المنشورات
خصائص فن المقال:
وينبغي على كاتب المقال ألا يسرف في عرض عواطفه عرضا مثيرا؛ لأن الاتزان والنضج والهدوء من أهم خصائص فن المقال. وإذا كان مونتاني قد اتخذ الميزان شعارا له. فإن ذلك يدل على مبلغ اهتمامه باختيار الحقائق بإنصاف وروية وهدوء واتزان. وإذا كانت المحاضرة أو الموعظة لا تتصل بفن المقال لأنها لا تلتزم بنغمة المساواة، وقد تحطم روح الألفة والصداقة بين الكاتب والقارئ، فإن الخطابة هي الأخرى ليس من فن المقال في شيء؛ لأن إثارة القارئ أمر لا يتلاءم مع طبيعة هذا الفن. لذلك نظر التاريخ إلى الشيخ علي يوسف أنه الكاتب الصحفي الذي عبر بهدوء عن أفكاره في مقالاته، فكان المؤيد يمثل عقل مصر المفكر، في حين أن الزعيم مصطفى كامل كان الخطيب السياسي الذي ألهب حماس الجماهير، فكان يمثل قلب مصر النابض. فصحافة المؤيد تؤثر في العقول وتعتمد على المنطق وتجري وراء الحجة والدليل، أما صحافة اللواء فتؤثر في العواطف، وتلهب المشاعر الوطنية، وهي من هذه الناحية أقرب ما تكون إلى الخطابة في جملتها.
وقد عبرت عن ذلك الأديبة الإنجليزية فرجينيا ولف1 بقولها: "إن المقال يجب أن يبدأ بداية تملك مشاعر القارئ، وتوقظه من سباته حتى يشارك الكاتب خبراته الشائقة المدهشة الغريبة، بل إن الكاتب قد يصطحب صديقه القارئ محلقين في عالم الخيال، أو أنهما قد يغوصان سويا باحثين عن درر الحكمة. ولكن على أيه حال لا يجوز إثارة القارئ إثارة ما ... ".
ويقول الدكتور زكي نجيب محمود2: "حتى إذا تكاملت من هذه الخواطر المتقاطرة صورة، عمد الكاتب إلى إثباتها في رزانة، لا تظهر فيها حدة العاطفة، وفي رفق بالقارئ لا ينفر منه".
ويقول الدكتور عبد اللطيف حمزة3 أيضا: "الهدوء: ونقصد به اعتدال الكاتب الصحفي في إظهار عواطفه للقراء، وقد سبق لنا القول كذلك أن هناك فرقا من هذه الناحية بين الصحفي والخطيب. والآخر صاحب الحق في إثارة الجماهير، وتحريك مشاعرهم عن طريق الغضب أو الثورة. والأول -وهو الصحفي- لا يليق به أن يتخذ لنفسه موقف الخطيب في إقناع الجماهير، بل عليه أن يعتمد في ذلك على قدرته في الإتيان بطائفة من اللفتات الذهنية حينا، واللفتات الشعورية حينا، بحيث يتمثله القارئ رجلا هادئا".
ومن الطريف، أن الفن الإذاعي الحديث قد تأثر تأثرا بالغا بفن المقال الصحفي، فهو ينبذ اللهجة الخطابية، ويعتبرها مدمرة للفن الإذاعي الأصيل القائم على الإفضاء والمحادثة العادية الشيقة، حيث يكون المستمع للإذاعة أو مشاهد التليفزيون في خلوته أو في سيارة أو جالسا مع أسرته وأصدقائه، فيصبح الجو الخطابي المثير غريبا، ومنافيا لروح الألفة والإيناس التي هي روح فن المقال الصحفي والفن الإذاعي جميعا.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
27 نوفمبر 2024
تعليقات (0)