المنشورات

وظيفة التثقيف والتنشئة الاجتماعية:

والوظيفة السادسة للفن الصحفي هي التثقيف والتنشئة الاجتماعية. وقد قدم العالم الألماني أوتوجروت1 تعريفا للإعلام يقول فيه: "إنه التعبير الموضوعي عن عقلية الجماهير وروحها وميولها واتجاهاتها". بمعنى أننا إذا أخذنا صفحة من جريدة أو مجلة وأخضعناها للتحليل العلمي الدقيق لوجدنا أنها تنبض بما في الأمة التي صدرت عنها الجريدة أو المجلة من قيم ومبادئ وعادات وتقاليد. وفي هذا المعنى قال جلبرت مري2 أستاذ التاريخ اليوناني في جامعة أكسفورد: "لو كان لليونان صحف، ولو أن صحيفة واحدة، أو حتى صفحة واحدة من صحيفة واحدة قد وصلت إلى أيدينا، لكانت معرفتنا بالتاريخ اليوناني أكثر حيوية وأعظم عمقا مما عليه الآن؛ لأن الصحيفة سجل نابض بالحياة، وانعكاس لثقافة الأمة، وتجسيد لإطارها الاجتماعي والثقافي".
وقد سخر البعض من هذه الوظيفة الصحفية وقال بلهجة تهكمية: "إن الكتاب والفلاسفة هم أولئك الناس الذين تستأجرهم السلطة الحاكمة ليشعروا الناس أن كل شيء يسير على ما يرام"3. والحقيقة أن الصحافة تقوم ببث الأفكار والمعلومات والقيم التي تحافظ على ثقافة المجتمع، وتساعد على تطبيع أفراده وتنشئتهم على المبادئ القويمة التي تسود في الحضارة. فوظيفة التنشئة الاجتماعية تتصل بخلق الجو الحضاري الملائم للتقدم والنهضة عن طريق التوعية الشاملة بأهداف المجتمع وخططه.
فالفن الصحفي يسعى لتكامل المجتمع، بتنمية الاتفاق العام، ووحدة الفكر، بين أفراده وجماعاته، ويقوم بتثبيت القيم والمبادئ والاتجاهات والعمل على صيانتها والمحافظة عليها، ويدخل في ذلك نوعية المواطنين بالسياسات والإجراءات، ودعم قوى الدفاع بإعلام المواطنين بالتهديدات الخارجية والداخلية على الأمن القومي، ويوسع مجال الحديث والمشاركة والمناقشة بترويج الاصطلاحات الجديدة المتعلقة بالنواحي التكنولوجية والثقافية، بطريقة التبسيط والتفسير. وإذا كان الصحافة تعمل على دعم العادات الاجتماعية السائدة، فإنها ترحب بالتعديلات والتغيرات التي يمكن للجماعة أن تطبقها وتقبلها.
وهنا يكمن الفرق بين الفن التشكيلي وفن الأدب من جهة، والفن الصحفي من جهة أخرى. فالفنان التشكيلي قد يرسم صورة عارية، والأديب قد يصور حياة امرأة منحرفة؛ لأن الفن -وخاصة في العالم الغربي- قد يقف موقف الحياد الأخلاقي1 ولكن ليس كذلك الصحفي الذي لا بد وأن يلتزم بإخلاقيات المجتمع وعاداته وتقاليده وقيمه. إن الصحفي مثلا ملتزم بقضايا الساعة، وبموضوعات المجتمع السياسية والاقتصادية والثقافية، ولكن الأدب أو الفنان قد يتحرر من هذا الالتزام. وقد تكون رؤية الأديب أو الفنان للعالم وللقيم من خلال نظرته الذاتية، ولكن الصحفي ينظر إلى العالم نظرة موضوعية من خلال نظرة قرائه، ومن خلال قيم المجتمع ومبادئه.
ويمكن النظر إلى الفن الصحفي على أنه ذلك الفن الذي يقوم ببث رسائل واقعية أو خيالية على أعداد كبيرة من الناس، يختلفون فيما بينهم اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. ويقصد بالرسائل الواقعية مجموعة الأخبار والمعلومات التي تدور حول الأحداث، وكذلك القصص والتمثيليات التي قد ترتكن إلى الواقع وتنسج منه صورة فنية. وفي جميع الأحوال، تراعي الصحافة أن المواد المنشورة تتفق مع الثقافة الشائعة والمعتقدات الدينية والمذاهب السياسية والمعايير الأخلاقية. فالصحافة الغربية تزخر بأخبار العنف والجريمة، وقصص رعاة البقر، والصور العارية، بل إن بعض الصحف تتخصص في نشر الفضائح الجنسية، كحادث الوزير البريطاني بروفيومو وعشيقته كريستين، في حين أن السوفييت يرفضون هذه الأساليب، ويمنعون نشر أخبار الجريمة في صحفهم. 













مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید