المنشورات

القيم والقواعد السلوكية:

فالصحافة تقوم بالتثقيف، وتطبيع الناس على عادات الأمة وتقاليد الحضارة وطقوسها وأنماط سلوكها، مما يهيئ للفرد أساليب التعامل مع الناس، والتكيف مع البيئة. فقد ثبت الآن بعد دراسات علم النفس الارتقائي، وعلم الإنسان "الأنثروبولوجيا" وعلم الاجتماع، أن التثقيف له أثره الكبير في تشكيل الاتجاهات النفسية والرأي العام.
وكثيرا ما يمثل الإنسان بالمادة الخام والمنظمات الاجتماعية بالخزاف الذي يشكل المادة في يده تشكيلا يتفق مع عادات الجماعة وقيمها وتقاليدها. ويؤكد أوديجارد1 أنه من المستحيل فهم الرأي العام في أمة من الأمم ما لم ندخل في اعتبارنا تللك القرى المادية والأدبية التي تشكل شخصية هذه الأمة. ولكي نتعرف على اتجاهاتها وآرائها، يجب علينا أن نهتم بدراسة المنظمات الاجتماعية التي تعطي للفرد معتقداته وتشكل اتجاهاته. فالإنسان في المجتمع يتأثر بالأسرة والدين والتقاليد ونظام الدولة والأصدقاء والأقران، والجماعات ذات النفوذ كالنقابات والأحزاب والهيئات والصحف وأجهزة الإعلام الأخرى.
وقد فطن خبراء الحرب النفسية إلى أهمية الصحافة في شن الدعاية السوداء، فاتخذوا من الصحف المشهورة والمجلات المحبوبة ستارا تتخفى الدعاية وراءه، عندما تستعير من الصحف الاسم والعناوين والإخراج وشكل الغلاف وغيرها من المعالم الصحفية التي تعود عليها القارئ وأنس إليها، ثم أخذ من وراء هذا الستار تقطر سمومها لكي تصل إلى أغراضها. بل إن أسلوب الفن الصحفي في الكاريكاتور والنكتة والسخرية والترفيه، كثيرا ما يستخدم لتحقيق الأغراض الدعائية، وذلك على أساس ما للفن الصحفي من قوة في التأثير على الجماهير.
إن وظيفة التثقيف والتنشئة الاجتماعية تنطوي على التوعية والإيقاظ والتنبيه، وبث روح المسئولية، والإيمان بالقيم والمبادئ، والشعور بالولاء العميق للأمة. وهنا يقوم الفن الصحفي بتجسيم الأهداف، وشرح الخطط، وإعداد المواطن للعمل في الحرب والسلم على السواء.
إن الصحافة تقدم العديد من القواعد السلوكية من خلال الخبر والتعليق والمقال والتفسير والنكتة والقصة والكاريكاتور، ومن خلال الردود على أسئلة القراء. ومن هذه القواعد السلوكية أن الحب هو مفتاح النصر، ويكفي للمرء أن يحب لكي يقهر كل شيء، وتتردد هذه القاعدة -عادة- في ردود الخطابات، كما تتكرر في الأغاني والأفلام. وقاعدة أخرى هي أن العمل المتواصل لا بد وأن يؤدي إلى النجاح. هذا فضلا عن معاني الفضيلة والرذيلة، ومبادئ الثقة بالنفس والثقة بالجماعة والثقة بالله، والإيمان بالدين، والاعتقاد بالثواب والعقاب، ويرمز لها بالجنة والنار.
وتلعب الأخبار نفسها هذا الدور عندما تتلقف الأحداث الإنسانية، وتصوغها وترويها بأسلوب صحفي جذاب. مثال ذلك زواج الممثلة جريس كيلي بالأمير رينييه1 حاكم موناكو، وهو موقف يصوره قوة الحب التي تجعل أمير الأحلام يتزوج من الشعب، كما فعل الملك إدوارد الثامن من قبل مع الليدي سمبسون. ولعل أسطورة سندريللا الإنسانية تعمق من قيمة الحب ومعجزته. ويحضرنا أيضا في هذا الصدد اهتمام الصحف بزواج الأميرة الإنجليزية مارجريت بالمصور أرمسترونج2 وهو من الشعب بعد أن رفضت الأسرة المالكة زواجها من رجل آخر لأنه مطلق. ومن ذلك أيضا أخبار السفاح الذي اهتمت به الصحافة المصرية، ثم كتب عند نجيب محفوظ وغيره من الكتاب قصصا تردد نفس الحادث وتعلق عليه، وإذا كان محمود سليمان هو السفاح الواقعي فقد نسج الفنانون حوله قصصا مليئة بالأحداث والقيم.
وقد وجدنا من دراستنا لتحليل مضمون الصحف المصرية الحديثة، أن هناك نزعة لتفضيل البساطة، وتصويرها على أنها من أفضل قواعد السلوك، ويتخذ الكتاب من حياة الريف والأحياء الوطنية والبيئات العمالية نماذج لموضوعاتهم. ويحن بعض الكتاب إلى الأيام الخوالي باعتبارها تنطوي على البساطة، ويبشر البعض الآخر بمستقبل زاهر، ويؤكد أن الخير كل الخير في العمل المتواصل والإنتاج لتحقيق أهداف المجتمع الناهض. ووجدنا أيضا نزعة أخرى إلى التقليل من قيمة المال، والتهوين من شأن الثروة، وإعلاء شأن الحب والصحة والسعادة، كما وجدنا تأكيدا مستمرا على القيم الاشتراكية والدينية، وقد كان لهما صدى في الشعار الذي رفع أخيرا وهو "العلم والإيمان". وهكذا نجد أن هذه القيم تتردد في صحافتنا سواء في الأخبار أو الموضوعات أو التحقيقات أو الصور أو المقالات أو القصص. 












مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید