المنشورات
المخرج الصحفي وواجباته:
ولذلك فإن المخرج لم يعد مجرد طابع متمرس على فن الطباعة، وإنما هو شخص مثقف ثقافة عميقة ومتنوعة في فنون العرض والتشكيل وعلوم النفس والاجتماع ووظائف الأعضاء جميعا. وقد رأينا أن المخرج الصحفي لا بد وأن يعرف مضمون الأخبار والمقالات والتحقيقات والموضوعات المختلفة ويختار لها ما يناسبها من الشكل الطباعي والإخراجي المناسب لها. ومع أن رئيس التحرير هو المسئول الأول عن كل ما يصدر في صحيفته، فإنه لا يستطيع أن يفعل كل شيء بمفرده، وخاصة بعد أن أصبح الفن الصحفي متشعب الفروع ويتطلب تخصصا في كل فرع، ولذلك فإن مهمة الإخراج توكل عادة إلى أحد سكرتيري التحرير المتخصصين في هذه الفن.
والمخرج الصحفي هو حلقة الاتصال بين أقسام التحرير من جهة وأقسام الطباعة من جهة أخرى، وعليه أن يتذوق الأخبار حتى يضع كل خبر في مكانه اللائق به وإخراجه بالطريقة التي تناسبه. وما دام النشاط الصحفي في جوهره سباقا مع الزمن؛ لأن القطارات والطائرات لا يمكن أن تنتظر الصحف المتأخرة، فلا بد أن يتقن المخرج الصحفي فن الإدارة حتى يتم كل شيء في موعده المحدد تماما، ومع حرصه الشديد على إعطاء القارئ أكبر قدر من الأخبار والمعلومات، فإنه لا ينسى أن يضعها في إطار جميل جذاب، يغري الناس بالقراءة واليسيرة السهلة، والفهم القائم على التبسيط المدروس.
وإذا كانت الصحف الكبيرة تخصص مخرجا صحفيا للإشراف على تحويل الأصول الخطية إلى مواد طباعية ثم عرضها وتنسيقها وفقا للأصول الفنية المرعية، فإن الصحف الصغيرة تسند هذه المهمة إلى سكرتير التحرير المركزي، الذي يقوم بمراجعة الأصول وإخراجها. وفي بعض الصحف، نجد أن المحرر يتعاون مع المخرج الصحفي في تصميم الصفحات، والإشراف على تنفيذها، فصفحة المرأة، وصفحة الجامعات، والصفحة الرياضية، وصفحة الأطفال، وصفحة الفنون، وصفحة الأدب، وغيرها من صفحات الأخبار السياسية الخارجية والداخلية والاقتصادية وغيرها، يشترك في إخراجها المحررون المتخصصون على اعتبار أنهم يعاونون في اختيار الشكل الأنسب للتعبير عن المضمون.
وعندما ترد الأصول والصور والرسوم إلى مكتب المخرج الصحفي يقوم بتوزيعها على أقسام الجمع والحفر لصناعة أسطر الحروف والأنماط "الكليشيهات"، فيتولى رئيس أقسام الجمع الآلي توزيع الأصول في شكل تعيينات متساوية على العمال، يقوم كل عامل بجمع الجزء المنوط به على آلته في الحال، سواء بتحريك المفاتيح لسبك الحروف مباشرة، أو عن طريق تثقيب الشريط وإعداده للعمل في وحده السبك الآلي. وقد يستخدم العقل الإلكتروني في هذه المرحلة الأخيرة. وفي نفس الوقت يرسل المخرج الصحفي الصور والرسوم والخطوط إلى أقسام الحفر لتصويرها وحفرها كيمائيا على ألواح الزنك أو النحاس، أو باستخدام أجهزة الحفر الإلكتروني "الكليشوجراف" على ألواح النولار1 "وهو مادة تشبه البلاستيك"، ويقوم قسم التصحيح بعمل التجارب2 وتصويب الأخطاء المطبعية.
ويقوم المخرج الصحفي بتوزيع المواد على الصفحات وفقا للأصول الفنية التي سنشرحها فيما بعد، وبعد ذلك على نماذج تمثل الصفحات الحقيقية بحجمها الطبيعي أو بحجم مصغر. ويبدأ عادة بتوزيع الإعلانات الواردة إليه من أقسام الإعلانات ثم المواد الثابتة كالمقالات والتحقيقات والأركان المنوعة على مختلف الصفحات, ولا شك أنه يفعل ذلك بناء على سياسة الصحيفة الإخراجية، ومبادئ فن الإخراج، إلى جانب خبرته الطويلة. وتنقسم النماذج إلى أعمدة عليها وحدات قياس طولية مرتبة ترتيبا تصاعديا في جانب وتنازليا في جانب آخر، حتى يسهل على المخرج قياس المواد بدقة، وخاصة الإعلانات التي تحسب بالسنتيمتر، وتتقاضى عنها الصحف مبالغ باهظة تمثل الإيرادات الرئيسية لها.
ولا بد كذلك من إعداد خطة الإخراج واضحة على النماذج المخططة حتى يستطيع العمال أن يتعاونوا بسهولة في التنفيذ، فخطة الإخراج الصحفي تشبه إلى حد كبير خطة المهندس المعماري التي ينبغي أن تتم قبل تنفيذ عملية النباء. وفن الإخراج الصحفي هو عملية تخطيط صفحات الجريدة أو المجلة وتوزيع مواد التحرير من أخبار ومقالات وصور ورسوم وعناوين على هذه الصفحات وذلك بناء على الأسس الفنية والنفسية والصحفية في مراعاة ميول القراء وطبيعتهم البصرية والعقلية. على أن يكون ذلك كله منسجما مع سياسة الصحيفة في التحرير والإخراج معا.
كما يشرف المخرج الصحفي بنفسه على تنفيذ الصفحات وقفل الأطواق وإعدادها للكبس على الورق الكرتون المكون من طبقات رقيقة من الوق والسيلولوز "لفلان"1 ثم سبك الصفحات بالرصاص المصهور على شكل نصف أسطوانة، وتركب هذه الأشكال الأسطوانية على محاور آله الطبع الدوراة "روتاتيف"2 التي تدور بسرعة فائقة، وتزود بالحبر عن طريق مضخات خاصة، فيخرج الورق من النهاية الأخرى للمطبعة بعد مروره بين محاور الطبع كاملا ملونا بل مطويا في صورة معدة للتوزيع على القراء.
وهكذا يتضح لنا أن المخرج الصحفي لا بد وأن يملك حاسة قوية لتقويم الأخبار وتقدير أهميتها، ومن ثم تحديد مكانها في الصحيفة، وذلك وفقا للسياسية الإخراجية، وتحت إشراف رئيس التحرير المسئول، كما يمتاز بخبرة واسعة بعمليات الإنتاج الصحفي من تحرير ومراجعة وجمع وحفر وطبع وغير ذلك، فضلا عن ذوق فني أصيل تعززه دراسات في الفنون عامة وفي الإخراج الصحفي خاصة، مع معرفة تامة بميول القراء ووسائل التأثير النفسي، وتحقيق أعلى مستوى من الانقرائية1، أي يسر القراءة وسهولتها.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)