المنشورات
فن صياغة الخبر:
لقد رأينا من قبل أن للفن الصحفي لغته الخاصة التي تمتاز بالجمل القصيرة ذات الحيوية الإيقاعية، مع استخدام الألفاظ العادية، واصطلاحات الحياة اليومية، بدلا من الاصطلاحات العلمية المجردة، كما أن الجمل القصيرة تفضل على الجمل الطويلة، مع ضرورة استخدام الألفاظ المألوفة للقراء. وقديما كان الصحفيون يستعينون بالحكم والأمثال والشعر والآيات القرآنية، غير أن الصحفيين المحدثين يستعينون الآن بالأرقام والأشكال البيانية والصور والرسوم وغيرها.
وكانت الأخبار في القرن الماضي تروى بالطريقة الأدبية، فيسير الكاتب القصة رويدا رويدا نحو حل العقدة في نهاية الخبر. ولكن الخبر الصحفي الحديث له قوالبه الجديدة، القائمة على السرد المباشر، وإعطاء كل الحقائق في أقصر عبارات ممكنة، والابتداء بالعقد، أو أهم عناصر الخبر في البداية مباشرة وهذا ما يسمى بأسلوب الهرم المقلوب.
فالخبر الصحفي يبدأ بالعنوان الدال على الخبر والمطابق لحقيقته، ولكنه لا بد وأن يكون مثيرا للانتباه، دون تهويش أو خداع. وقد يكون للخبر أكثر من عنوان. ومع ذلك فإن العنوان ينبغي أن يكون قصيرا ودالا وأمينا. ولقد كانت الأخبار تنشر في الماضي تحت عناوين عامة مثل: تلغرافات رويترز أو تلغرافات هاواس أو أخبار الدواوين أو أخبار خارجية أو أخبار حكومية. ولكن الصحافة الحديثة تفضل إبراز موضوع الخبر وتحديده في العنوان. ويفضل الصحفيون الابتعاد عن العناوين السلبية التي تعبر عن النفي أو التساؤل مثل "لا ينتظر صدور القانون اليوم" أو "هل قتل الفدائي رئيس الوزراء؟ ".
وفي جميع الأحوال يعتبر الأحوال الخبر الصحفي إجابة عن ستة أسئلة1: منها خمس شقيقات والسادسة غير شقيقة. أما الشقيقات الخمس فهن: من؟ وماذا؟ ومتى؟ وأين؟ ولماذا؟ وأما الأخت السادسة غير الشقيقة فهي كيف؟ والإجابة عن من؟ تعبر عن شخصية أو عدة شخصيات صنعت الخبر، وتجيب ماذا؟ عن الشيء الذي حدث، أما متى؟ فلبيان وقت حدوث الخبر كما تبين أين؟ مكان وقوعه ثم يأتي السبب لإجابة السؤال الخامس وهو لماذا؟ وتبقى الأخت السادسة وهي كيفية وقوع الحادث وملابساته وظروفه. ولكن ليس معنى ذلك أن ترد الإجابات عن الأسئلة الخمسة بهذا الترتيب الذي ذكرناه، بل لا بد وأن يختار العنصر الهام والأساسي أولا، كما أنه ليس من الضروري الإجابة عن الأسئلة جميعا في بداية الخبر، وإلا تعرضت المقدمة للحشو المفتعل.
فالغرض من القالب الصحفي هو نشر الأخبار بوضوح ودقة تساعد القارئ على الفهم. ولذلك فإن الخبر ينقسم إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي: العنوان والمقدمة وجسم الخبر. وفي جميع الأحوال، يعبر الصحفي عن الحقيقة الموضوعية ويبتعد تماما عن الذاتية في اختيار الألفاظ أو في بناء الخبر والإجابة عن الأسئلة الستة التي سبق بيانها، والمهم أن يكون العنوان صادقا وجذابا، وأن تحتوي المقدمة على عناصر الخبر الرئيسية. ثم تأتي العناصر الأخرى مرتبة حسب أهميتها. ومن هنا جاءت تسمية الشكل الصحفي بالهرم المقلوب.
والقاعدة في صياغة الخبر هو البدء بالعناصر المهمة أولا، وهذه تتطلب حاسة صحفية ذواقة وتدريب ومران طويلين. ولا بد أن تحرك هذه البداية انتباه القارئ وأن تثير اهتمامه. والفرق بين المحرر الناجح والمحرر الفاشل يكمن في هذا الاختيار الدقيق لمقدمة الخبر. فقد يكون هناك تناقض في موقف إنساني مثير كالرجل الذي يلقى القبض عليه ليلة زفافه، أو العالم الذي يموت قبل استلامه جائزة الدولة التقديرية بعدة أيام. وهناك المقدمة التي تحتوي على تصريح مقتبس من رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء.
وعلى ذلك فالمحرر الصحفي بإزاء الأسئلة التقليدية المعروفة -الشقيقات الخمس والأخت السادسة- يفاضل بسرعة بين إجاباتها، ويعمل ذوقه الفني وحسه الصحفي في هذه المفاضلة. فالاسم اللامع المشهور يظفر بالإجابة عن السؤال من. والوفاة أو الانتحار أو الانفجار يكون إجابة عن ماذا، وغرابة الزمن كمقابلة تتم بين السفير ورئيس الجمهورية بعد منتصف الليل أو قبيل الفجر تصبح مثيرة، كما أن وجود رجل دين في ملهى ليلي يجعل المكان في مقدمة الخبر. وانتحار أول رجل من فوق برح القاهرة كان خبرا جديدا يجيب عن السؤال كيف.
والمهم أن المقدمة لا بد وأن تتصف بالمرونة الكافية بحيث تتشكل وفقا لنوع الحادث أو الخبر، مع الحذر من الحشو بالتفاصيل، وإرجاء ذلك إلى جسم الخبر نفسه في الموقع المناسب لذلك. وقد تكون المقدمة اقتباسية تحتوي على عبارة جرت على لسان مسئول كبير مثل "قرارنا هو القتال". وقد توجه المقدمة إلى القارئ نفسه مثل "أنت الآن مطالب بضريبة جديدة". وهناك المقدمة التساؤلية مثل "هل تستأنف أمريكا تجاربها الذرية؟ " أما المقدمة الساخنة فهي تحتوي على معلومات مثيرة تخطف الأبصار، وتجعل القارئ مشوقا إلى متابعة الخبر.
ويقسم الأستاذ جلال الدين الحمامصي الأنباء الصحفية التي يمكن صياغتها بطريقة الهيكل الهرمي إلى عدة أقسام منها: الأنباء المتعلقة بوقائع والأنباء المتعلقة بأعمال أو أحداث أو حركات ثم الأنباء المتعلقة بالتصريحات والأقوال المنسوبة للأشخاص. وقد يكون الخبر مركبا فيتخذ شكلا هرميا يبدأ بمقدمة شاملة ثم تحليل للزوايا المختلفة وفقا لأهميتها. وهناك المتابعة الأخبارية التي تتخذ شكلا هرميا أيضا.
أما قالب الوقائع البسيطة فيبدأ بالعنوان ثم المقدمة ثم ترتيب الوقائع حسب أهميتها مع الربط بينها ربطا متجانسا بحيث يخرج النبأ في النهاية مستكملا كل الاعتبارات التي أشرنا إليها من قبل. أما هيكل القصة المتعلقة بحركة فهو كما يلي:
المقدمة:
"أطلق مجهولون قبل ظهر اليوم الرصاص مع مدافع رشاشة على زيد الرفاعي "36 سنة" سفير الأردن في لندن في محاولة لاغتياله وهو داخل سيارته التي كان يستقلها من منزلة إلى دار السفارة في حي كينزنجتون "حي السفارات".
الواقعة الثانية:
وقد حطمت الطلقات زجاج السيارة، وأصابت السفير في يده اليمنى -طبقا لبيان إدارة سكوتلانديارد- أما سائق السيارة فلم يصب بجراح وتمكن من الانطلاق بالسيارة إلى "مستشفى ماري أبوت" مباشرة، حيث أجريت للسفير الإسعافات الأولية ثم نقل بعد ذلك إلى مستشفى "فيتزروي نافيلد" حيث تقرر أن تجرى له عملية جراحية.
الواقعة الثالثة:
وأعلنت منظمة "أيلول السوداء" التي قتلت وصفي التل رئيس وزراء الأردن في القاهرة منذ 17 يوما، مسئوليتها عن الحادث، وكان المتهمون الذين ألقى القبض عليهم في القاهرة قد اعترفوا بأن هدف المنظمة الأساسي هو اغتيال المسئولين عن المجازر التي حدثت ضد الفلسطينيين في الأردن.
وهكذا يمضي الخبر في شرح الواقعة، ومن الطبيعي أن يصاحب الخبر صورة للسفير الأردني.
وهو هيكل يشتمل على وقائع وأحداث مثيرة، وفيه وصف لأشخاص، وبعد ذلك شهادة شهود، وبيانات أخرى تفصيلية. ومثل هذه الموضوعات تختتم عادة بفقرة تتضمن البيانات عن الشخصيات المتعلقة بالحادث.
أما الأخبار الخطب والبيانات والرسائل والتصريحات والأقوال ونحوها فتتخذ شكل المستطيلات المتتابعة في إيقاع يبدأ بالمقدمة ثم ملخص ثم اقتباس من الكلام المنقول ثم ملخص آخر يليه اقتباس، وهكذا إلى آخر البيان أو الخطبة. ولا بد للصحفي أن يبذل جهدا لكي يستخلص النقط الأساسية التي تهم القراء فيبرزها، فالخطبة إذن لا تقدم بنصها كما هي، وإنما تجزأ وفقا للمعنى، وتلخص، مع إيراد النصوص التي تعزز التلخيص.
ولهذا السبب، فإن بعض الصحف لا تكتفي فقط بتقديم هذا الهيكل الهرمي للبيان وإنما يورد نص البيان بعد الانتهاء من وضع البيانات الهامة في صورة الهيكل الهرمي، وعلى هذا الأساس فهناك حالتان:
الأولى: أن تقدم الهيكل الهرمي من غير نص البيان، وفي هذه الحالة يتحتم أن يكون الهيكل وافيا.
والثانية: أن تقدم البيان مع الهيكل الهرمي، وعندئذ فإن مقدمة الهيكل الهرمي تكون ملخصة ومركزة منعا للإطالة والتكرار.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)