المنشورات

الصحافة الحديثة وفن التحقيق:

وهكذا نرى أن فن التحقيق الصحفي قد أخذ يتطور تدريجيا كفن مستقل منذ ظهور المجلة المصورة، ثم جاءت أحداث الحرب العالمية الثانية، وتطور فنون الاتصال التليفوني والتلغرافي ونقل الصور بسرعة، وتعطش الناس إلى معرفة الأخبار وتحليلها، ودراسة أبعادها وآثارها، فكان لا بد من الاعتماد على التحقيق الصحفي لسد هذه الحاجات الجديدة. ولا شك أن الصحافة الحزبية قد تنافست لاجتذاب القراء عن طريق هذا الفن الصحفي الجديد، وخاصة بعد تفوق جريدة السياسة تفوقا عظيما في هذه المضمار.
ولذلك "رأى سعد زغلول أن يجمع شبان حزبه أمثال علي الشمسي وواصف غالي والنقراشي وأحمد ماهر ليفكروا معه فيما يجب أن يفعله هذا الزحف الصحفي، لكن أحدا من هؤلاء لم تكن له خبرة صحفية، وكان حافظ عفيفي هو الذهن الصحفي وراء الجريدة الجديدة.. قرأ كثيرا عن الصحافة ودرس جريدة التيمس الإنجليزية وحاول أن ينشئ جريدة تعتمد على الخبر أولا ثم على الرأي ثانيا، فجاءت السياسة شيئا جديدا لا يمكن أن يقاومه صحفيو الوفد، كان العقاد وعبد القادر حمزة كاتبين عظيمين.. كان المقال الذي يكتبه العقاد مثلا يهز الحكومة.. يزلزل الرأي العام.. لكن العقاد لم يكن يستطيع أن يكتب خبرا أو تحقيقا صحفيا أو يحاول أن يقوم بسبق صحفي، وكذلك كان عبد القادر حمزة أستاذا في كتابة المقال القصير.. أكبر عدد من المعاني في أقل عدد من الألفاظ.. ولكنه كان متأثرا بمدرسة المقال أكثر من تأثره بمدرسة الخبر والتحقيق الصحفي.. وبهذا بدأ تفوق جريدة السياسة الضخم على صحف الوفد جميعها.. شعر سعد زغلول الصحفي بأنه سينهزم في معركة الصحافة! شعر أنه ليس بين أنصاره أو أصدقائه الصحفي بمعنى الكلمة الذي يستطيع أن يحول الجريدة السياسية إلى جريدة خبر ورأي وتحقيق وكاريكاتور في وقت واحد"1.
والواقع أن الخبر والتحقيق الصحفي يمثلان مع الصورة والرسم والكاريكاتور جوهر الفن الصحفي الحديث. ومنذ أن بدأ الشيخ علي يوسف اهتمامه بالخبر في صحيفة المؤيد الصادرة في أول ديسمبر سنة 1889، ثم جاءت اللواء والجريدة والصحف المستقلة لتعميق هذا الاهتمام بالخبر، أصبح الطريق مفتوحا أمام جريدة السياسة سنة 1922، لبدء عصر جديد من الصحافة الحديثة التي تضارع الصحافة الأوروبية. ثم كان المرحلة السابقة على الحرب الثانية ابتداء من سنة 1936 من معالم التطور الجديد في الفن الصحفي، الذي ازدهر ازدهارا عظيما خلال فترة الحرب وما بعدها.
وقد رأينا أن هذا الفن ما كان يمكن أن يتطور لولا التقدم العلمي في خدمة الطباعة والتصوير والرسم وصناعة الكليشيهات، فضلا عن التقدم الهائل في فن التصوير الصحفي. وفي هذه الظروف بالذات تطور فن المجلة ليصبح مجالا خصبا لفن التحقيق الصحفي، فخرجت صحافتنا من المجال المحلي إلى المجال الدولي، وارتفعت أرقام التوزيع، كما زادت مساحات الإعلانات وإيراداتها، فدخلت الصحافة طور النضج والاستواء، وتنافست الصحف على تجديد الفن الصحفي وإتقانه، حتى ليمكن القول دون مبالغة أن الصحافة الحديثة تمتاز حقا بفن التحقيق الصحفي. 









مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید