المنشورات

أنواع التحقيق الصحفي وموضوعاته:

وتتنوع التحقيقات الصحفية بتنوع أهدافها وغاياتها، وهي في مجملها أهداف وغايات الفن الصحفي نفسه. فهناك تحقيقات إعلامية وأخرى تفسيرية.
ومن التحقيقات ما هو توجيهي إرشادي، ومنها أيضا تحقيقات الإمتاع والتشويق فضلا عن التحقيقات التعليمية، وثمة تحقيقات إعلانية يستغلها المعلنون للإعلان عن بضائعهم وسلعهم، وخاصة في المجتمعات الرأسمالية.
والتحقيق الإعلامي يرمي إلى إشاعة الحقائق والمعلومات بين الناس، كما يرمي التحقيق إلى تفسير هذه المعلومات وتبسيطها. ومصدر الصحفي في هذه الأحوال العديد من الصحف والمجلات العلمية والجامعية، وصحف النقابات الصناعية، وبيانات الهيئات والمجلات المختلفة، وكذلك نشرات مراكز الأبحاث العلمية والوزارات التي لها اتصال بالمجال العلمي، كوزارة التعليم العالي والجامعات والمعاهد العليا ووزارة التربية والتعليم ووزارة البحث العلمي. ولا شك أن وكالات الأنباء والإذاعات الداخلية والخارجية والمعارض مصادر غنية بالمعلومات في هذا الصدد.
والمهم هو أن يختار الموضوع الذي يهم القراء، كالاكتشافات الطبية، والأدوية الحديثة، وعلاج الأمراض المستعصية، والخدمات الصحية، والآلات الحديثة، والأجهزة الإلكترونية، والآلات الحاسبة، والصحفي الماهر هو الذي يحول اصطلاحات العلوم الحديثة إلى لغة صحفية مفهومة لكافة الناس؛ لأن "اللغة التي يستعملها العلماء وأبحاثهم وتجاربهم والنتائج التي يصلون إليها لا تهم القارئ العادي في قليل أو كثير، إذا نقلتها الصحيفة كما هي؛ لأنها لغة علمية بحتة وأرقام لا يعرفها إلا العلماء"1. ولا شك أن تحويل هذه الموضوعات العلمية إلى موضوعات صحفية تتطلب كذلك إثارة اهتمام القارئ حتى يشعر أنها تهمه في حاضره ومستقبله وتتصل بصميم حياته.
وهناك تحقيقات تدور حول الغريب والطريف من الموضوعات المشوقة مثل مقابلة مع ضرير استعاد بصره، وزيارة لمستشفى تعالج البدانة، واستعراض للأقزام في السيرك. ويمكن لهذه التحقيقات أن تزود القارئ -إلى جانب المتعة والتسلية- بالمعلومات والمعارف. ولا بد أن تكون هذه التحقيقات ممتعة وجذابة تصلح للقراءة السريعة، يشغف بها القراء وتهز مشاعرهم. وتدور موضوعات هذا النوع من التحقيق المشوق حول جميع الأشياء الموجودة فوق الأرض.. من صعيد ثعبان البحر والدب الشاحب اللون إلى قفص الصقر الأسود والضفدع ذي القرون، ومن التوائم السيامية إلى قوائم لاتونا، ومن مناجم الذهب في جورجيا إلى خزائن الذهب في البنك.. ومن العزاب إلى الزوجات الهاربات1 ومهما كان الموضوع فإن أهم وصية يضعها الصحفي نصب عينيه هي: "لا تكن مملا".
والتحقيق الإرشادي أو التوجيهي يتصدى لمعالجة المشكلات ويبحث عن حلول لها. ولا بد للصحفي أن يدرس أبعاد المشكلة التي يعالجها، وأن يكون أسلوبا موضوعيا، بمعنى أنه يجمع كافة المعلومات، ويتلقى جميع الآراء والاتجاهات، من المؤيدين والمعارضين على السواء. "ولا يكتفي كاتب التحقيق بقراءاته الخاصة حول الموضوع وإنما يستعين بطائفة من الأخصائيين أو الفنيين الذين لهم دراية كافية بالموضوع فيجري مع بعضهم أحاديث مختلفة، يستطلع فيها آراءهم ويدون هذه الأحاديث ليقارن بين مختلف الآراء ويستخلص منها أرجحها وأقربها إلى العقل".
والمهم أن يصل التحقيق إلى نتائج إيجابية واضحة كاقتراحات لحل المشكلات، وإلا فإنه يقترب من أسلوب الحملات الصحفية. وفي رأينا أن الحملة الصحفية أقرب إلى فن المقال الصحفي منها إلى فن التحقيق الصحفي. فمقالات مصطفى كامل في الصحافة المصرية والفرنسية خلال شهري يونيو ويوليو سنة 1906، وفي أعقاب حادثة دنشواي، وكذلك مقالات الشيخ علي يوسف في المؤيد والتي نشرت تباعا من 14 إلى 20 أكتوبر سنة 1906 تحت عنوان "قصر الدوبارة بعد الأربعاء". وغيرها من الحملات الصحفية الحديثة التي نجحت في فضح المستعمر وكشف ألاعيبه تدخل في فن المقال الصحفي. فمن المعروف أن أغراض الحملة الصحفية تكون معروفة مسبقا، وتجمع المعلومات والصور لخدمة هذه الأغراض وترتب الحقائق من أجل تحقيق نجاح الحملة، بل إن المقابلات والأحاديث نفسها تخطط لنفس الغرض. وحتى الصور والألفاظ وأسلوب الكتابة تعمل متضافرة لإبراز موضوع الحملة الصحفية وضمان نجاحها.
غير أن التحقيق الصحفي الأصيل ينطوي على روح الدراسة والبحث. فقد تكون الدراسة لشخصية من الشخصيات فتصبح بمثابة تحليل للجوانب النفسية لشخصية عظيمة أو مشهورة يهتم بها الرأي العام، ولا تكون الشخصية معاصرة بالضرورة، فقد يكتشف الصحفي جوانب جديدة، ومعلومات غير معروفة عن زعيم عاش منذ سنين طويلة كأحمد عرابي أو مصطفى كامل، أو نابليون بونابرت أو حتى قدماء المصريين بعد اكتشاف جديد لمقابرهم ومعابدهم.
وحتى تحقيقات المناسبات في المواسم الدينية والقومية يمكن أن تتخذ بفضل ذكاء الصحفي وفطنته زوايا جديدة للدراسة تلقي أضواء مشوقة على الموضوعات المألوفة. وهنا أيضا تلعب المراجع والكتب والقصاصات والصور والمقابلات دورا رئيسيا في إنتاج التحقيق الصحفي الناجح. ولا شك أن روح الدراسة واكتشاف الجديد هي التي تمكن الصحفي من تحويل موسم الامتحانات، وموسم افتتاح المدارس، وموسم الإجازات -رغم تتابعها العادي الرتيب- إلى موضوعات طريفة جذابة، بشرط اختيار الزاوية الجديدة.
ويستغل المعلنون فن التحقيق الصحفي لترويج سلعهم وخدماتهم، عن طريق التحرير الناجح والصياغة المشوقة، والعناوين المغرية، والصور الجذابة. وكثيرا ما يتخذ الإعلان شكل القصة أو الوصف، كما يستخدم العبارات الموحية، غير أننا نرى أن الإعلانات التي تتخذ شكل التحقيق الصحفي تعتمد على دراسة الدوافع الإنسانية، كما أنها تستغل حاجة الإنسان المعاصر إلى المعرفة السريعة، لإشباع فضوله والتأثير عليه.
والحقيقة أن التحقيقات الصحفية لا تنقسم إلى أنواع محددة؛ لأنها تتداخل تداخلا يجمع بين أهدافها وفنونها، ولذلك فإن الخيط الفاصل بينها خيط وهمي رفيع، فكثيرا ما نجد التحقيق الصحفي إعلاميا ومشوقا وتوجيها وتفسيريا في وقت واحد. وثمة نزعة جديدة في التطبيق العملي لإنتاج التحقيق الصحفي وهي تجنيد فريق كبير من الصحفيين والمصورين للعمل معا لإنجاز تحقيق واحد، وخاصة عندما تكون المشكلة ذات صفة عاجلة أو متعددة الجوانب أو مترامية الأطراف. وهنا تتحقق مرة أخرى صفة الموضوعية التي لا بد وأن يتصف بها التحقيق الصحفي. 












مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید