المنشورات

كيفية الحصول على الأخبار:

تعتبر وكالات الأنباء العالمية والإقليمية والمحلية من أهم مصادر الأخبار وكذلك يعتبر قسم الاستماع الإذاعي مصدرا غنيا بالأخبار غير أن هذين المصدرين -على أهميتهما- لا يميزان صحيفة عن أخرى؛ لأنهما مورد شائع لجميع الصحف والمجلات. ولو وقف الأمر عند هذا الحد وكانت الصحف تعتمد فقط على وكالات الأنباء والإذاعات لما كان لصحيفة ميزة على الأخرى من الوجهة الإعلامية، ولما برزت شخصية صحيفة معينة وظهر تفوقها على الأخرى. حقيقة أن فن الصياغة والعرض الفني يلعبان دورا هاما، ولكن اختلاف المصادر هو الذي يجعل الصحيفة ذات شخصية فريدة.
ومن هنا كان لا بد من الاعتماد على المصادر الخاصة كالشخصيات الكبيرة التي يلتقي بها الصحفيون، وسفراء الدول الأجنبية، ورجال السلك السياسي، وكبار المفكرين، والوزراء والقادة. ومع أن الوزارات والمصالح والشركات قد أنشأت إدارات متخصصة للعلاقات العامة؛ لنشر الأخبار على الصحفيين، فإن المخبرين الناجحين لا يعولون على هذا المصدر العام وحده، ويحاولون دائما الحصول على الأخبار من مصادرها الأولى.
ولكن ليس معنى هذا أن يلجأ الصحفي إلى طرق غير مشروعة لاستقاء الأخبار. فالسرقة والتساهل في العرض والشرف وخراب الذمم والتضليل والغش والخداع والرشوة ليست من فنون الصحافة في شيء. وإذا كان التاريخ قد حفظ لنا نموذجا لخداع المستعمر، عندما نجح الشيخ علي يوسف في الحصول على أخبار الحملة المصرية على دنقلة، عن طريق الاتصال بتوفيق أفندي كيرلس الموظف بمكتب بريد الأزبكية -وهو المكتب الذي كان يتلقى البرقيات الخاصة بالحملة، فإن هذا المسلك كان طبيعيا، ما دام الإنجليز قد حرموا صحيفة المؤيد من الأخبار، بينما أغدقوا بها على صحيفة المقطم التي كانت تتحدث بلسانهم. لقد كان الأمر مكيدة مدبرة، والحرب خدعة، وهذا ما فعله الشيخ علي يوسف فاستحق إعجاب الشعب المصري الذي هتف بحياته وحمله على الأعناق.
وقد تلعب المصادفة دورا هاما في الحصول على الأخبار. وقد اطلع الشعب المصري يوما في جريدة الأهرام على خبر زواج توفيق نسيم باشا رئيس مجلس الوزراء، وهو في السبعين من عمره، من فتاة نمساوية في السابعة عشر من عمرها، وكانت جريدة الأهرام أولى الجرائد المصرية التي سبقت إلى نشر هذا الخبر الذي شغر بال الرأي العام في مصر مدة غير قصيرة. "وفي ذلك الوقت الذي اشتعل فيه الغرام بين السياسي العجوز والشابة النمساوية مر المرحوم الأستاذ جبرائيل تقلا بقرية من القرى، وأراد أن يبقى فيها ليلة واحدة، وبينما هو يسجل اسمه في دفتر الفندق لاحظ صاحبه أنه كتب أمام جنسيته أنه مصري، فأخبره بأن بين نزلاء الفندق مصريا آخر كبيرا اسمه توفيق نسيم، وإن هذا السياسي الكبير سيتزوج من ابنته، وأحس الأستاذ جبرائيل تقلا بأنه وقع على نبأ هام. نبأ لا بد أن يحدث دويا في مصر، وأمسك الأستاذ تقلا بالورقة التي سجل عليها اسمه فشطب ليلة واحدة، وكتب عدة ليالي. فقد شعر بأن مكانه كصحفي في هذا الفندق حيث تولد قصة صحفية ضخمة، وبالفعل كانت القصة من الضخامة بحيث شغلت قراء الأهرام عدة أشهر"1.
غير أن عنصر المصادفة وحده لا يجدي ما لم يقترن بذكاء الصحفي وحصافته، وتخطيطه وتدبيره. ويروي لنا الأستاذ جلال الدين الحمامصي عدة قصص لنماذج ممتازة للحصول على الأخبار. منها مثلا أن صحفيا أمريكيا استطاع أن يحصل على أخبار خطيرة عن توقف بريطانيا عن دفع ديونها لأمريكا في أعقاب الحرب العالمية الأولى. لقد بدأ الصحفي يدرس عادات وتصرفات رئيس الوزراء البريطاني مستر رامزي مكدونالد، فعلم أنه اعتاد على الخروج من منزله في 10 داوننج ستريت في الساعة السادسة والنصف من صباح كل يوم، وقبل تناول طعام الإفطار، في جولة على الأقدام، يقف خلالها ليطعم البط في بحيرة من البحيرات الصناعية في حديقة من حدائق لندن "هايد بارك"، ولهذا قرر ببيرهس -وهذا هو اسم الصحفي الأمريكي- أن يقلد رئيس الوزراء البريطاني: يقوم كل يوم صباحا ويطعم الطيور، وهذا أمر لم يكن يفعله في حياته على الإطلاق.
وهكذا توطدت الصداقة بينهما حتى جاءت اللحظة المناسبة التي عرف فيها الصحفي حقيقة النبأ وأبرق به إلى وكالته.
وقد استطاع مدير وكالة أنباء الشرق الأوسط سنة 1956 أن يسبق جميع وكالات العالم بحيلة طريفة، فقد كان يسجل خطبة الرئيس جمال عبد الناصر في غرفة من غرف البرلمان حيث كان يخطب رئيس الجمهورية، وينقل بالتليفون فقرات الخطبة أولا بأول، فتسجلها الوكالة وتذيعها هي الأخرى أولا بأول. وعندما انتهى المؤتمر الصحفي، وغادر الرئيس مكان الاجتماع، الذي كان قد أحكم غلق أبوابه، انطلق الصحفيون إلى مكاتبهم، كل يحاول أن يبعث بنتائج المؤتمر قبل غيره، دون أن يعرفوا أن وكالة أنباء الشرق والأوسط قد انتهت من مهمتها بالكامل. 













مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید