المنشورات

تطور فن الإخراج الصحفي:

وتعد سنة 1931 مفترق الطرق في تاريخ فن الإخراج الصحفي في مصر. فمنذ تلك السنة أخذت الصحف تعنى عناية فائقة بالتبويب والإخراج المدروس على أسس مقصودة لتيسير القراءة واجتذاب القارئ. وأخذ المقال يفقد مكانته العظيمة التي كان يحتلها في صدر الصفحة الأولى، وتبوأت الأخبار الهامة مركز الصدارة بدلا من المقال، وأصبح من تقاليد الصحافة المصرية أن توضع أخبار الدولة والأخبار الداخلية وأخبار المجتمع في صفحتي القلب، كما خصصت الصفحة الثانية للأخبار الخارجية، والصفحة الأخيرة للقصة الأدبية أو القصائد الشعرية أو الأركان المنوعة أو اليوميات أو الصور. ووزعت التحقيقات والأحاديث على الصحفة الثالثة وغيرها.
ثم تتطور وظائف الفن الصحفي وتزيد أبواب الصحف، وتنشأ الأركان الجديدة كالآداب والفنون والعلوم، وتخصص صفحات للرياضة والمرأة والتجارة والمال، وتعنى الصحف بالتحقيقات والإحصاءات وتفرد لها أماكن بارزة. ويزيد عدد صفحات الجريدة حتى يبلغ عشرين صفحة قبيل الحرب العالمية الثانية، وتصدر الصحف أعداد خاصة تحتوي على 64 صفحة كعدد الأهرام الزراعي "15 مايو سنة 1935" وعدد الأهرام الصناعي "4 إبريل سنة 1936". 

وتحتل الصور والخرائط أماكن كبيرة بارزة في معظم صفحات الجرائد، وتخصص صفحات بعينها للصور الإخبارية.
وقد تأثر الإخراج الصحفي بالحرب العالمية الثانية، عندما نقص الورق وتوقف استيراد الحروف والآلات، وقلت الإعلانات، فتغيرت أساليب العرض، واختصرت الأبواب المختلفة، وألغيت التحقيقات المطولة. ومع ذلك فقد بذلت الصحف جهدا مشكورا للاحتفاظ بالمستوى الأخباري للصحافة، وأصبح من الضروري زيادة عدد السطور في الأعمدة، والإيجاز في تدوين الأخبار، وتلخيص البيانات والخطب تلخيصا وافيا لا يخل بمضمونها، واستلزم الأمر أيضا أن تتمسك الصحف بالبنط الصغير وهو البنط 9.
وقد كانت هذه الحقبة الصعبة ذات أثر بالغ في توجيه الفن الصحفي تحريرا وإخراجا وجهة جديدية، فأصبح الإيجاز والسرعة التي تعكس إيقاع الحياة الحديثة من أهم معالم الأسلوب الصحفي. وحتى بعد انتعاش الصحافة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ظلت الموضوعات القصيرة، والأسلوب التلغرافي، والتعبير بالرسم والصورة والخريطة، هو جوهر الفن الصحفي الجديد حتى بعد أن بلغت صفحات الجريدة اليومية 92 صفحة في فبراير سنة 1949.
أما الإعلانات -وهي مصدر الإيرادات الأول للصحيفة- فإنها توزع على الصفحات توزيعا دقيقا وفقا لسياسة الصحيفة الإخراجية. فقد تلامس الإعلانات جوانب من مواد التحرير؛ لأن الإعلانات تستمد قيمتها من الإطار التحريري للمواد الصحفية، أو أنها قد تنشر في صفحات مستقلة، مما ييسر طبع نسخ من هذه الإعلانات وتوزيعها بمفردها. وتنتهج بعض الصحف سياسة إخراجية خاصة تقضي بنشر إعلانات الرياضة في صفحة الرياضة، وإعلانات السينما في صفحة الفن، وإعلانات الأزياء في صفحة المرأة، وهكذا تنشر الإعلانات في الصفحات المتصلة بموضوعاتها. وقد كان ذلك ميسرا في وقت الرخاء عندما كانت الجريدة تحتوي على ست عشرة أو عشرين صفحة، وحين كانت الأركان المختلفة والأبواب تنشر كل يوم. أما في ظروف التقشف الاقتصادي فلا تظهر الأبواب إلا مرة في كل أسبوع بوجه عام، ولذلك يتعذر تخصيص الإعلانات لكل صفحة من الصفحات على أساس الموضوعات المتصلة بها.
وإذا كان من حق المعلن أن تظهر إعلاناته في أماكن ملفتة للأنظار لكي تنجح رسالته الإعلانية، فإن من حق الصحيفة أيضا أن تتقاضى أجورا تتناسب مع أهمية المكان الذي يحتله الإعلان، فإذا نشر إعلان في صحيفة إلى جوار عمود يكتبه صحفي لامع، كان من حقها أن تتقاضى أجرا ممتازا. وهناك صفحات ملفتة للأنظار بطبيعتها كالصفحة الأولى والصفحة الأخيرة، وصفحتي القلب مثلا. وتتقاضى الصحف أثمانا خاصة لنشر الإعلانات في هذه الصفحات. 











مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید