المنشورات

اللئام مولعون بإيذاء الكرام

من أحسنِ ما قيل في شَقاءِ الكرامِ باللئامِ والأخْيارِ بالأشْرارِ قول الشاعر الطِّرمّاح بنِ حكيم - شاعر إسلامي، قال بعض العلماء: لو تقدَّمت أيامُه قليلاً لفُضِّل على الفرزدق وجرير - انظر ترجمته في الأغاني - قال:
لقَدْ زادَني حُبّاً لِنَفسي أنَّني ... بَغيضٌ إلى كلِّ امْرئٍ غيرِ طائلِ
وأنّي شَقيٌّ باللئامِ ولا تَرى ... شَقيّاً بِهمْ إلا كَريمَ الشَّمائِلِ
إذا ما رآني قَطَّعَ الطَّرْفَ بينَه ... وبينيَ فِعْلَ العارِفِ المُتَجاهِلِ
مَلأتُ عليهِ الأرْضَ حتَّى كأنّها ... مِنَ الضِّيقِ في عَيْنَيه كِفَّةُ حابِلِ
أكلُّ امْرئٍ ألفى أباه مُقصِّراً ... مُعادٍ لأهلِ المَكْرُماتِ الأوائِلِ
إذا ذُكِرَتْ مَسْعاةُ والِده اضْطَنى ... ولا يَضْطَني مِنْ شَتْمِ أهْلِ الفَضائِلِ
قوله: لقد زادني. . . البيت يقول: لقد زادني أنني بغيضٌ إلى كل رجلٍ لا فضلَ فيه ولا خيرَ عنده حُبّاً لنفسي، لأن التمايزَ بيني وبينه هو الذي أدّاهُ إلى بُغضي، ولوْ كان بيننا تشاكلٌ لما كان كذلك، فازددتُ بذلك حباً لنفسي، لأني لو كنت مثله لأحبَّني؛ وغير طائل قال الخليل بن أحمد: يقال للشيء الدونِ: هذا غيرُ طائلٍ. . . وقوله: وأني شقي باللئام. . . البيت يقول: وزادني حبا لنفسي أيضاً شقوتي باللئام حتى تنقَّصوني وأصغوا إنائي واغتابوني؛ ثم قال: ولا ترى أحداً يشقى بهم إلا وهو كريم الأخلاق وقوله: إذا ما رآني. . . البيت يقول: إذا أبصرني ارْتدَّ طرْفُه عني وقطع نظره، فِعْلَ مَنْ يعرف الشيءَ ويتكلَّفُ جهله؛ ويقال: ملأتُ عليه الأرضَ إذا ضيَّقْتَها عليه، أمّا إذا قلتَ: ملأت مِنْه الأرضَ فمعناهُ: أنّك قمتَ وقعدتَ بِذكْرِه؛ والحابِل: ناصبُ الحِبالة وهي التي يُصادُ بها، وكِفَّةُ الحابِل: حِبالته التي بها يَصيد، وكلُّ ما اسْتدارَ فَهْوَ كِفَّةٌ: يقول في هذا البيت: قد ضاقَتْ به الأرضُ مِنْ عداوتي فكأنّي مَلأتُها عليه، ويجوز أن يكون المرادُ: أنّه يخافُني في كل مَسْلكً يسلُكُه. . . وفي معنى هذا البيت قول القائل:
كأنَّ فِجاجَ الأرْضِ وهْيَ عَريضَةٌ ... عَلى الخائِفِ المَطلوبِ كِفَّةُ حابِلِ
وقوله: إذا ذُكِرَتْ. . . البيت فالمسعاةُ: السعي، وهو العمل، واضطنى: افتعل من الضَّنى، يقال: ضنى يَضنى: إذا دقَّ وصغُرَ جِسْمُه ومن ثمَّ سمِّيَ المرضُ ضَنىً، لما يورِثُ مِنَ الهُزالِ، يقول إنه يَضنى إذا ذُكرَ صَنيعُ والده، لِقُبْحِه: ومع هذا يشتُمُ أهْلَ الفَضائلِ ولا
يَضْنى من ذلك، يصفه بالقِحَة.
 












مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید