المنشورات

الناس تجاه البنات

وقد كان الأوائلُ تُجاه البنات - وكذلك الناس إلى يومنا هذا - فريقين -: فأمَّا فريقٌ فقد كانوا يُفضِّلونهنَّ ويحنون عليهن، ومن قولهم في ذلك ما يُروى أن مَعْنَ بنَ أوْسٍ المُزَني - شاعر إسلاميٌّ من الفحول -كان مِئناثاً - وكان له ثمانُ بناتٍ، وكان يحسن صحبتَهنَّ وتربيتَهنَّ، فوُلِدَ لبعض عشيرته بنتٌ، فكرهَها وأظهرَ جَزعاً من ذلك، فقال معن:
رَأَيْتُ رِجَالاً يَكْرَهُونَ بَناتِهِمْ ... وفِيهِنَّ - لا تُكْذَبْ - نِسَاءٌ صَوَالِحُ
وفِيهِنَّ - والأيَّامُ يَعْثُرْنَ بالفتَى - ... عَوائِدُ لا يَمْلَلْنَهُ ونَوَائِحُ
ودخل عمرو بن العاص على معاويةَ وعنده ابنتُه عائشة، فقال: من هذه يا أمير المؤمنين؟ فقال: هذه تفاحةُ القلب، فقال: انبُذْها عنك، قال: ولِمَ؟ قال: لأنَّهنَّ يِلِدْنَ الأعداء، ويقرِّبنَ البُعداء، ويؤرِّثن الضغائِنَ، فقال: لا تقل ذاك يا عمرو، فوالله ما مَرَّض المرضى ولا نَدب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلُهن، وإنك لواجدٌ خالاً قد نفعَه بنو أخته؛ فقال له عمرو: ما أعلمك إلا حبَّبتهنَّ إليَّ. . .
وقال بعضهم: البنات حسناتٌ. والبنون نعمٌ، والحسناتُ مُثابٌ عليها، والنعم مسؤول عنها. . .
وأما الفريق الآخر فيكره البنات: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ} - كما قال سبحانه وتعالى - وقديماً قالوا: نِعْم الخَتَنُ القبرُ. . . ودفنُ البنات من المَكْرُمات. .
وما خَتَنٌ فينا أعَفُّ مِنَ القَبْرِ
ونظر أعرابيٌّ إلى بنتٍ تدفن، فقال: نِعم الصهرُ صاهرتم. . . وقال الحسين بن علي رضي الله عنه: والد البنت مُتعب، ووالد بنتين مُثقلٌ، ووالد ثلاث فعلى الناس أن يعينوه. . . وقال الزُّهريُّ: كانوا لا يرون على صاحب ثلاث بنات صدقة ولا جهاداً. . . وكانت العرب لا تأكل طعام صاحب البنات وقد قال قائلهم:
إذا ما المَرْءُ شبَّ له بَنَاتٌ ... عَصَبْنَ برأسِه عَنَتاً وَعَارا
وأد البنات: وناهيك في هذا الباب شُنعةً وسوءَ صنيعةٍ بما كان العرب يفعلون في الجاهلية من وأد البنات. . وما فتئوا إلى أن أرسِل سيِّدُ البشر صلوات الله عليه، فنهى عن ذلك، وأنزل الله عز وتقدس: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ}؟ وكثيراً من الآيات في هذا المعنى المفظِع. . . ودخل قيس بن عاصم المِنْقَريُّ - وهو سيِّد أهل الوبر - على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني وأدت اثنتي عشرة بنتاً، فما أصنع؟ فقال رسول الله: أعتق عن كل موءودة نسمةً، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: فما الذي حملك على ذلك وأنت أكثر العرب مالاً؟ فقال: مخافة أن يَنْكِحَهنَّ مثلك، فتبسم رسول الله وقال: هذا سيّد أهل الوبر. . . قال قيس: ما وُلدت لي ابنةٌ إلا وأدتها سوى بنيّةٍ ولدتها أمُّها وأنا في سفر، فلما عدت ذكرت أنّها ولدت ابنة ميّتة. . فأودعتها أخوالها حتى كبرت، فأدخلتها منزلي متزيِّنة، فاستحسنتها، فقلت: من هذه؟ فقالت: هذه ابنتك، وهي التي أخبرتك أنني ولدتها ميّتةً، فأخذتها ودفنتها حيّةً وهي تصيح وتقول: أتتركني هكذا؟ فلم أعرِّج عليها، فقال صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يُرحم. . 










مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید