المنشورات

أحمد بن أبي دواد

كان هذا أحمد بن أبي دُوادٍ شخصيةً ضخمةً ذاتَ أثرٍ فعّالٍ خالدٍ في تاريخ الإسلام، إذ أنّه كان من أشياع المعتزلة، وكان في طليعة القائلين بخلق القرآنِ، العاملين على ترويج هذه البِدعة، مستظهِراً على ذلك بجاهه ونفوذِه لدى المأمون والمعتصم والواثق. وليس فيه من مَغْمزٍ - في نظر رجال الحديث وأهل السُّنّة والجماعة - إلا هذه. . . قال محمد بن يحيى الصُّولي: لولا ما وضع به نفسَه من محبَّة المِحْنة - مِحْنة القولِ بخلقِ القرآن، وحمل الناس عليه - لاجتمعت الألسن عليه، ولم يُضف إلى كرمِه كرمُ أحدٍ. . . ومن أحبَّ الوقوف على موقف ابن أبي دوادٍ من هذه المسألة فليرجع إلى مظانّها. . . ومن قولهم في مكانته من العلم والأدب، ومنزلته من الجاه والسلطان، ورسوخِ قدمِه في الفضلِ والنُّبلِ ومكارمِ الأخلاق، وأفاعيلِه المخلَّدة في هذه المعاني - والكلام يدخلُ بعضُه في بعض -: قال أبو العيناء ما رأيت رئيساً قطّ أفصحَ ولا أنطقَ من ابن أبي دُواد، وقال: كان ابن أبي دُوادٍ شاعراً مُجيداً، فَصيحاً بليغاً: وقد ذكره دِعْبِل بن عليّ الخزاعي - الشاعر العبقري -
في كتابه الذي جمع فيه أسماءَ الشعراءِ وروى له أبياتاً حِساناً. وقال أبو بكر الجرجاني: سمعت أبا العيناء الضّرير يقول: ما رأيت في الدُّنيا أقومَ على أدبٍ من ابن أبي دُواد - يريد أبو العيناء بالأدب هنا: أدب النفس - ما خرجت من عندِه يوماً قطُّ فقال: يا غلام خُذْ بيده، بل قال: يا غُلام اخرُجْ معه، فكنت أنتقد هذه الكلمة عليه، فلا يخلُّ بها ولا أسمعها من غيره. . . قالوا: وهو أول من افتتح الكلامَ مع الخلفاء، وكانوا لا يبدؤهم أحدٌ حتى يبدؤوه. وقال إبراهيم بنُ الحسن: كنّا عند المأمون، فذكروا من بايعَ من الأنصار ليلةَ العقبة، فاختلفوا في ذلك، ودخل ابن أبي دُواد، فعدَّهم واحداً واحداً بأسمائهم وكُناهم وأنسابهم، فقال المأمونُ: إذا استجلس الناس فاضلاً فمثلَ أحمد، فقال أحمد: بل إذا جالس العالِمُ خليفةً فمثلَ أمير المؤمنين، الذي يفهم عنه، ويكون أعلم بما يقوله منه. وقال أحمد بن عبد الرحمن الكلبي: ابن أبي دُواد رُوحٌ كلُّه من قرنِه إلى قدمِه. وقال لازونُ بن إسماعيل: ما رأيت أحداً قطّ أطوعَ لأحد، من المعتصم لابن أبي دُواد، كان - المعتصم - يُسأل الشيءَ اليسيرَ فيمتنع منه، ثم يدخل ابن أبي دُواد فيكلِّمه في أهله وفي أهل الثغور وفي الحرمين وفي أقاصي أهل المشرق والمغرب، فيجيبه إلى كلِّ ما يريد، ولقد كلّمه يوماً في مقدار ألف ألف درهم ليُحفرَ بها نهرٌ في أقاصي خراسان، فقال له: وما عليَّ من هذا النهر: فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يسألك عن النظر في أمر أقصى رعيتك، كما يسألك عن النظر في أمرِ أدْناها، ولم يزل يَرْفُق به حتى أطلقها. قالوا: وكان ابتداءُ اتصال ابن أبي دُواد بالمأمون ما حدّث به ابن أبي دُواد نفسُه، قال: كنت أحضر مجلسَ القاضي يحيى بن أكثم، مع الفقهاء، فإنّي عنده يوماً إذ جاءه رسولُ المأمون، فقال له: يقول لك أمير المؤمنين: انْتقِلْ إلينا أنت وجميعُ من معك من أصحابك، فلم يحبَّ أن أحضرَ معه، ولم يستطع أن يؤخِّرَني، فحضرت مع القوم، وتكلّمنا بحضرة المأمون، فأقبل المأمون ينظرُ إليَّ إذا شرعت في الكلام، ويتفهَّم ما أقول، ويستحسنه، ثم قال لي: من تكون؟ فانتسبْتُ له، فقال: ما أخَّرك عنّا؟ فكرهت أن أحيلَ على يحيى، فقلت: حَبْسةُ القدر، وبلوغ الكتاب أجلَه، فقال: لا أعلَمَن ما كان لنا من مجلس إلا حضرتَه، فقلت: نعم، يا أمير المؤمنين، ثم اتصل الأمرُ، وقيل: قدم يحيى بن أكثم قاضياً على البصرة من خراسان، من قبل المأمون، في آخر سنة 202 وهو حَدَثٌ، سِنُّه نيفٌ وعشرون سنة، فاستصحب جماعةً من أهل العلم والمروءات،
منهم ابن أبي دُواد، فلمّا قدم المأمون بغداد في سنة 204 قال ليحيى: اختر لي من أصحابِك جماعةً يجالسونني ويكثرون الدخولَ إليّ، فاختار منهم عشرين، فيهم ابن أبي دُواد، فكثروا على المأمون، فقال: اختر منهم، فاختار عشرة فيهم ابن أبي دُواد، ثم قال: اختر منهم، فاختار خمسةً، فيهم ابن أبي دُواد، واتصل أمرُه. . . وكان من وصية المأمون إلى أخيه المعتصم عند الموت: 

وأبو عبد الله أحمد بن أبي دُواد لا يفارقك الشِّرْكة في المشورة في كل أمرك، فإنه موضعُ ذلك، ولا تتّخذنَّ وزيراً، فلما ولي المعتصم، جعل ابن أبي دُواد قاضيَ القضاة مكان يحيى بن أكثم، وكان لا يفعل فِعلاً باطِناً ولا ظاهراً إلا برأيه. . . ولما مات المعتصم وتولى بعده ولده الواثق بالله حسنت حال ابن أبي دُواد، وما زال إلى أن ولِيَ أخوه المتوكل، فأصيب ابن أبي دُواد بالفالج فكانت مدة عظمة ابن أبي دُواد ونفوذه وجاهه نحواً من ثمانٍ وعشرين سنة. . . قال ابن خِلّكان - الذي نعتمد عليه في هذا الباب -: وكان ابن أبي دُواد كثيراً ما يُنشد - ولم يذكر أنهما له أو لغيره -:
ما أنْتَ بالسَّببِ الضَّعيفِ وإنّما ... نُجْحُ الأمورِ بقُوَّةِ الأسْبابِ
فاليومَ حاجَتُنا إليكَ وإنّما ... يُدْعَى الطَّبيبُ لِشِدَّةِ الأوْصابِ
ومن كلامه: ثلاثةٌ ينبغي أن يُبجَّلوا وتُعرفَ أقدارُهم: العلماءُ، وولاةُ العدل، والإخوانُ، فمن استخفَّ بالعلماء أهلكَ دينَه، ومن استخفَّ بالولاةِ أهلكَ دُنياه، ومن استخفَّ بالإخوانِ أهلك مروءتَه، ومن كلامه أيضاً: ليس بكاملٍ مَنْ لم يحمل وليَّه على منبرٍ ولو أنّه حارسٌ، وعدوَّه على جِذْعٍ ولو أنّه وزير وكان بين ابن أبي دُواد وبين الوزير الجبّار محمد بن عبد الملك الزيات، الذي تؤثر عنه هذه الكلمة: الرَّحْمة خَوَرٌ في الطّبيعة - منافساتٌ وشحناء، حتى إن شخصاً كان يصحب ابن أبي دُواد ويختصُّ بقضاء حوائجه، منعَه الوزير المذكورُ من التردّد إليه، فبلغ ذلك ابن أبي دُوادٍ، فجاء إلى الوزير وقال: والله، ما أجيئك متكثّراً بِك من قلّة، ولا متعزّزاً بك من ذِلّة، ولكن أمير المؤمنين رتَّبك مرتبةً أوجبت لقاءَك، فإن لقيناك فلَه، وإن تأخّرنا عنك فلك. . . ثم نهض من عنده. . . قال ابن خلكان: وكان فيه - في ابن أبي دُواد - من المكارم والمحامد ما يستغرق الوصفَ. . . وكان يقال: أكرم من كان في دولةِ بني العباس البرامكةُ ثم ابن أبي دُواد. . . حدث الجاحظ قال: غضب المعتصم على رجلٍ من أهل الجزيرة الفراتية، وأُحضِر السيفُ والنطعُ فقال له المعتصم:
فعلْتَ وصنَعْتَ، وأمر بضربِ عنُقه: فقال له ابن أبي دُواد: يا أميرَ المؤمنين، سبقَ السيفُ العَذَلَ، فتأنَّ في أمره فإنّه مظلوم، قال: فسكن المعتصم قليلاً: قال ابن أبي دُواد: وغمرني البولُ فلم أقدِرْ على حَبْسِه، وعلمت أنّي إن قمتُ قُتِلَ الرجلُ، فجمعت ثيابي تحتي وبُلْتُ فيها، حتى خلّصتُ الرجل قال: فلمّا قمت نظر المعتصمُ إلى ثيابي رطبةً فقال: يا أبا عبد الله، أكان تحتكَ ماءٌ؟ فقلت: لا، يا أمير المؤمنين، ولكنّه كان كذا وكذا! فضحك المعتصم، ودعا لي وقال، أحسنت، باركَ اللهُ عليك، وخلَعَ عليه وأمر له بمائة ألف درهم. . . وقال أبو العيناء: كان الأفشينُ - التركي وكن من أجلِّ قوادِ المعتصم، وأبلى في أمر بابكٍ الخُرَّميِّ بلاءً حَمِدَه له - يحسد أبا دُلَفَ القاسمَ بن عيسى العجلي - وهو كذلك أحد قواد المأمون ثم المعتصم من بعده، وكان تحت إمرة الأفشين في حرب بابك - للعربية والشجاعة فاحتال عليه حتى شهد عليه بجنايةِ قتلٍ، فأخذه ببعض أسبابه، فجلس له وأحضره، وأحضر السيّافَ ليقتلَه، وبلغ ابنَ أبي دُؤاد الخبرُ، فركب من وقته مع من حضر من عُدوله، فدخل على الأفشين، وقد جيء بأبي دُلَفٍ ليُقتل، فوقف، ثم قال: إنّي رسولُ أمير المؤمنين إليك، وقد أمرك أن لا تُحْدِثَ في القاسم بن عيسى حَدثاً حتى تسلِّمَه إليَّ، ثم التفت إلى العُدول وقال: اشهدوا أني أدَّيتُ الرسالةَ إليه عن أمير المؤمنين والقاسم حيٌّ معافًى، فقالوا: قد شهدنا، وخرج، فلم يقدر الأفشين عليه، وسار ابن أبي دُواد إلى المعتصم من وقته، وقال: يا أمير المؤمنين، قد أدَّيت عنك رسالةً لم تقُلْها لي، ما أعتدُّ بعملِ خيرٍ خيراً منها، وإني أرجو لك الجنّة بها، ثم أخبره الخبر، فصوَّب رأيَه، ووجَّه من أحضر القاسم، فأطلقه ووهب له: وعنّف الأفشين فيما عزم عليه. . . ومن مُروءاته: أن المعتصم كان قد اشتدّ غيظُه على محمد بن الجهم البرمكي، فأمر بضرب عُنقِه، فلما رأى ابن أبي دُواد ذلك وأنْ لا حيلةَ له فيه وقد شُدَّ برأسِه وأقيمَ في النّطع وهُزَّ السيفُ قال ابن أبي دُوادٍ للمعتصم: وكيف تأخذ مالَه إذا قتلتَه؟ قال المعتصم: ومن يحول بيني وبينَه؟ قال: يأبى اللهُ تعالى ذلك، ويأباه رسولُ الله صلى الله عليه وسلّم ويأباه عدلُ أميرِ المؤمنين، فإنَّ المالَ للوارثِ إذا قتلتَه حتى تقيمَ البيِّنةَ على ما فعلَه، وأمرُه باستخراجِ ما اختانَه أقربُ عليكَ وهو حيٌّ، فقال: احبِسوه حتّى يُناظرَ، فتأخَّر أمرُه على مالٍ حَمله أي كفله وخلَصَ محمد. . . وقال أبو العيناء: غضب المعتصم على خالد بن يزيد بن مزيد الشيباني، وأشخصه من
ولايته، لعجزٍ لحِقَه في مالٍ طُلِبَ منه، وأسبابٍ غيرِ ذلك، فجلس المعتصم لعقوبتِه، وكان قد طرح نفسه على ابن أبي دُواد، فتكلّم فيه فلَمْ يُجبْه المعتصمُ، فلما جلس لعقوبته حضر ابن أبي دُواد، فجلس دون مجلسه، فقال له المعتصم: يا أبا عبد الله، جلست في غير مجلسِك! فقال له: ما ينبغي أن أجلسَ إلا دونَ مجلسي هذا. . . فقال له: وكيف؟ قال: لأنّ الناس يزعُمون أنّه ليس موضعي موضعَ مَنْ يَشفع في رجل فلا يُشفَّع، قال: فارجع إلى مجلسك، قال: مُشَفّعاً أو غيرَ مُشَفّعٍ؟ فقال: بل مُشَفّعاً، فارتفع إلى مجلسه، ثمّ قال: إن الناس لا يعلمون رضا أمير المؤمنين عنه إن لم يَخلع عليه - فأمر بالخلع عليه، فقال: يا أمير المؤمنين، قد استحقّ هذا وأصحابُه رزقَ ستةِ أشهرٍ لا بدَّ أن يقبضوها، وإن أمرت لهم بها في هذا الوقت قامت مقامَ الصِّلة، قال: قد أمرت لهم بها، فخرج خالد وعليه الخِلع، والمالُ بين يديه، وإن الناس ينتظرون في الطرق الإيقاعَ به، وصاح رجلٌ: الحمد لله على خلاصك يا سيِّد العرب، فقال خالد: اسكت، سيد العرب والله أحمد بن أبي دُواد. . . وقال الواثق يوماً لابن أبي دُواد - تضجُّراً بكثرة حوائجه: قد اختلّت بيوتُ المالِ بطلباتك لِلائذين بك والمتوسّلين إليك! فقال: يا أمير المؤمنين، هي نتائجُ شكرُها متّصلٌ بك، وذخائرُ أجرُها مكتوبٌ لك. وما لي من ذلك إلا أن أخلّدَ المدحَ فيك، فقال: أحسنت.
وبعد فلْنتجزأ بهذا المقدار من مساعي ابن أبي دُواد سيّد العرب وعبقريِّها في النجدة والمروءة والكرم والأريحية والشجاعة الأدبيّة وما لَفّ لِفّ هذه المعاني الكريمة مما انبعثت له قرائح فحول شعراء الإسلام، أمثال أبي تمام، فأنطقتهم بالمأثورِ من الشعر الفخم، وامتدحوا به هذا الرجل العظيم، فقال أبو تمام:
لقد أنْسَتْ مَساوِيَ كلِّ دَهرٍ ... محاسِنُ أحمدَ بْنِ أَبي دُوادِ
وما سافَرْتُ في الآفاقِ إلا ... ومِن جَدْواكَ رَاحِلَتي وزادي
قال علي الرازي: رأيت أبا تمّام عند ابن أبي دُواد ومعه رجلٌ يُنشد عنه قصيدةً منها هذان البيتان، فلما أنشدهما قال ابن أبي دُواد لأبي تمام: هذا المعنى تفرّدت به أم أخذْتَه؟ فقال: هو لي، وقد ألممت فيه بقول أبي نواس:
وإنْ جَرَتِ الألفاظُ مِنَّا بِمِدْحَةٍ ... لغيركَ إنْساناً فأنْتَ الذي نَعْنِي
ومدحه أبو تمام أيضاً بقصيدته التي أوّلها:
أَرَأَيْتَ أَيَّ سوالِفٍ وخُدُودِ ... عَنَّتْ لنا بين اللِّوى وزَرُودِ
وفيها الأبيات الثلاثة البديعة في الحسد:
وإذا أرادَ اللهُ نَشْرَ فضِيلَةٍ ... طُوِيَتْ أتاحَ لها لسانَ حَسودِ
لولا اشْتعالُ النارِ فيما جاوَرَتْ ... ما كانَ يُعْرَفُ طِيبُ عَرْفِ العُودِ
لولا التَّخَوُّفُ لِلعواقِبِ لم تزلْ ... للحاسِدِ النُّعمَى على المحْسُودِ
ودخل أبو تمام عليه يوماً، وقد طالت أيامُه في الوقوف ببابه ولا يصل إليه، ولما وصل قال له ابن أبي دُواد، أحسبك عاتباً يا أبا تمام، فقال أبو تمام: إنّما يُعْتَبُ على واحدٍ وأنت الناسُ جميعاً، فكيف يُعتب عليه! فقال له: من أين لكَ هذا يا أبا تمّام؟ فقال من قول الحاذق - يعني أبا نواس - في الفضل بن الربيع: وليس على اللهِ بِمُسْتَنْكَرٍ ... أَنْ يجمعَ العالَمَ في واحدِ
ولمّا وُلِّي ابنُ أبي دُواد المظالمَ قال أبو تمام قصيدةً يتظلَّم إليه، من جملتها قوله:
إذا أنْتَ ضَيَّعْتَ القَريضَ وأَهْلَهُ ... فلا عجَبٌ إنْ ضَيَّعَتْهُ الأعاجِمُ
فقدْ هَزَّ عِطْفَيْه القريضُ توَقُّعاً ... لِعَدْلِك مُذْ صارتْ إليك المَظالِمُ
ولولا خِلاَلٌ سَنَّهَا الشعرُ ما دَرَى ... بُغاةٌ العُلى مِنْ أين تؤْتَى المَكارِمُ
ومدائح أبي تمام وغير أبي تمام فيه كثيرةٌ متوافرة. . . وقال أبو بكر بنُ دريد: كان ابن أبي دُواد مؤالفاً لأهل الأدب من أيّ بلدٍ كانوا، وكان قد ضمّ منهم جماعةً يعولهم ويموِّنُهم، فلما مات حضر ببابه جماعةٌ منهم وقالوا يُدفن من كان ساقةَ الكرمِ وتاريخَ الأدبِ ولا نتكلم فيه! إنّ هذا وهنٌ وتقصير، فلما طلع سريرُه قام إليه ثلاثةٌ منهم، فقال أحدهم:
اليومَ ماتَ نِظامُ المُلْكِ واللَّسَنِ ... وماتَ من كان يُسْتَعْدَى على الزَّمَنِ 

وأظْلمَتْ سُبُلُ الآدابِ إذْ حُجِبَتْ ... شمْسُ المكارِمِ في غَيْمٍ مِنَ الكَفَنِ
وتقدم الثاني فقال:
تَرَكَ المنابِرَ والسَّريرَ تَواضُعاً ... وله مَنَابرُ لَوْ يَشا وسَريرُ
ولغيره يُجْبَى الخراجُ وإنّما ... تُجْبَى إليْهِ مَحَامِدٌ وأُجُورُ
وتقدم الثالث فقال:
وليس فَتِيقُ المسْكِ رِيحَ خُيُوطِهِ ... ولكنَّهُ ذاك الثناءُ المُخَلَّفُ
وليس صَريرُ النَّعْشِ ما تَسْمَعُونَهُ ... ولكنه أصْلابُ قوْم تَقَصَّفُ
 








مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید