المنشورات

بين الصحافة والتحضر:

وقد قام كثير من العلماء بدراسة العلاقة بين التحضر والفن الصحفي، وتحليل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والحضارية المؤثرة على الصحافة، نذكر منهم على سبيل المثال ريموند نيكسون1، وللبر شرام2، ولازر سفيلد3، غير أن أشهر هؤلاء جميعا دانيل ليرنر4، الذي بدأ دراسة ميدانية في العامين 1950 و1951 بستة دول من منطقة الشرق الأوسط هي: مصر وتركيا وسوريا ولبنان والأردن وإيران. وقد تضمنت هذه الدراسة أجراء مقابلات مع نحو 1600 شخص، لمعرفة أثر تعرض الأفراد للفن الصحفي، وما يترتب عليه من تكوين اتجاهات نفسية معينة.
ويرى ليرنر أن التحضر اتجاه عقلي لا يتحقق إلا في المجتمعات المتطورة. ويقول أن هناك علاقة وثيقة بين التحضر والتعليم والصحافة، فالانتقال إلى المدن يزيد من نسبة المتعلمين، وهذه الأخيرة تعني نسبة عالية ممن يقرءون الصحف، كما أن قراءة الصحف تؤدي إلى فهم أفضل للمجتمع، ومشاركة فعالة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
فالانتقال إلى المجتمع الحضري يأتي في المرحلة الأولى، وفي نطاق المدن تنشأ المدارس والمعاهد، وتمحى الأمية، فيتهيأ الجو لظهور الصحافة، ثم لا يلبث الفن الصحفي نفسه، بما له من قدرة على التبسيط والشرح والتجسيد، أن يضع في متناول الجماهير مفاهيم المجتمع الحديث. فهنا يتعاون المندوب مع المحرر مع المراجع والخطاط والرسام والمصور والمخرج الصحفي لتحويل المعرفة المجردة إلى معلومات مجسدة، والنظريات الأكاديمية إلى معلومات حية، والأفكار العامة إلى موضوعات شيقة جذابة.
ويقول ليرنر أنه حينما تصل نسبة الذين يعيشون في المدن إلى 10% تزداد نسبة المتعلمين بشكل محسوس لأن تطور التعليم بعد ارتفاع نسبة المقيمين في المدن 10% يصبح اقتصاديا. وحين تصل نسبة التعليم إلى 25% تصبح أداة الاتصال في المجتمع هي الصحافة التي تؤثر بدورها على المجتمع وعلى الشخصية الإنسانية التي تتميز بالمرونة والقدرة على التصور أو التقمص الوجداني، وهذه القدرة من أهم مميزات المجتمع المتحضر -في نظر ليرنر.
فالمجتمع التقليدي البدائي يتسم بالجمود والانعزال والتمزق. جماعاته صغيرة، وقراه منعزلة، أجزاؤه متباعدة، أفراده بسطاء، وإدراكهم محدود. فهم لا يصلون إلى المعرفة إلا عن طريق التجربة المباشرة الملموسة. ولا يتصورون الانتماء إلى أمة كبيرة، وإنما يحسون بالانتماء إلى الأسرة أو القبيلة أو القرية.
والصحافة كقوة حضارية، تخلق هذه الشخصية الجديدة المرنة، القادرة على التخيل والتحرك الوجداني، ولا تلبث هذه الشخصية أن تصبح دليلا على التطور والتقدم. ولا شك أن الفن الصحفي هو فن بصري بالدرجة الأولى؛ لأنه فن قائم على قراءة الكلمة المطبوعة ومشاهدة العناوين والصور والألوان والإعلانات، ولا يمكن للأميين أن يشاركوا في حضارة القن الصحفي، ولكن التحضر والتعليم يهيئان الفرصة لظهور الصحافة، التي تعمل على نشر المعلومات بين كافة الناس.
وهناك معامل ارتباط إيجابي مرتفع بين التعليم وارتفاع توزيع الصحف اليومية كما يتضح من الجدول التالي:
ففي حين لا تحتاج مشاهدة الفيلم السينمائي إلى نسبة عالية من المتعلمين، نجد أن الصحافة تحتاج إلى نسبة عالية من المتعلمين، كما أن هناك معامل ارتباط إيجابي مرتفع بين التحضر والصحافة. والحقيقة أن الصحافة تعمل كقوة دافعة لزيادة التمثيل الشعبي والمشاركة السياسية، والمساهمة الاقتصادية، والوحدة الفكرية، والإحساس بالانتماء إلى الأمة، وخلق الرأي العام، على أنه ينبغي أن نؤكد العلاقة المتبادلة بين الصحافة والتحضر فكلاهما مؤثر في الآخر ومتأثر به. 









مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید