكرنَا يَعْنِي النخس والحمى وضيق النَّفس دَال على قُوَّة الْمَرَض وضعفها على ضعفه ونبض ذَات الْجنب صلب مَعَ تمدد لِأَن الْعلَّة فِي عُضْو عصبي وَهُوَ مُتَسَاوِيَة لِأَن الْعلَّة ورم وَهُوَ سريع متواتر عَظِيم من أجل أَن مَعَه حمى شَدِيدَة والنبض فِي هَذِه الْأَعْرَاض يدل على شدَّة الْعلَّة وبالضد.
قرصة جَيِّدَة لإنضاج الورم فِي الصَّدْر والرئة: بزر الخطمى وَالْخيَار والخبازي والبطيخ والقرع وَرب السوس وزهر إكليل الْملك وبنفسج وكثيراء يقرص بلعاب بزر الْكَتَّان ويسقى بِمَاء التِّين.
جَوَامِع البحران: البزاق الدَّال على النضج لم يكن بعد هُوَ البزاق الْأَبْيَض واللزج وَالَّذِي يخالطه الدَّم وَمِنْهَا مَا يدل على الْخطر كالمشبع الْحمرَة والأصفر وَالَّذِي لَونه لون البان والنفث الْأسود مِنْهُ شَيْء فِي غَايَة الدّلَالَة على الْهَلَاك وَهُوَ الَّذِي مَعَ سَواد منتن وَمِنْه أقل دلَالَة على الْهَلَاك وَهُوَ أَن يكون أسود وَلَا يكون منتناً وَهَذِه الْأَرْبَع دَلَائِل فِي كل نفث الْأَشْيَاء الَّتِي تنفث فَينْعَقد فِيهَا كميتها وكيفيتها ورقة خُرُوجهَا وَالْوَجْه الَّذِي لَهُ يخرج كميتها فَلِأَن مِنْهَا قَلِيلا وَلِأَن مِنْهَا كثيرا وكيفيتها ألف ألف فَيضْرب على أَرْبَعَة أَشْيَاء إِمَّا على القوام وَهُوَ مَاء غليظ وَإِمَّا رَقِيق وَإِمَّا على اللَّوْن وَهُوَ إِمَّا أَبيض وَإِمَّا نَارِي أَو أَحْمَر مشبع أَو أسود وَإِمَّا الرَّائِحَة وَهُوَ إِمَّا منتن وَإِمَّا غير منتن وَإِمَّا التشكل فَهُوَ إِمَّا أَن يكون مدوّراً أَو غير مدوّر وَأما وَقت خُرُوجه فَلِأَن مِنْهُ مَا ينفث فِي أول الْأَمر وَمِنْه مَا يتَأَخَّر وَأما الْوَجْه الَّذِي لَهُ يخرج فَإِنَّهُ يكون إِمَّا سهلاً بِلَا سعال وَإِمَّا مَعَ شدَّة سعال. 













مصادر و المراجع :

١-الحاوي في الطب

المؤلف: أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي (المتوفى: 313هـ)

المحقق: اعتنى به: هيثم خليفة طعيمي

الناشر: دار احياء التراث العربي - لبنان/ بيروت

الطبعة: الأولى، 1422هـ - 2002م

عدد الأجزاء: 7

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

المزید

فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع

المزید

حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا

المزید

أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي

المزید

إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها

المزید