المنشورات
الفن الصحفي في فرنسا:
وفي فرنسا أيضا، بدأت الصحافة رسمية حكومية. وسواء كانت صحيفة الجازيت5 التي أصدرها رينودو6 في 30 مايو سنة 1631 هي الصحيفة الأولى في فرنسا، أو أن هناك صحيفة أخرى صدرت في نفس العام، فإن الصحافة قد صدرت رسمية في فرنسا، وظلت خلال القرن السابع عشر خاضعة لرقابة شديدة من الحكومة والملك بما في ذلك صحيفة جورنال دي سافان1 العلمية الأدبية، وميركور2 الأدبية الاجتماعية.
وجدير بالذكر أن عدد الصحف التي تخصصت في الأدب كان كثيرا. كما أن طريقة التشويق في القصص، والنشر على هيئة مسلسلات في الأعداد المتتالية، كانت من الأفكار الجديدة، ولكن الظروف لم تكن قد تهيأت بعد لظهور الفن الصحفي الحديث، وخاصة بعد سقوط الصحف في أيدي الأحزاب المتطاحنة. فقد كانت الصحف اليمينية واليسارية على السواء تصطنع الهجوم الشديد، كما أخذت بعض الصحف تمجد في أعمال العنف والإرهاب وخاصة خلال عامي 1790 و1791.
غير أن اتجاهات الأدباء والفلاسفة في الكتابة الفلسفية المجردة، وكذلك المشاحنات الدينية والسياسية، لم توفر الجو المطلوب للفن الصحفي الحديث. وهنا أيضا يبرز الفرق بين الصحافة والفن الصحفي. فالمجادلات النظرية، فالمجادلات النظرية والمشاحنات الدينية، والصراعات السياسية، والفلسفات المجردة، كانت أبعد ما تكون عن نفوس الفراء.
ثم اقترن تطور الصحافة بظهور أول جريدة زهيدة الثمن كما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك عندما أصدر إميل دي جيراردان3 أول صحيفة من هذا النوع اسمها لابرس4 وذلك في أول يوليو سنة 1836، كما صدرت في نفس اليوم صحيفة لوسيكل5 زهيدة الثمن أيضا. والحقيقة أنه في سنة 1836 كانت في مدينة باريس نحو عشرين جريدة تطبع كل منها 70.000 نسخة، وبعد عشر سنوات بلغ عددها ستا وعشرين صحيفة وبلغ عدد مشتركيها 180.000 مشتركا.
وكما سقطت الصحافة الأمريكية في وهدة العنف والجنس والإثارة، فيما يسمى بالصحافة الصفراء، سقطت الصحافة الفرنسية أيضا إلى نفس الدرك بصدور صحيفة "لو بيتي جورنال"1 في أول فبراير سنة 1863، وقد كان صاحبها ميللو2 يبيعها بخمس سنتيمات فقط ولكنها كانت مليئة بالأخبار التافهة، وخاصة أخبار الجريمة والحوادث الدامية. والغريب أن حكام فرنسا كانوا يرحبون بهذه الاتجاه، على أنه خير طريقة لتحويل أنظار الناس عن الأمور السياسية والاقتصادية.
والحقيقة أن عصر ازدهار الفن الصحفي في فرنسا يقع في عهد الجمهورية الثالثة وهي التي استمرت حوالي 44 عاما من بعد حرب سنة 1870 إلى بداية الحرب العالمية الأولى. وقد ساعد على ميلاد الفن الصحفي وازدهاره ظاهرة التحضر التي سبق الإشارة إليها، ونعني بها التقدم الصناعي الذي جذب عددا هائلا من سكان الريف إلى المدن، وتحسن طرق النقل والمواصلات نتيجة لتقدم الصناعة واختراع التلغراف والتليفون، وتطور صناعة مواد الطباعة من حروف وكليشهات، واختراع آلة الطباعة البخارية بفضل كونيج الإنجليزي، وبدء استخدام الليونوتيب والروتاتيف أي الطباعة الدوارة. وذلك فضلا عن زيادة عدد القراء نتيجة لظهور الصحيفة زهيدة الثمن، وانتشار الإعلانات وزيادتها.
غير أن التعليم كان قوة دافعة للفن الصحفي، فانتشار التعليم الابتدائي في تلك الحقبة قد ضاعف عدد قراء الصحف، كما تضاعف عدد الناخبين وزاد اهتمامهم بأداء الواجبات المدنية والوطنية ومتابعة الأخبار الصحفية. يضاف إلى ذلك أن التوسع الاستعماري لفرنسا في تلك الفترة، قد ألهب حاسة الفضول عند الجماهير، وحمل الصحف المسئولية إشباع تلك الحاسة. وفي بداية القرن العشرين بلغ عدد الصحف الصادر في فرنسا نحو 6000 صحيفة.
غير أن ظهور الاحتكارات الكبرى ما لبث أن خفض عدد هذه الصحف تخفيضا هائلا. فامتكلت وكالة هافاس خمس صحف، أما وكالة هاشيت فقد كانت قبل الحرب تقوم بتوزيع الصحف بصفة احتكارية، كما تقوم بذلك حتى الآن.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)