المنشورات
الإعلان والصحافة:
وأول إعلان ينشر في الصحافة التي صدرت في مصر كان قد ظهر في صحيفة "البريد المصري"1 لتحديد ثمن النسخة منها وشروط الاشتراك بها. ثم نشرت هذه الصحيفة في العدد التاسع منها إعلانا حكوميا عن إنشاء مصلحة التسجيل. ومع ذلك فإن هذين الإعلانين لم يأخذا طابع الإعلان التجاري ولكن ظهرت الإعلانات كثيرة بعد ذلك تعلن عن مصانع المشروبات الروحية والمكرونة والحمامات العامة، وعن بيع ممتلكات ضابط فرنسي سوف يغادر البلاد. ولكن هذه الإعلانات بدأت تنكمش بتحرج مركز الحملة الفرنسية حتى أصبحت الإعلانات مقصورة على ما تنشره الحكومة من بيانات وأوامر2. وينبغي أن نفرق بين الإعلان الحكومي الرسمي والإعلان التجاري، وهنا نجد مرة أخرى أن الإعلان الرسمي يسبق الإعلان التجاري، كما سبق القول.
وقد ظل الإعلان الحكومي مسيطرا على الصحافة، فكانت مصلحة السكك الحديدية تنشر إعلانات تتعلق بالقوانين والتنبيهات التي تخص السكك الحديدية، ثم أخذت المتاجر، وخاصة متاجر الأجانب، تعلن عن سلعها، وبدأت الأهرام تنشر كثيرا من إعلانات الأطباء وناشري الكتب الأوروبية والعربية والمسارح والملاهي والإعلانات القضائية.
وبعد الحرب العالمية الأولى بدأت المصانع والبنوك وشركات النقل والتأمين في الإعلان، وكان معظمها مملوكا للأجانب. ولعبت المنافسة بين هذه الوحدات الاقتصادية دورا فعالا في تنشيط الحركة الإعلانية، وكانت الصحف حديثة العهد بالإيراد الضخم الذي تحققه من الإعلان، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى مهاجمة بعض الصحف للشركات التي كانت تعلن في صحف أخرى منافسة. ولم تكن مهنة الإعلان في ذلك الحين تحكمها قوانين واضحة فيما يختص بعلاقة المعلنين بوسائل النشر أو بتقاليد المهنة وكرامتها. وفي نفس الوقت اتجهت الصحافة الحزبية إلى الهجوم في مقالاتها من أجل ابتزاز الأموال والإعلانات من الحكومة والأحزاب والهيئات في داخل البلاد وخارجها.
وقد فطنت الصحف بعد ذلك وفي مرحلة الاستقلال التي تأتي -كما سبق القول بعد مرحلة الصحافة الرسمية ومرحلة الصحافة الحزبية- إلى أن الاستقلال الحقيقي إنما يتوقف على الأرباح التي تغطي تكاليف الإنتاج. ولما كان من النادر أن تكفي إيرادات التوزيع لسداد النفقات والتكاليف اللازمة لإصدار الصحيفة، فقد صار الإعلان مصدرا حيويا من مصادر إيراد الصحيفة، بل وشريان حياتها الأصلي والرئيسي لسد عجز إيراداتها، وذلك بدلا من الاعتماد على الحكومة أو الأحزاب السياسية أو المصروفات السرية لسد عجز الإيرادات.
والواقع أنه منذ بداية القرن العشرين، أخذ الإعلان يلعب دورا هاما في حياة الصحف نتيجة لما أحرزه من تقدم كبير، ومجاراة لما طرأ على الحياة الاقتصادية من ازدياد في الإنتاج وارتفاع في الاستهلاك، وما صاحبها من رواج تجاري عظيم. والمعروف أن تكاليف إصدار النسخة الواحدة من الصحف اليومية يبلغ نحو أربعة أو خمسة أمثال الثمن الذي يباع به، ويغطي إيراد الإعلان ذلك الفرق بين التكاليف الحقيقية، وثمن البيع.
وتعتبر الصحف من أقوى وسائل الإعلان؛ نظرا لتنوع مستويات الصحف فهناك الصحف الراقية، وهناك الصحف الشعبية، وهناك صحف الطبقات الوسطى. وحتى في المجتمعات الاشتراكية الحديثة مثل مجتمعنا، نجد أن هناك فرقا بين الأهرام والأخبار مثلا. فالأهرام يقرؤها جمهور كبير من أهل المدن، ومن كبار السن نسبيا، في حين أن الأخبار تنتشر في الأقاليم وبين الشباب. فالأهرام تجتذب الإعلان في العقارات والمزادات والعمارات والآلات الكهربائية والطبية والإعلانات الاجتماعية والوفيات، في حين تجتذب الأخبار الإعلان عن الأسمدة والآلات الزراعية والوظائف الخالية ودور السينما والأفلام والكتب والقصص.
وتتمتع الصحافة بخاصية نفسية فريدة، فهي وسيلة الإعلام الوحيدة التي يدفع فيها القارئ ثمن اطلاعه على مادتها المقروءة، ويقوم بدفع هذا الثمن بدافع من رغبته وحدها، وكثيرا ما يستجيب للإعلان الصحفي لأنه يطرق تفكيره، وهو في حالة نفسية طيبة ومتأهب للعمل، في حين أن الإعلان الإذاعي أو التليفزيوني أو السينمائي أو إعلان الملصقات، تطرق ذهنه أثناء الاسترخاء. كما أن الصحافة الجيدة تنشر إعلانات متخصصة في الصفحات المناسبة لها، كصفحة المرأة وإعلانات الأثرياء وأدوات التجميل، وصفحة الشباب وإعلانات الملابس الرياضية وهكذا.
وقد رأينا أن أهم خصائص الصحافة هي: الحالية والدورية والمرونة والتنوع، ولا شك أن الإعلان الصحفي يستغل هذه الخصائص استغلالا مفيدا. وإذا كانت الجرائد تعجز أحيانا عن إتقان الإخراج لسرعة صدورها، كما أن جماهير الجريدة متسعة وعريضة، فضلا عن قصر عمرها، فإن المجلة تتلافى هذه العيوب؛ لأن المجلة تمتاز بالإخراج المتقن والطباعة الفاخرة، كما أن قراءها من فئات معينة كالشباب والنساء والمثقفين وغيرهم، فضلا عن أن المجلة تدوم وقتا أطول من الجريدة بطبيعة الحال.
وتنقسم الإعلانات الصحفية إلى إعلانات عامة، تمتاز بحجمها الكبير وألوانها الجذابة الزاهية، وحروفها الواضحة، وإعلانات مبوبة أو إخبارية، تعتمد على الانتباه الإرادي الموجه إليها عمدا، وإعلانات اجتماعية تنشر معلومات عن الزواج والمواليد والنجاح والأسفار وغير ذلك، ثم إعلانات قضائية تحتم القوانين نشرها في الصحف وتنظم اللوائح أساليب النشر وعدد مراته.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)