المنشورات

أسلوب العمود الصحفي وموضوعاته:

ومقال العمود حديث شخصي يومي أو أسبوعي لكاتب معين يوقعه باسمه وتحت عنوان ثابت مثل "نحو النور" أو "ما قل ودل" ويمكن أن نطلق عليه اسم النبذة اليومية أو الأسبوعية أو الكلمة الشخصية. ومن الطريف أن بعض الأعمدة في الصحف الإنجليزية تحمل اسم كاتبها في العنوان مثل عمود الفيلسوف الإنجليزي "دكتور جود"1 الذي ينشر تحت عنوان يحمل اسمه بخط كبير فيجتذب الناس على أساس قلم الكاتب نفسه. والغاية الأساسية من العمود هي ربط القارئ بالكاتب وبالصحافة لإرشاده وتسليته وتثقيفه بمادة خفيفة الظل. ويعتبر العمود رأيا شخصيا وكتابته ذاتية. ولذلك نرى كاتب العمود يختلف أحيانا في وجهة نظره عن سياسة الصحيفة في موضوع ما، ولا غبار عليه في انتهاج هذه الخطة.
غير أن بعض علماء الصحافة مثل ليبلنج2 يرى أن كاتب العمود لا يختلف عن كاتب المقال الافتتاحي؛ لأنه يعرض وجهة نظر الصحيفة لا وجهة نظره هو، على أن معظم الصحف، ومنها صحف كبرى في العالم تؤثر إعطاء الكاتب حرية كافية للتعبير عن رأيه الشخصي في العمود الصحفي. ولكي يكون العمود الصحفي ناجحا ومقروءا، ينبغي ألا يهمل عاملا هاما، وهو اتصال الموضوع بالقارئ، من قرب أو بعد، فإن القارئ يشعر بالموضوع الذي يتصل به أكثر من الموضوع العام الذي لا يتصل بحياته اتصالا مباشرا أو غير مباشر.
وقد يتخذ العمود شكل سؤال وجواب، فيعرض الكاتب لسؤال القارئ، وقد يذكر اسمه أو يشير إليه بالأحرف الأولى، وفقا لرغبة صاحب السؤال، ثم يجيب على ذلك السؤال بما يرى، على أن اختيار كاتب العمود للأسئلة التي يوردها للقراء والإجابة عليها ينبغي أن يراعى فيها أن تكون ذات صفة عامة غالبا، أو إنسانية حتى يجد القارئ أنها ذات فائدة له، أو قد يكون العمود عرضا تحليليا لرسالة وردت إلى محرر العمود، وفي ذلك ما يجعله موضعا للنقد من القراء أنفسهم إذا لم يوفق إلى عرض تحليلي للرسالة أو الإجابة عن الأسئلة إجابة صحيحة.
وكثيرا ما يتضمن الرسائل الواردة موضوعات يمكن أن تكون ذات صبغة إنسانية، ومثل هذه الموضوعات ينبغي أن تبذل لها عناية أكبر من المشاكل الخاصة لبعض القراء، والسبب في ذلك راجع إلى عامل نفسي وهو أنه كثيرا ما يحس القارئ بالشعور الذي ينتاب صاحب الرسالة إذا وقع في هذا المأزق أو الورطة التي لم يجد لها حلا، مما دعاه إلى أن يستفتي محرر العمود، وكثيرا ما يتصور القارئ نفسه مكان زميله القارئ الآخر في مشكلته فيحس بإحساسه، ولذلك وجب على كاتب العمود مراعاة ذلك كله عند كتابته حتى تكون هناك صلة أوثق بينه وبين قرائه وهو الأمر الذي تحرص عليه الصحيفة كل الحرص1.
ويصور العمود شخصية الكاتب وأفكاره وأحاسيسه وتأملاته، والكاتب يعتبر القراء بمثابة أصدقائه حين يفضي إليهم بكل ما خطر على باله أو ما يجيش في صدره من أفكار دون تكلف، ولا يضع كاتب العمود نفسه موضع المعلم أو الناصح أو المؤدب أو المترفع أو المتعالي، وإنما يخاطبهم مخاطبة الزميل لزميله أو الند للند. وكاتب العمود لا يتعمق في البحث كما يفعل المتخصصون، وإنما هو يكتب على سجيته كمواطن صالح مندمج في حياة الناس، وشاعر بآمالهم وآلامهم ومحاسنهم وعيوبهم، وعارف بمقاييس الخير والشر، كما أنه عارف بموازين الحق والباطل وبمعايير القبح والجمال، يستطيع أن يتهكم ويسخر في موضع التهكم والسخرية، ولكن بعبارات غير جارحة وإن كانت لاذعة.
ويمتاز العمود الصحفي بخفة الظل وسهولة الأسلوب، واستخدام الصيغ الاستفهامية والاستنكارية والتعجبية، كما أنه يمزج التعبير بالتهكم والسخرية مع الحكم والأمثال المتداولة، والنكات اللاذعة والاقتباسات الدالة، والنقد البناء. وبالرغم من أن العمود لا يتسع لأكثر من الكلام عن فكرة واحدة، أو خاطر واحد، فإن كاتبه مضطر كذلك -بحكم الحيز الذي خصصته الصحيفة للعمود- أن يوجز في عبارته، وألا يجنح إلى الإسهاب في هذه العبارة. 











مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید