المنشورات

وصفُ العِلَّةِ بأنّها تنال الأماثِلَ

قال أبو تمام من أبياتٍ في مرض إلياسَ بنِ أسدٍ:
فإنْ يكنْ وَصَبٌ عايَنْتَ سورتَه ... فالوِرْدُ حِلْفٌ لليثِ الغابةِ الأضِمِ
إنَّ الرِّياحَ إذا ما أعْصَفَتْ قَصَفَتْ ... عَيْدانَ نَجْدٍ ولا يَعْبَأنَ بالرَّتَمِ
بناتُ نَعْشٍ ونَعْشٌ لا كُسوفَ لَها ... والشَّمْسُ والبَدْرُ مِنها الدَّهرَ في الرَّقَمِ
قدْ يُنْعِمُ اللهُ بالبَلْوى وإنْ عَظُمَتْ ... ويَبْتلي اللهُ بعضَ القومِ بالنِّعَمِ
الوصب هنا: المَرض، وسورته: شِدّته: والوِرد: الحِمَّى، والأضِم: الغضبان: وعَيْدان (بالفتح) جَمْع عَيدانة وهي: النّخلةُ الطويلة والشجرة الصُّلْبة القديمة. والرَّتَم: نباتٌ من أدقِّ الشجر، وبناتُ نعشٍ كبرى وهي سبعة كواكب أرْبعةٌ مِنها نعشٌ وثلاثُ بنات؛ وصُغرى: وهْيَ مثلها، ومِنها أي من دونها، والرَّقَم: السَّواد، ويعني به الخفاءَ للكسوف والخسوف وقال
البحتري:
وما الكلْبُ مَحْموماً وإنْ طالَ عُمْرُه ... ألا إنَّما الحُمَّى على الأسَدِ الوَرْدِ
قيل للأسد وَرْدٌ لأنّ لونَه أحمرُ يضربُ إلى صُفرة، وفي الحديث الشريف: (مثلُ المؤمنِ مثلُ الخامَةِ من الزَّرع تُفَيِّئها الرّيحُ مرّةً وتَعْدِلُها مَرة، ومثلُ الكافرِ مثلُ الأرْزةِ لا تزالُ حتّى يكونَ انْجِعافُها مرةً واحدة).
الخامة: الزَّرْعُ أول ما ينبت على ساقٍ واحدة، وقيل: السنبلة، وقيل: الطاقة الغَضَّةُ من الزرع، وقيل: الشجرة الغَضَّة الطرية. وتُفيِّئها: تحرّكها وتُميلُها يميناً وشِمالاً، والأرْزة: واحدة الأرْزِ: شجر معتدلٌ صُلْبٌ لا يُحرِّكه هبوبُ الريح يقال له الأرْزة معروفٌ بِلبْنان، وقيل: شجر الصَّنوبر والجمعُ أرْز، وانْجعافها: انْقلاعها. ومعنى الحديث: أنّ المؤمن ينبغي له أن يتلقى المكارة صابراً راجياً الخير من ورائها، وأن يعد نفسه كأوائلِ الزرع تُميله الرياح يَمنةً ويَسرةً، فهو في الدنيا هدفٌ تَنْتضِلُ فيه الرَّزايا، فليس له إلا أن يعتصمَ بالصبر والرضا، وأن يعلم علماً ليس بالظن أن كلَّ ما يُرْزَؤُه من فُقدان مالٍ وولدٍ وما إليهما، وما يصيبه من مرضٍ ووصبٍ، إنما هو مكفِّرٌ لسيئاته رافعٌ لدرجاته؛ أما الكافرُ، أما العِفْرية النِّفْرية، فإنَّ كلَّ همِّه أنْ يستمتعَ بشَهَواتِ الدُّنيا ولذَّاتِها، فإذا رُزِئَ في مالِه وولدِه ونَفْسِه تَسخَّطَ ولمْ يَذْخَرْ لنفسه ما ينفعُه في آجله ومِنْ ثَمَّ يموتُ إذْ يموتُ كما تَنْعَجِفُ شَجَرةُ الأرْزَة وتُجتثُّ من أصْلِها فيَلقى اللهَ بِذُنوبه حالَّة. هذا، ولك أنْ تقولَ: إَّن المَعنى بِسبيل من قولهم: المُؤمنُ مُصابٌ، ومعنى هذا أنّ المؤمن لأنه يتقي اللهَ في سائرِ أسبابه ولا يُقدم على ما حرّم الله، لا تُواتيه الدّنيا كما تواتي من لا يتّقي الله فيعيشَ مَنْ كان هذا شأنه مُرزَّأً وإنْ كان في آخرته من الفائزين. وهذا في الغالب، وإلا فهناك من المؤمنين الصادقين من كان إيمانهم مَدْرَجةً إلى أنْ يعيشوا عيشةً راضيةً يُحسدونَ عليها. وعلى أيّة حال فإنّ المرادَ بمثل هذا الحديث هو تعزية المُصابين في الدنيا من المؤمنين بأنّ الآخرة خيرٌ وأبقى. . . . 







مصادر و المراجع :

١-الذخائر والعبقريات - معجم ثقافي جامع

المؤلف: عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن سيد بن أحمد البرقوقي الأديب المصري (المتوفى: 1363هـ)

الناشر: مكتبة الثقافة الدينية، مصر

عدد الأجزاء: 2

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید