المنشورات

توزيع المواد على الصفحات:

وقد رأينا أن الإخراج الصحفي قد تطور من مفهومه القديم للصحيفة ككتاب إلى المفهوم الجديد الذي يعتبر الصحافة فنا مستقلا قائما بنفسه له قواعده وأصوله. فبعد أن تحرر فن الإخراج الصحفي من قيود الأعمدة وأغلال الخطوط الرأسية، أصبحت عمليات الإخراج من العمليات الفنية التي تعتمد على الدراسات المختلفة في الفن التشكيلي وعلم النفس لدراسة نفسية القراء، وعلم وظائف الأعضاء لدراسة عملية الإبصار وعوائق القراءة. فكأن الحرية الجديدة التي أحرزها فن الإخراج الصحفي -شأن كل حرية جديدة- كانت تنطوي على مسئوليات خطيرة. فقديما كان المخرج الصحفي يملأ الأعمدة المحددة. أما الآن فقد أصبحت الصفحة الخالية كلوحة الفنان تتطلب دراية ومرانا وذوقا لكي توزع عليها المواد توزيعا فنيا جذابا.
وإذا كانت الصحف القديمة قد دأبت على تخصيص الصفحة الأولى للمقالات والصفحة الأخيرة للإعلانات والصفحات الداخلية للأخبار المختلفة، فإن قليلا من الصحف الحديثة تتبع هذا الأسلوب، فالصفحة الأولى قد أصبحت بمثابة الواجهة أو اللافتة التي تجذب الأنظار، وتحاول الصحف الحديثة نشر أهم أخبارها في هذه الصفحة، ولا ترى الصحف الشعبية حرجا في تقديم الأخبار الخفيفة والطريفة في الصفحة الأولى مدعمة بالصور الخلابة والعناوين الجذابة.
والواقع أن توزيع المواد على الصفحات المختلفة يعبر تعبيرا صادقا عن شخصية الصحيفة وطابعها العام. فلا بأس عند بعض الصحف، مثلا، من نشر أخبار الجريمة وأنباء الحب والزواج والطلاق وصور الممثلات في الصفحة الأولى، وخاصة تلك الصحف النصفية الشعبية المثيرة كصحيفة "بلت" الألمانية وصحيفة "ديلي ميرور" الإنجليزية وصحيفة "ديلي نيوز" الأمريكية، وهي صحف توزع بالملايين. ولكن صحفا أخرى تفضل أن تنشر في هذه الصفحة أهم الأخبار ذات المغزى والتي تترتب علهيا نتائج خطيرة كأنباء السياسة الدولية والتطورات الاقتصادية والاختراعات العلمية والأخبار الداخلية الهامة وما شاكل ذلك.
ويراعي المخرج الصحفي دائما أن الصحيفة يقرؤها أفراد الأسرة جميعا فلا يضع الأخبار التي يهتم بها النساء في نفس الصفحة التي تحتوي على أخبار تهم الرجال. فباب الرياضة وصفحة المرأة لا يقعان في مكان واحد، حتى إذا أخد الوالد أو أحد الأبناء ورقة من الصحيفة ليقرأ موضوعا سياسيا أو رياضيا، فإن الأم أو الابنة تستطيع أن تقرأ القصة أو الأخبار الاجتماعية أو صفحة المرأة في ورقة أخرى، ويحاول المخرج الصحفي أن يحقق لهم ذلك.
ويلاحظ أيضا أن الصحف الرفيعة تنشر في صفحاتها الأولى أخبارا طويلة جادة؛ لأن قراءها متجانسون وهم غالبا من المثقفين الذين لهم جلد على قراءة الأخبار الجادة الطويلة، أما الصحف الشعبية التي تحاول اجتذاب أنصاف المتعلمين وغيرهم، فإنها تعرض الأخبار القصيرة المشوقة في الصفحة الأولى، حتى لا يضيق بها القارئ أو يمل فينصرف عنها إلى غيرها. وتعمد الصحافة الشعبية إلى الإكثار من الصور والرسوم تشويقا للقارئ، بينما نقل هذه الصور في الصحف الرفيعة. ويمكن القول بوجه عام أن الصحافة الشعبية الحديثة تحاول عرض أكثر عدد ممكن من أطراف الأخبار وأغربها في الصفحة الأولى، مع إحالة القارئ إلى الصفحات الداخلية لقراءة البقايا.
وعندما يعد سكرتير التحرير الفني خطة الإخراج في الصحافة الحديثة نجد أنه يدخل في اعتباره عدة عوامل متشابكة أهمها عقلية القارئ ونفسيته، وسلوكه البصري أثناء القراءة، بالإضافة إلى تكوين الصفحات تكوينا فنيا جميلا يوضح الأخبار ويجذب الأقطار. فمما لا شك فيه أن للصحيفة مقوماتها الاقتصادية التي لا بد من العناية بها حتى تتمكن من أداء رسالتها الإعلامية والثقافية والاجتماعية. وما دامت هناك عدة صحف تتنافس لكسب ود القارئ واجتذابه بشتى السبل، فلا بد من العناية بكافة الدراسات والأساليب الفنية التي تؤدي إلى جمال العرض، وسهولة القراءة، وفن التنسيق، وعرض الأخبار والمعلومات بترتيب منطقي وفقا لأهميتها النسبية، مع مراعاة سياسة الصحيفة وميول القراء، وذلك فضلا عن المحافظة على شخصية الصحيفة وجاذبيتها. 












مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید