المنشورات
مصادر التحقيقات وخططها:
يبني التحقيق الصحفي على مشكلة يتلقفها الكاتب من الوسط الذي يعيش فيه وينفعل به، وكلمة "مشكلة" هنا بالمعنى الواسع للكلمة فهناك مشكلات الصحة والتعليم والقفز والبطالة والجهل وغيرها ولكن هناك أيضا مشكلات تتطلب مهارات أو معرفة أو وصف. ولذلك فإن أساس التحقيق الصحفي في البداية هو فكرة أو خاطر أو انطباع أو ملاحظة وتتعدد مصادر التحقيق الصحفي من أخبار الصحف ومقالاتها، إلى الملاحظة الشخصية، إلى التجربة الإنسانية المباشرة، وكذلك الأحاديث الصحفية والنشرات والوثائق.
والصحيفة سجل حافل بالموضوعات التي يمكن لكاتب التحقيق الصحفي أن يختار منها العديد من الزوايا. ولا نقصد الأخبار فحسب، بل إن هناك الأحاديث والإعلانات ورسائل القراء وصفحة الوفيات نفسها. وكثيرا ما يكون في النشرات العلمية، والمجلات الفنية المتخصصة معلومات هامة يقوم الصحفي بتبسيطها وتقديمها للقراء بشكل واقعي مستساغ. كما أن الأبواب الثابتة الموجهة إلى الشباب أو النساء أو العمال أو الأطفال أو غيرهم من فئات الشعب قد توحي بموضوعات قيمة للتحقيقات الصحفية. وقد يجد الصحفي في الأخبار الاجتماعية كسفر الأطباء أو وصول الخبراء أو فوز العلماء في المسابقات العلمية والجامعية موضوعات جديرة بكتابة تحقيقات صحفية عنها، ولا شك أن الإعلانات الغريبة والطريفة قد توحي بموضوعات جذابة. فليس غريبا أن يقول كبار الصحفيين إننا نعثر على موضوعات التحقيق الصحفي في كل شيء من حولنا. والمهم أن يختار الصحفي زاوية قابلة للتنفيذ، ومثيرة لأفكار الجماهير ومشاعرهم، وفي نهاية الأمر يجب أن نتذكر وظائف الفن الصحفي من إعلام وتفسير وتوجيه وإمتاع وإعلان وتنشئة اجتماعية؛ لأن هذه جميعا أهداف يسعى التحقيق الصحفي إلى بلوغها.
وفي جميع الأحوال لا يكتفي الصحفي بمجرد اختيار الموضوع المناسب بالنسبة إليه، بل لا بد من مراعاة اهتمام القراء بالموضوع، وموافقة الموضوع لسياسة الصحيفة أو المجلة، كما يتأكد الصحفي من توفر المصادر من كتب ومطبوعات وبيانات وشخصيات، يرجع إليهم ويحصل منهم على أحاديث تلقي الأضواء على الموضوع. فلا شك أن المكتبة الصحفية وأرشيف القصاصات وأرشيف الصور من المصادر الأساسية للتحقيقات الصحفية، ولكن لا بد من استكمال هذه العناصر بالمقابلات الشخصية والأحاديث والآراء من كافة الزوايا والاتجاهات. وقد تكون نشرات العلاقات العامة مفيدة، ولكنها لا تعتبر مصادر للحكم النهائي على المشكلات، وإنما هي تعطي نقط البدء والمناقشة؛ لأن نشرات العلاقات العامة غالبا ما تعطي وجهة نظر واحدة، هي وجهة نظر المؤسسة أو المنظمة التي تعمل إدارة العلاقات العامة لحسابها. ومن المهم يكون لدى الصحفي فكرة واضحة عن الصور والبيانات الإيضاحية البصرية لأنها تمثل عنصرا أساسيا في فن التحقيق الصحفي.
ويخضع إعداد التحقيق الصحفي لأسلوب علمي قائم على جمع المعلومات والتخطيط وتحضير الأسئلة التي توجه للأشخاص، غير أن هذا التخطيط في مجموعة لا بد وأن يكون مرنا، فقد يكتشف الصحفي موضوعا فرعيا يشعر أنه أخطر وأهم من الموضوع الأصلي فيوجه عنايته إليه. والواقع أن الصحفي في هذه الحالة كالمحلل النفساني والبائع الناجح والسياسي الماكر والصديق المخلص ووكيل النيابة اللبق1 يسعى لجمع كافة المعلومات ويقومها ويوازن بينها. وما أشبه هذا الصحفي بلاعب التنس الذي يتعلم كيف يرد الكرة فوق الشبكة، وكيف يدفعها بقوة وفجأة من زوايا مختلفة2!
وإذا كان الصحفي يتصدى لجمع الحقائق والمعلومات من السلطات الرسمية، فيجب عليه أن يكون ماهرا في إجراء الحديث، وأن يتقن الاستماع والتحدث جيمعا، وأن يتحمس للموضوع وينقل حماسة للآخرين في اتزان وتؤدة؛ لأن الشخصية غير المتحمسة تشعر المصدر بعد الاهتمام. وليس معنى ذلك أن يكون تحمس الصفحي ذاتيا، فنحن نذهب إلى أن التحقيق الصحفي فن موضوعي، ومن الخطأ أن يبدأ الصحفي بوهم معين أو شائعة من الشائعات، ظنا منه أنها فكرة جديدة، ثم يأخذ في جمع المعلومات والبيانات والأحاديث التي تثبت ذلك الوهم أو الشائعة. وكم من تحقيقات بنيت على آراء متطرفة، أو أفكار متعصبة، أو حملات شخصية متحيزة، يجهد فيها الصحفي نفسه ويلح على القارئ لإثبات أحكام مسبقة، بطريقة بعيدة كل البعد عن الأسلوب العلمي. ويلاحظ أن البكاء أو العويل، والمبالغة في التعبير، والسخرية المريرة، والمهاترة الفظة، والهجوم الشخصي المتطرف، ليس من الفن الصحفي في شيء. ولكن ليس معنى ذلك انعدام العاطفة، ففرق كبير بين التعبير الواقعي عن العاطفة، وبين الإغراق في الانفعال دون ضابط.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)