المنشورات

الصحافة والرأي العام:

يرى الدكتور محمود عزمي أن الصحافة هي توجيه الرأي العام عن طريق نشر المعلومات والأفكار الناضجة معممة ومنسابة إلى مشاعر القراء خلال صحف دورية. ولا شك أن فن المقال الصحفي يلعب دورا رئيسيا في توجيه الرأي في شتى المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية وغيرها. وإذا صح تقسيم الصحافة إلى ثلاثة أنواع هي صحافة الجماعات1، وصحافة الجماهير2، وصحافة الدولة أو الصحافة الرسمية3 بحيث تعبر الأولى عن الأحزاب السياسية والنقابات والجماعات والهيئات المختلفة، بينما تنشر الثانية الأخبار سعيا وراء الربح المادي، كما أن صحافة الدولة هي لسان حال الهيئة الحاكمة، فمما لا شك فيه أن المقال الصحفي له تأثيره اللغوي القوي في مخاطبة عقول الناس وقلوبهم ووجدانهم بطريقة عادية تقرب من الإفضاء بين الصديق والصديق.
وتلعب الصحافة هذا الدور الخطير من خلال عنصر التكرار في المقالات الافتتاجية والأعمدة بوجه خاص، والصحيفة بهذا التكرار أشبه شيء بقطرات الماء التي تسقط تباعا وباستمرار على صخرة قوية، ولا بد لها يوما أن تخرق هذه الصخرة، وقد تصل إلى تحطيمها وتهشيمها في نهاية الأمر، ولسنا نذهب إلى أن الصحافة هي التي تصنع الرأي العام وحدها، بل إننا نعتقد أن الصحافة تأخذ من الرأي العام وتعطي له، تؤثر فيه وتتأثر به، تقود الشعب وتنقاد له، وتوجه الحكومات وتتلقى توجيهاتها منها..
فالصحافة -وخاصة عن طريق المقال الصحفي- تعمل على توجيه الأمة. وفي هذا المعنى قال الزعيم مصطفى كامل: "إذا كانت الصحافة في كل بلاد العام شديدة التأثير، عظيمة الفائدة، فإنها يجب أن تكون في مصر أشد تأثيرا، 

وأكبر نفعا؛ لأن الأمم الحية غنية عن إرشاد الصحف في كثير من الشئون أما في مصر وبقية بلاد الشرق فوظيفتها أن تكون المهذبة المؤدبة، المنشطة المشجعة، القائمة مقام المجالس النيابية، حتى تترقى الأمة وتنال كل حقوقها".
والحقيقة أن الرابطة وثيقة بين الصحافة والرأي العام. فقد كان التدخل الأجنبي في مصر، واستبداد الحكم منذ تولاه محمد علي، والأزمة التي وقعت بين الخديو إسماعيل والباب العالي، وظهور الدستور العثماني سنة 1876، وازدياد الحركة الفكرية في مصر بظهور السيد جمال الدين الأفغاني. من أهم العوامل التي أدت إلى ظهور الصحافة الشعبية والرأي العام في وقت واحد.
ومع أن التعبير عن الرأي العام كان تعبيرا كامنا في شكل جمعيات سرية مثل الجمعية السرية للضابط سنة 1867، وهي الجمعية التي ارتبطت بالأمير حليم وانضم إليها علي الروبي وأحمد عرابي وعبد العال حلمي وعلي فتحي وغيرهم، ثم تحولت سنة 1879 إلى الحزب الوطني -وهو غير الحزب المنسوب إلى مصطفى كامل، وانضم إليه شريف باشا وشاهين باشا وعمر لطفي باشا وراغب باشا ومحمد سلطان وغيرهم من قادة المعارضة في مجلس النواب، كما نشأت جمعية مصر الفتاة في الإسكندرية سنة 1879، وجمعية المودة السرية لضباط الجيش، وجمعية المقاصد الخيرية وغيرها. غير أن الصحافة -وخاصة صحافة المقال- قد استطاعت أن تعبر عن الرأي العام العلني أصدق تعبير.
فليس من شك أن جميع هذه المنظمات السرية والعلنية تدلنا دلالة قوية على وجود الرأي العام، وقد استتبع ظهور هذه الجمعيات ظهور الأحزاب السياسية والصحافة الشعبية وخاصة صحف المقال. وهكذا كان الوعي بسوء الحالة والشعور بوطأة الظلم هو الذي هيأ الجو لظهور الصحف والأحزاب، وقد أعان هذا كله على نضوج الرأي العام. 












مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید