المنشورات
الوظيفة الأخبارية أو الإعلامية:
ولكن الحقيقة أن وظيفة الأخبار من الوظائف الأساسية التي لا يمكن للصحافة أن تقوم لها قائمة بدونها. فأظهر صفة من صفات الإنسان الاجتماعية هي حب الاستطلاع لمعرفة الأنباء والاطمئنان إلى البيئة. ومن الثابت أن رغبات الفرد الأولية وحاجاته إلى الطعام والمأوى والجنس ترتبط برغبات أخرى اجتماعية كالتعرف إلى الأشخاص الآخرين، واختبار البيئة، وجمع المعلومات المفيدة عن الطبيعة والإنسان والحيوان. وهذه هي أهم سمة من سمات الإنسانية التي تساعد الفرد على التكيف مع البيئة والانسجام مع غيره من الناس الذين يعيشون معه؛ لأن هذا التكيف هو الدليل على الصحة النفسية والسلامة الاجتماعية.
ولا شك أن المجتمع البدائي يحمل في طياته بذور وظيفة المخبر الصحفي فمن الثابت أن الإنسان البدائي كان يحكي للداته أخبار مغامراته في الصيد، ويروي لأقرانه أنباء انتصاراته وخبراته المختلفة في الحرب والدفاع عن النفس. وهناك وثائق تاريخية منها ما هو محفور في كهوف الإنسان البدائي القديم، ومنها ما هو منقوش على جدران المعابد، كتلك التي كان يأمر بها الملك رمسيس الثاني أن تدون على حوائط المعابد بعد كل معركة ينتصر فيها، ومنها ما هو مدون على أوراق البردي.
وقد اكتشف فلندرز بترى1 أوراق بردي مصرية يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وتتضح فيها الحاسة الصحفية لإثارة الميول عند القراء، وجذب انتباههم وتحريك الشوق فيهم. ومن الوثائق الهامة في وسائل الإعلام لائحة منقوشة على واجهة معبد هيبيس تضمنت القانون الذي يجب أن يرعاه الحاكم والمحكوم ضمانا لحسن سير العدالة وأيضا لقواعد جباية الأموال وإنذارا بالعقاب عن الجرائم المتفشية وأهمها الرشوة والبلاغ الكاذب.
ولعل الصورة الأولى لإذاعة الأخبار منسوخة باليد في أوروبا قد عرفت عند الرومان فيما كان يعلق من تعليمات رسمية بشكل نشرات حكومية تبقى معلقة طول اليوم في الميادين الهامة لتبين للناس ما يجري من أحداث. ولما كانت هذه النشرات المنسوخة تصور يوميا فقد سميت بالوقائع اليومية2 كما سمي كتابها بالوقائعيين3. ويبدو أن هذه الوقائع الرسمية المنسوخة التي أخذت تنتشر في روما على عهد يوليوس قيصر سنة 59 قبل الميلاد كان يمكن الحصول على نسخ منها لقراءتها في البيوت بعيدا عن الميادين العامة التي كانت تلصق فيها هذه النشرات عند مفترق الطرق. فقد أشار جيوفينال إلى أن سيدة كانت تمضي الصباح في قراءة الصحيفة في بيتها4.
واستغل يوليوس قيصر الوقائع الرسمية في تسجيل نشاط مجلس الشيوخ وعرض أعمال أعضائه وأقوالهم على الجمهور. وقد أراد يوليوس قيصر بهذا العمل أن يسلط الأضواء على تصرفات أعضاء المجلس حتى يسلكوا سبيلا يليق بهم ويتناسب مع النشر والإذاعة على الناس، وبهذه الطريقة يحرز المحسن ثناءه ويلقى المسيء جزاءه. وما لبثت الوقائع الرسمية الرومانية أن أصبحت سجلا حافلا بأخبار المحاكم والحروب وأنباء الزواج والوفيات والمواليد والطلاق والقتل والجريمة. كما اهتمت برواية الغرائب والعجائب والشذوذ.
ومع أن الصين قد عرفت الصحافة المطبوعة في القرن السابع الميلادي على عهد أسرة تانج5، فلم تظهر الصحافة في أوروبا إلا في القرن السادس عشر ولم يبدأ انتشارها إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)