المنشورات
الدقة والحالية والقرب والضخامة:
والدقة في نشر الخبر من الأمور بالغة الأهمية، وهي عامل مكمل للصدق. فقد يكون الخبر صحيحا، ولكن لا تراعى الدقة في نشره بالطريقة التي تحفظ عليه صدقه وصحته، ويكون من نتيجة ذلك بطبيعة الحال إما سوء الفهم أو أن يفقد الخبر قيمته عند النشر. وفي ذلك يقول بوليتزر1: "إن الدقة للصحيفة كالعفة للمرأة".
ولذلك تعنى الصحف الكبرى التي تسير على نهج صحفي فني دقيق، بمراعاة الدقة عند النشر مراعاة تامة. وصحة الخبر وصدقه لا تكتمل إلا بالدقة في الإلمام بأطراف الخبر، والأرقام، والبيانات، والصور. وعندما يتطرق الشك إلى القارئ في عدم دقة الخبر المنشور أو أنه معدل تعديلا بفقده أهميته، حينئذ يفكر القارئ في قراءة جريدة أخرى. وعندما يفقد القارئ ثقته في الجريدة يبدأ توزيعها في الانخفاض.
وهكذا تختلف الصحف من بلد إلى آخر. فبعض الصحف تهتم بالسبق الصحفي أكثر من الدقة والبعض الآخر يهمها الدقة أكثر من السبق الصحفي، فهي تهتم بثقة القراء أكثر ما تهتم بأولوية الخبر في النشر1.
والحالية أو الجدة الزمنية من أهم صفات الخبر الصحفي. فالصحافة تهتم دائما بموضوعات الساعة، أو الماجريات الأخبارية، وكلما كان الخبر جديدا، كان اهتمام القراء به عظيما. وهناك مثل أمريكي يقول: "ليس هناك أقدم من صحيفة الأمس". وقد ساعدت الاختراعات الحديثة على سرعة النشر. فعندما تكون هناك مباراة لكرة القدم تذهب في العادة سيارة إذاعية يصف منها الصحفي المباراة وينقلها في الحال إلى الصحيفة، بل إنها تنقل الصور أيضا عن طريق التليفون، ويستطيع الخارجون من المباراة أن يقرءوا في الصحيفة وصفا دقيقا ومصورا للمباراة التي كانوا يشاهدونها.
ولكن ينبغي أن ندرك أهمية معالجة الموضوعات القديمة معالجة جديدة. فظهور وثيقة من الوثائق التاريخية التي تغير فهم الناس للتاريخ والحقائق، كما فعل الاتحاد السوفييتي عند نشره للمعاهدات السرية في الحرب العالمية الأولى يعتبر تجديدا والتزاما بمبدأ الحالية أو الجدة.
وكما أن الخبر لا بد وأن يكون قريبا من حيث الزمان، فإنه لا بد وأن يكون قريبا من حيث المكان. فمن الثابت أن أحداثا تقع في مصر تهم المصريين أكثر مما تهم سكان أمريكا الجنوبية مثلا، والعكس صحيح. ويذهب بعض الصحفيين في ذلك إلى حد القول بأن حادثا لسيارة أو قطار في المدينة يظفر بالنشر أكثر من مذبحة أو حرب في الهند، بالرغم من أن ضحايا الحادث يعدون على الأصابع، في حين أن ضحايا المذبحة أو الحرب يعدون بالآلاف!
غير أن القرب ليس مكانيا فحسب، وإنما هو قرب نفسي بالدرجة الأولى. فما يحدث لطلبتنا في الخارج قريب إلى نفوسنا، ولذلك يظفر بالنشر، وما يحدث لسفير من سفرائنا في الخارج، مهما بعدت المسافات، يتصل بحياتنا ويصبح موضوعا رئيسيا للنشر، وتراعي الصحف هذه الصفة من صفات الخبر مراعاة دقيقة، وتفرق من أجل ذلك بين الطبعة التي توزع في العاصمة، وتلك التي توزع في الإسكندرية، وكذلك طبعة الأقاليم، فإذا وقعت الحادثة في العاصمة عنيت بها الطبعة التي توزع في العاصمة عناية تامة، وقلت هذه العناية بالقياس إلى طبعة الأقاليم أو المدن.
ومما لا شك فيه أن التقدم العلمي والتكنولوجي في العالم المعاصر قد ربط بين أواصر الكرة الأرضية وجعل من كوكبنا وحدة متماسكة من ناحية الأخبار، كما أن فكرة الرأي العام العالمي قد أخذت تتحقق بفضل الإعلام الدولي من جهة والمنظمات السياسية الدولية كالأمم المتحدة والوكالات الدولية المنبثقة عنها، وهكذا أصبح الاهتمام الدولي، وتأثر الناس بالأحداث العالمية أمرا واقعا، يشهد به تأثير أحداث فيتنام على الرأي العام العالمي، وكذلك ما تمخضت عنه مشكلة الشرق الأوسط، ومشكلة الحرب الباكستانية الهندية من آثار بعيدة المدى على بلاد مختلفة، بعيدة إلى حد كبير عن مسرح الحوادث.
وأما عنصر الضخامة فلا يعني مجرد التهويل أو المبالغة، وإنما يعني أن حادثا يجرح فيه شخص جرحا طفيفا لا يستحق النشر كخبر، أما الحادث الذي يذهب ضحيته عدد كبير من الناس فإنه يظفر بالنشر في مكان بارز من الصحيفة. ثم إن مرض إنسان عادي من عامة الشعب لا يصنع خبرا صحفيا، ولكن مرض فنان عظيم، أو أديب مشهور، أو سياسي كبير، لا بد وأن يصنع خبرا صحفيا، يهتم به الناس، وقد يتحدثون عنه وقتا طويلا، فكل ما يصنعه رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو الوزراء أو كبار الأدباء والعلماء والفنانين وقادة الرأي ونجوم المجتمع لا بد وأن يعطينا أخبارا هامة. وقد تنصرف الأهمية إلى موضوع الخبر نفسه كأن يكون مشكلة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية خطيرة، أو كشفا علميا أو اختراعا عظيما.
فإذا اجتمعت أهمية شخصية من الشخصيات مع أهمية الموضوع وضخامة عدد المهتمين به، فلا بد أن يكون الخبر صالحا للنشر في الصفحة الأولى، أو في إحدى الصفحات ذات الأهمية الكبيرة.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)