المنشورات
الصحافة في العالم العربي:
وإذا انتقلنا إلى العالم العربي وجدنا نفس التطور الذي يبدأ بالصحافة الرسمية، ثم الحزبية، ثم الصحافة التي تحاول الاستقلال، كما تظهر الصحافة الصفراء في بعض البلاد العربية، وتبدو ظاهرة التكتلات الصحفية أيضا، ولكن بصورة مخففة وغير حادة وأقل كثيرا مما هي في البلاد الرأسمالية الغربية، كما تظهر إجراءات التنظيم الاشتراكي فيما بعد كمحاولة للقضاء على الفوضى والاستغلال والانحراف.
فأول صحيفة مصرية باللغة العربية كانت صحيفة الوقائع المصرية التي صدرت سنة 1828 في القاهرة. وفي دمشق صدرت صحيفة "سورية" سنة 1865 وكانت رسمية مثل صحيفة "غدير الفرات" التي صدرت سنة 1867 في حلب. وكان أول صحيفة تصدر في بغداد سنة 1869 هي "الزوراء" الرسمية وكذلك صحيفة "الموصل" سنة 1885. وفي الحجاز كانت صحيفة "القبلة" الصادرة سنة 1924 صحيفة رسمية. وكذلك كانت صحف "الغازيتة" السودانية" الصادرة سنة 1899، و"الرائد التونسي" الصادرة سنة 1860، و"المغرب" الصادرة سنة 1899، كلها رسمية.
والحقيقة أن الحملة الفرنسية على مصر هي التي أصدرت أول صحيفتين في العالم العربي باللغة الفرنسية وهما بريد مصر1 والعشرية المصرية2. وكانت الأولى للجيش الفرنسي وأفراده المنتشرين في جميع أنحاء البلاد. أما الثانية فكانت صحيفة علمية لدراسة شئون مصر الاجتماعية والاقتصادية وهي صحيفة المجمع العلمي. وقد حاول الجنرال مينو إصدار صحيفة عربية اسمها التنبيه وذلك سنة 1800 برئاسة الشيخ الخشاب، ولكن هذا المشروع لم يتحقق.
وفي سنة 1813، أصدر محمد علي قراراته الإدارية بتقسيم البلاد إلى مديريات وأقسام، وأصدر بعد ذلك تقريرا دوريا اسمه "الجرنال" يحتوي على معلومات دقيقة عن حساب الأقاليم، وشئونها الإدارية. غير أن هذا "الجرنال" كان محدود التوزيع بمائة نسخة، فكانت الصحيفة المصرية الحقيقية الأولى هي صحيفة "الوقائع المصرية" التي صدرت في 3 سبتمبر سنة 1828، التي لا تزال تصدر رسمية حتى يومنا هذا.
وفي عهد إبراهيم صدرت صحيفة رسمية أيضا "حيث استنسب عندنا في هذه الدفعة ترتيب جرنال يحتوي على الإعلانات الملكية والأخبار التجارية لأجل الحصول على الفوايد العمومية، واستصوب أن يرسل لكل من كافة البنادر والقرى صورته الآتي نظيرها أدناه ليحصل لكل أحد فايدة من الجرنال المذكور، وبما أن الحصول على ذلك كما يجب فهو منوط لإرسال الإفادات والكشوف والإعلانات المقتضى جلبها لديوان المدارس جمعة بجمعة
ددون توقف1 ولذلك أطلق على هذه الصحيفة الجديدة اسم "الجرنال الجمعي".
وفي عصر إسماعيل صدرت صحيفتان رسميتان إلى جانب "الوقائع المصرية". فما وافت سنة 1865 حتى صدرت "يعسوب الطب" التي أشرف عليها محمد علي باشا الحكيم وكانت أول مجلة طبية في الشرق، "والجريدة العسكرية". التي عنيت بالمعارف والثقافة العامة إلى جانب عنايتها بالشئون العسكرية. وحتى مجلة "روضة المدارس" التي أنشأها علي باشا مبارك سنة 1870 بعد إنشاء مدرسة الهندسة ومدرسة الحقوق وبعض المدارس الصناعية والتجارية والزراعية، كانت رسمية أيضا.
ثم بدأت الصحافة الشعبية في الصدور سنة 1866، وهي نفس السنة التي شهدت مجلس شورى النواب الذي أنشأه إسماعيل، وكذلك جريدة وادي النيل التي أوعز بإصدارها أيضا لعبد الله أبي السعود. وعندما احتل الإنجليز مصر، أوعز المنوب السامي البريطاني إلى أصحاب المقتطف أن ينشئوا صحيفة يومية سياسية، تعبر عن المصالح البريطانية كما كانت الأهرام تعبر عن المصالح الفرنسية. فتقدم يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس إلى إدارة المطبوعات في 18 أبريل سنة 1888 يرجون الترخيص لهم بإنشاء جريدة المقطم.
وفي نهاية القرن التاسع رأى الخديو عباس الثاني أنه من الضروري كسب تأييد الرأي العام المصري، والوقوف في وجه المعتمد البريطاني، والرد على مفتريات الصحف الإنجليزية والفرنسية، وصدور جريدة المؤيد في أول ديسمبر سنة 1889 لصاحبها الشيخ علي يوسف للتعبير عن مصالح المصريين عامة، وصالح الخديو خاصة، ولتكون المتحدثة بلسان حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية.
وفي مستهل هذا القرن نجد أن الأحزاب القديمة والجمعيات السرية التي تكونت في القرن التاسع عشر، قد أصبحت أحزابا علنية قوية تامة التنظيم فتكون الحزب الوطني بزعامة مصطفى كامل سنة 1906، كما ظهر حزبان آخران هما حزب الأمة الذي كان يوجهه أحمد لطفي السيد، وحزب الإصلاح على المبادئ الدستورية الذي سبقت الإشارة إليه.
ولم تكن الأحزاب تصدر صحفا إخبارية فحسب، وإنما كانت تدافع عن قضية البلاد. فيمكن القول أن صحف الأحزاب الأولى كاللواء والعلم لسان حال الحزب الوطني، والمؤيد لسان حال حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية، والجريدة لسان حال حزب الأمة -كانت في الحقيقة نشرات يومية إعلامية لتوجيه الشعب إلى طريق الحرية، كل منها بالطريقة التي آمنت بها.
ثم تكونت أحزاب أخرى، كان لكل منها صحيفة أو عدة صحف: فلحزب الوفد صحف البلاغ، وكوكب الشرق، والمصري، والوفد المصري، وصوت الأمة، والنداء والجريدة المسائية وغيرها. وكان لحزب الأحرار الدستوريين صحيفة السياسة التي أصدرها محمد حسين هيكل في 30 أكتوبر سنة 1922، وهي من أنضح الصحف المصرية من حيث الأخبار والدراسات. وعن جريدة السياسة تؤثر حركات التجديد لتحرير المرأة، والنقد البرلماني والدراسات الأدبية والاجتماعية التي كان يقوم بها طه حسين ومحمود عزمي وغيرهما.
ثم تألف حزب جديد عقب مقتل السردار في سنة 1924، هو حزب الاتحاد وأنشأ له صحيفة الاتحاد التي لم يؤثر عنها فضل يذكر، ثم وجد حزب الشعب في سنة 1930، وأصدر صحيفة خاملة الذكر هي الأخرى، عرفت باسم الشعب. وتكونت أحزاب عديدة كحزب الكتلة الوفدية الذي أصدر صحيفة الكتلة ورأس تحريرها رئيس هذه الكتلة المنشقة على الوفد وهو مكرم عبيد، كما أصدر الحزب السعدي المنشق على الوفد أيضا صحيفتين هما الدستور والأساس.
ومن الواضح أن المصريين في هذه الفترة قد تفرقوا أحزابا متنافرة، وشيعا متنابذة. فبعد أن كانوا متكتلين جميعا كالبنيان المرصوص في كفاحهم الشعبي الرائع ضد الاستعمار سنة 1919، نجد أن الدستور الصادر سنة 1923 قد ألهاهم عن قضية البلاد الكبرى وهي الاستقلال. وهكذا تنابذ الحكام، وتراشقوا بالسباب والشتائم في خطب ألقوها وكتب أصدروها، ومقالات نشروها في صحفهم على الناس.
وفي غمرة السعي للوصول إلى دست الحكم نسيت القضية العظمى للبلاد وهي الاستقلال، وتدهورت صحف الرأي التي كانت تعبر عن قضية مصر، وانحرفت أجهزة التعبير منزلقة في تيار من اللؤم والخبث والخداع فلم تعد هذه الصحف لسان حال الشعب، وإنما أضحت تعبيرا بغيضا عن الأطماع، وكان الاستعمار يشجع هذه التيارات بالمال والأخبار والشائعات. وذلك مسخا للحركة الوطنية، وإمعانا في صرف النظر عن الأهداف السامية.
غير أنه في خلال الحرب العالمية الثانية، أخذ المصريون يتنبهون إلى أهمية الصحافة وفنونها الحديثة. وكانت صحيفة المصري قد أخذت بأسباب النهضة الصحيفة الشاملة وبعثت مراسليها إلى الخارج، وتقدمت في فنون الإخراج والتصوير. وقامت بعض المجلات المصرية، كالمصور وروزاليوسف، بفضح نظم الجيش البالية، وإزاحة الستار عن أسرار الأسلحة الفاسدة. وجاءت هزيمة العرب في حرب فلسطين هزة عنيفة دفعت الصحافة إلى النقد والنقد الذاتي، والاستقصاء والبحث. وقد جاء في مذكرة وزارة الإرشاد القومي المرفوعة إلى مجلس قيادة الثورة في 15 أبريل سنة 1954 ما يلي: "يتبين من مراجعة كشوف المصاريف السرية، أن صحفا حاولت أن تظهر أمام الرأي العام بمظهر الصحافة الوطنية ذات الرأي والعقيدة، وهي في الواقع صحف كانت تتقاضى ثمن آرائها من المصروفات السرية، فكانت أسماء الصحف الحزبية تظهر في كشوف المصاريف السرية، وتختفي مع الوزارات الحزبية وكان البعض الآخر مما يبدو أنه مستقل أو معارض، يتلقى من فيض المصاريف السرية في كل العهود أو أكثرها، ويؤدي الثمن كتابات ظاهرها الوطنية والحماسة للنقد بغير ثمن.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)