المنشورات

فن الإخراج الصحفي

لا يتحقق الفن الصحفي بالتحرير وحده أو بالصور فقط ولا بهما معا، وإنما يعتبر تصميم الصفحات وطريقة عرض الموضوعات وأساليب تنظيم المواد الصحفية من أخبار ومقالات وتحقيقات وإعلانات وصور ورسوم كاريكاتير وغيرها، جزءا مكملا للفن الصحفي. ولا يرمي الإخراج الصحفي إلى أغراض جمالية بحته؛ لأنه فن تطبيقي يحقق أغراض الصحافة الناجحة من حيث الوضوح والدقة والصدق في التعبير ويسر القراءة، وجاذبية الصحيفة للقراء1. وإذا كان التحرير يمثل المعنى أو المضمون. فإن الإخراج يمثل المظهر أو الشكل، غير أن العلاقة بينهما وثيقة، فلا بد للشكل أن يعكس المضمون بأمانة وصدق وجاذبية.
ويهدف الإخراج الصحفي إلى تحقيق أربعة أهداف رئيسية هي: الارتفاع بالانقرائية، وهي قابلية الصحافة لكي تكون مقروءة في يسر وسهولة دون أي عائق، وعرض الموضوعات المختلفة بطريقة تتفق مع أهميتها سواء بالنسة لحجمها أو عناوينها أو ترتيبها في أجزاء الصفحة الواحدة، وكذلك تصميم الصفحات بأساليب جذابة ومشوقة، ومحققة للمعاني المستهدفة، على أن يتم ذلك كله بطريقة مدروسة تخلع على الصحيفة سمات محددة تكون شخصيتها، وتميز ملامحها، فيعرفها القارئ من أول وهلة، ويكون معها ما يشبه الصداقة والألفة، حتى إنه يؤثرها على غيرها، ولا يرضى عنها بديلا.
فالحروف والأنماط "الكليشيهات" هي العناصر الأولية أو المواد الطباعية التي يستخدمها المخرج الصحفي -أو سكرتير التحرير الفني- لتكوين صفحات جريدته أو مجلته. فإذا جاز لنا أن نشبه خطوات الإنتاج بإحضار مواد البناء كالطوب والأحجار والحديد والبلاط وغيرها، كان الإنتاج الصحفي الأول هو إعداد الحروف والصور والرسوم والإعلانات والموضوعات. ثم يقوم المخرج الصحفي بالإشراف على عملية بناء الصحيفة أو إخراجها وفقا لخطة يضعها مقدمة -وفقا لأسس فنية وعلمية- كما يضع المهندس الإنشائي والمهندس المعماري خطة البناء قبل تشييده.
وقديما كانت عملية الإخراج مماثلة تماما للنظم المتبعة في إخراج الكتب، بل إن الصحف نفسها كانت تسمى كتب الأخبار1 وكان يطلق على الصحفي نفسه اسم المؤلف2، وظلت فكرة الناس عن الصحيفة مماثلة لفكرتهم عن الكتاب، فلم يكن غريبا أن تظهر الصحف بمظهر الكتب من حيث الإخراج والتبويب وطريقة الطبع وأسلوب الكتابة والتحرير وغير ذلك. فقد وجدنا مثلا أن رئيس التحرير كان يوقع باسمه في ذيل العمود الأخير من الصحيفة مثل أحمد عبد الرحيم أو عبد الكريم سلمان في الوقائع المصرية، وعبد الله النديم في التنكيت والتبكيت والطائف والأستاذ. وكان طبيعيا أن ترتبط فكرة الإخراج الصحفي بطريقة إخراج أقدس الكتب وأحبها إلى المخرج الصحفي ألا وهو القرآن الكريم. فإذا أراد الطابع أن يتأنق، أخرج الصحيفة في إطارات مزخرفة زخرفة إسلامية كالتي تستعمل في طباعة المصحف الشريف، كما يتضح من إخراج بعض أعداد الوقائع المصرية3. 

وليس أدل على التمثل بين مفهوم الصحيفة ومفهوم الكتاب من أن بعض الصحف والمجلات مثل الأستاذ، والتنكيت والتبكيت، والقطر المصري "التي كان يصدرها أحمد حلمي" وغيرها كانت تتسلسل أرقام صفحاتها من نهاية آخر صفحات العدد إلى بداية العدد التالي، على اعتبار أنها تكون في مجموعها كتابا واحدا متصلا. فلم يكن غريبا إذن أن يكون إخراج هذه الصحف الأولى مماثلا تماما لإخراج الكتب من حيث التبويب ونظام الأعمدة والصفحة الأولى أو الغلاف. وقد دأب المخرج الصحفي على وضع محتويات الصحيفة داخل إطار أسود أن نصف أسود أو ثلث وثلثين أو مزخرف أو مزدوج. وكان المحرر يستعمل عبارات للتقديم أو الافتتاح كالتي تستعمل في الكتب تماما، فهو يبدأ باسم الله الرحمن الرحيم أو بكلمة "تمهيد" أو "مقدمة" أو "استفتاح"1 غيرها.
وكانت هذه الصحف التي صدرت في القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين تستخدم الحروف الكبيرة في الطباعة؛ إذ يتراوح حجم الحرف بين ستة عشر وأربعة وعشرين بنطا لصلب المادة الصحفية، وستة وثلاثين بنطا للعنوان. ويتضح من ذلك مرة أخرى أن هذه الحروف هي التي تستعمل أيضا في طباعة الكتب. ولم يكن هناك أي تنوع في أحجام الحروف كالذي نشاهده في الصحافة الحديثة، وكانت الموضوعات ترتب ترتيبا مسلسلا دون تقديم أو تأخير، وهذا هو طابع الكتب. 









مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید