المنشورات
فن الإعلان الصحفي:
وفن الإعلان الصحفي يقوم على الكتابة الإعلانية التي تهدف إلى التأثير في نفس القارئ. وعلى المحرر الإعلاني أن يكتشف الفكرة التي سوف يتحدث عنها في الإعلان باحثا عن مزايا السعلة المعلن عنها وطرق أدائها لوظيفتها وأفضليتها على منافساتها، والأسلوب الإعلاني قد يكون منطقيا، ولكن أغلب الإعلانات ترتكز على استغلال الدوافع النفسية وتستخدم الأسلوب الوجداني.
ولما كانت عملية الشراء هي عملية نفسية -أساسا- فإن المعلن يستخدم فنون جذب الانتباه، وإثارة الاهتمام، وخلق الرغبة، والإقناع بسلامة الشراء، وذلك بغية دفع القارئ إلى التنفيذ. فليس غريبا أن ينقسم الإعلان إلى عنوان رئيسي لجذب الانتباه، وعنوان فرعي أو ثانوي لاستثارة الاهتمام، ثم يأخذ الإعلان بيد القارئ للاطلاع على بعض البيانات التي تتصل برغبات القارئ وأفكاره، ثم يبين فوائد السلعة وكيف توفر على صاحبها الوقت والجهد والمال -كالغسالات والثلاجات والمكانس وغيرها- وتأتي الخطوة الأخيرة لتحديد مكان البيع وسعره. وفي كل ذلك يعتمد فن الإعلان، على الفن الصحفي القائم على التبسيط والتحديد، وإثارة الانتباه، والاختصار، وسلاسة العبارة وسهولتها.
غير أن فن الإعلان الصحفي هو مزيج من الكلمة والصورة، والعنوان والرسم واللون، وهذه جميعا تتضافر بطريقة فعالة لإبلاغ الرسالة الإعلامية إلى القارئ. ولا تنبت الإعلانات الجذابة المبتكرة من تلقاء نفسها، ولكنها في واقع الأمر نتيجة تفكير عميق، وتصميم دقيق. وهي أشبه بعمل المهندس المعماري الذي يبدأ بعمل تصميم عام للعمارة التي ينوي إقامتها ثم يأخذ في رسم تفاصيلها قطعة قطعة، حتى تصبح عملا فنيا متكاملا. فيبدأ إنتاج الإعلان بمرحلة التصميم والتفكير، ثم تأتي مرحلة إعداد الرسوم والصور. وفي المرحلتين يتضافر المحرر مع الفنان لإخراج إعلان جيد. وفي جميع الأحوال يلعب التجسيم دورا رئيسيا في الإبراز والتشويق، ولا بأس من الاستعانة بالرسوم البيانية، والصور الكاريكاتورية؛ لأنها من المعينات الأساسية للكلمة المطبوعة في الفن الصحفي.
ومع أن للإعلان دوره في تسويق السلع والخدمات، فقد تعرض لهجوم شديد يوجه إليه.. فيقال مثلا إنك إذا صنعت مصيدة أفضل للفئران فإن العالم سوف يشق دربا إلى بابك، فالإنتاج الجيد يؤثر دون حاجة إلى إعلان. وبالرغم من أن عالم الاقتصاد الأمريكي المشهور الفريد مارشال1 لم يجد مكانا للإعلان في نظريته الاقتصادية إلا أنه اعترف بوجوده في العمل الصناعي والنقابي، وهو هنا يفرق بين الإعلانات البناءة التي تستخدم في تقديم المعلومات، والإعلانات الشرسة التي تحاول أن تقضي على المنافسين. وهو يرى أن الإعلانات القتالية مدمرة اجتماعيا.
ويعاب على الإعلان بأنه فاقد اقتصادي، وأنه يؤكد على الماديات، ويخلق شعورا بعدم الرضاء. وفي ذلك يقول أحد النقاد: "إنك تشتري أشياء لا تحتاجها بنقود لم تحصل عليها، محاولا أن تقلد أناسا لا تحبهم" ولعله يشير إلى إعلانات البيع بالتقسيط التي تحقق إشباعا ماديا دون هدف اجتماعي أو أيديولوجي. بل إن بعض النقاد يرون أن الإعلان يخلق حاجات زائفة غير حقيقية. ولعل المآخذ التي يأخذها البعض على تردي الذوق الفني، وإفساد الذوق العام للشعب، تعبر عن الاستياء من الاستخدام الرديء للأسلوب الصحفي، والهبوط به -في أيدي الأدعياء والدخلاء على المهنة- إلى درك يوصف بالغفلة والسذاجة. غير أن أعنف ما وجه إلى الإعلان هو أنه يمكن الاحتكارات السياسية والتجارية من السيطرة على الصحف، وجعلها أبواقا لها. ولعل التسلط الصهيوني على الصحافة العالمية من أنصع الأدلة على هذا الخطر.
غير أن مؤيدي الإعلان الصحفي يؤكدون أن الإعلان يزيد الطلب على السلع، عن طريق أخبار المستهلكين بوجود السلعة ومميزاتها واستعمالاتها، ولولا ذلك لما أمكن التوزيع على نطاق واسع أو الإنتاج على نطاق واسع أيضا. أما من حيث تكاليف التوزيع والتي يوفر الإعلان جزءا منها، فيأتي عن طريق تخفيض العمولة التي يتقاضاها تجار الجملة؛ لأن السلع المعلن عنها أسهل في بيعها وأسرع من السلع غير المعلن عنها، ولو لم يستخدم الإعلان في بيع السلع لاستلزم ذلك استخدام مئات بل ألوف من مندوبي اليبع للقيام بمهمة التوزيع. فإذا قارنا بين نصيب الوحدة المباعة في تكاليف الإنتاج، ونصيبها في تكاليف مندوبي البيع لوجدنا أن نصيبها في الحالة الأولى أقل بكثير منه في الحالة الثانية. هذا إلى جانب سرعة عملية البيع في الحالة الأولى وبطئها في الثانية.
ويلعب الإعلان دورا في النشاط الاقتصادي إذ إنه يقرب بين المنتجين والموزعين والمستهلكين. وله طائفه الإرشادية والإخبارية الهامة التي تشرح للجمهور مدى توفر السلع وكيفية الحصول عليها، وشروط شرائها، إلى جانب وظيفته التعليمية التي تهدف إلى تعريف الجمهور بحاجاته إلى السلع وكيفية استعمالها، ووظيفته التذكيرية التي تجعل السلع المنتجة عالقة بذاكرة الجمهور، وتبرز إلى عقله الواعي كلما أحس بحاجة تشبعها تلك السلع، ووظيفته الإعلانية التي تحيط الجماهير بالحقائق عن المنشآت والأجهزة التي تعمل في خدمتها. ومن هنا كان الإعلان ضرورة اقتصادية واجتماعية، حتى في المجتمعات الاشتراكية. ولكن مما لا شك فيه أن الإعلان لا بد وأن يرتكز على أسس سليمة من العلم والذوق والإخلاق.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)