المنشورات
شكوى العلة
وكان مِنْهم من لا يَرى بأساً في شكوى عِلّته، ومنهم من ينكر ذلك فمِمَّنْ شكا عِلَّته أبو نواس إذْ يقول:
دَبَّ فيَّ السَّقامُ سُفلاً وعُلْواً ... وأراني أموتُ عُِضْواً فَعُِضْوا
لَيْسَ يَمْضي مِنْ ساعةٍ بيَ إلا ... نقَّصَتْني بِمَرِّها بي جُزْوا
لَهْفَ نَفْسي عَلى لَيالٍ وأيّا ... مٍ تَمَتَّعْتُهنَّ لِعْباً ولَهْوا
وقالوا: ولا بُدَّ مِنْ شَكوى إذا لمْ يَكُنْ صَبْرُ
ولمّا مَرِضَ بعضُ الصالحين وعاده الناسُ قالوا له: كيف تَجِدُك؟ قال: بِشَرٍّ، قالوا: هذا كلامُ مِثْلك! قال: أجَلْ، إنَّ الله تعالى يقول: {وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً} فالخيرُ الصِّحّة، والشّرُّ المرض. وقالوا: الشكوى تُخفِّفُ الهَمّ وتُزيلُ الألم. . . ولما وجَّه المتوكلُ في السَّنةِ التي قُتل فيها أنْ يُحْملَ إليه الجاحظُ من البصرة قال لمن أراد حَمْلَه: وما يصنع أمير المؤمنين بامْرئٍ ليس بطائلٍ، ذي شِقٍّ مائلٍ، ولُعاب سائلٍ، وفَرْجٍ بائِلٍ، وعَقْلٍ حائلٍ! حائل: متغيّر وحدّثَ المبرِّد قال: دخلت على الجاحظِ في آخر أيّامه فقلت له: كيف أنت؟ فقال: كيف يكون من نِصْفُه مَفلوج لو حُزَّ بالمناشيرِ ما شَعَرَ به، ونِصْفُه الآخرُ مُنَقْرَس لو طار الذُّبابُ بِقُرْبِه لآلمَه، وأشدُّ من ذلك سِتٌّ وتِسعون سنةً أنا فيها، ثم أنشدنا:
أتَرْجو أنْ تكونَ وأنْتَ شيخٌ ... كما قدْ كُنْتَ أيَّامَ الشبابِ
لقدْ كَذَبَتْكَ نَفْسُك، ليْسَ ثوبٌ ... دَريسٌ كَالجديدِ مِنَ الثيابِ
دريس: بالٍ
وقيل لآخر ما تشكو؟ فقال: تمامُ العِدِّة وانْقضاءُ المُدّة. . . وقال بعضهم لمن يشكو: أتشكو
مَنْ يَرْحمُك إلى مَنْ لا يَرْحَمُك! وقيل لسعيدِ بنِ عمرِو بنِ سعيدِ بنِ العاص وهْوَ مريض: إنّ المريضَ يتفرَّجُ إلى الأنينِ وإلى أن يصفَ ما بهِ إلى الطبيب، فقال: أمّا الأنينُ فوَ اللهِ إنّه لجزع ولا يَسْمعُ اللهُ مِنّي أنيناً فأكونَ عِنده جزوعاً، وأمّا الطبيبُ فَوَ اللهِ لا يَحْكمُ غيرُ اللهِ في نفسي، فإنْ شاءَ قبَضَها إليه وإنْ شاءَ منَّ بها عليَّ. . . . .
مصادر و المراجع :
١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع
المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)
الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر
عدد الأجزاء: 2
9 نوفمبر 2024
تعليقات (0)