المنشورات

فن إخراج المقالات والتحقيقات:

ويعتبر إخراج المقالات من أهم المشكلات التي توجه المخرج الصحفي في العصر الحديث؛ لأن اهتمام القارئ قد انتقل من المقالات إلى الأخبار. فقديما كانت الصحف أدوات للتعبير عن الرأي، وكانت المقالات أهم عناصر الصحيفة، في فترة عرفت في تاريخ الصحافة العالمية بالصحافة الشخصية، لأن كتاب المقالات كانوا من كبار الشخصيات الذين عبروا عن آرائهم. ثم تتطور الصحافة ويطغى الخبر على المقال، وتندثر الصحافة الشخصية، ويبدأ عصر المؤسسات الصحفية الكبيرة كأجهزة ضخمة غير شخصية، ويقفز الخبر إلى الصفحات الأولى ومعه الإعلان والصور، ويجد المخرج الصحفي نفسه مواجها بمشكلة انصراف الناس عن قراءة الموضوعات والمقالات، وهو مطالب مع غيره من الصحفيين المثقفين الذين يدركون عظم المسئولية الملقاة على عواتقهم إلى التفكير في إعادة التوازن بين الخبر والعناصر الثقافية الأخرى.
ومما لا شك فيه أن الإخراج السيئ المنفر يعقد المشكلة ويزيد من انصراف الناس عن قراءة المقالات والتعليقات. وقد اتجهت عناية الصحفيين أخيرا إلى إخراج المقالات الافتتاحية إخراجا جذابا، فتجمع الأسطر على عرض عمودين أو عمودين ونصف على الأقل، وبذلك يبدو المقال قصيرا غير مسرف في الطول، ويحسن استعمال حروف من بنط 12 مثلا مع وضع رقائق بين الأسطر. ومن وسائل الترغيب أيضا وضع الكاريكاتور الجذاب، وخطابات القراء "إلى المحرر" في نفس الصحفة. وذلك لأنها عناصر مشوقة للقراء. والواقع أن عزوف الناس عن قراءة المقالات والموضوعات الثقافية مشكلة خطيرة لا يمكن أن يحلها المخرج الصحفي وحده. فالمحرر نفسه يحمل نصيبا كبيرا من المسئولية، ولا يستطيع أي مخرج صحفي أن يخلق من مقال فاشل مقالا ناجحا. ومع ذلك فقد أثبتت التجارب العلمية التي أجراها روبرت راند1 بمعهد ميديل للصحافة أن الإخراج الجيد يزيد عدد قراء المقالات الافتتاحية بنسبة 10.1%. 

وتعنى الصحافة الحديثة أيضا بإخراج التحقيقات الصحفية المصورة إخراجا بديعا، ويقبل القراء عليها إقبالا يعوض انصرافهم عن المقالات. ولا شك أن إقبال القراء على التحقيقات راجع إلى بساطة العرض، واعتماد الصحفيين على أحاديث المسئولين والخبراء، فضلا عن الإحصاءات الحية وأساليب العرض الواقعية. كما تعتبر الصور والرسوم والألوان، والفقرات الخفيفة الممتعة، والعناوين الفرعية الجذابة. والفراغات البيضاء بين الفقرات، والجرأة في استخدام الإخراج الأفقي على عرض الصفحات المتقابلة، والاستفادة من ألوان الطباعة الحديثة وفنونها، ومن أهم العوامل التي تجذب القراء إلى الاطلاع على التحقيقات. وقد تأثر كتاب المقال الصحفي تأثرا كبيرا بأسلوب التحقيقات، حتى أصبح المقال الحديث مبنيا على تحليل الحقائق، وعرض المعلومات الواقعية بعيدا عن المبالغة أو التأثير الأدبي بالألفاظ.
ويحسن أن نختتم هذا الباب بطائفة من الإشارات العامة بالنسبة للإخراج الحديث:
1- لا بد من وضع عنوان أو صورة في أعلى العمود، وقد يتعذر ذلك في بعض الأحيان، ولكن المخرج الفنان يضن بترك رأس العمود خاليا.
2- لا تضع الصور والإطارات بجوار الإعلانات؛ لأن الصورة قد تقتل الإعلان لجاذبيتها، أما الإطار فقد يبدو امتدادا للإعلان.
3- تجنب وضع أية صورة أو عنوان على خط الطي.
4- تفضل بعض الصحف ألا تكون الصورة في الأعمدة الخارجية التي تقع على حافة الصفحة، ومن المستحسن أن تكون في العمود الثاني إلى الداخل على أقل تقدير.
5- لا ينبغي الإسراف في استعمال العناوين المنتشرة "المانشيت" في الصفحات الداخلية، إلا في الأحوال التي تتطلب ذلك، كأن تخصص لخطاب رئيس الجمهورية، أو خطاب العرش، أو بيان هام، أو تصريح دولي، أو تقرير سياسي خطير. 

6- تجنب تكديس الصفحات بأسطر الحروف، ويستحسن تخفيفها بالصور أو العناوين الفرعية التي يجب أن تظهر بين الفقرات تيسيرا للقراءة.
7- أن المبالغة في ملء الصفحة بالعناوين السوداء الداكنة المتعددة تؤدي إلى تشتيت الانتباه، كما أن المبالغة في تخفيف العناوين تجعل الصفحات باهتة منفرة، قليلة الجاذبية.
8- من الأخطاء الشائعة إنهاء العمود بنهاية الفقرة؛ لأن هذه النهاية ربما توحي للقارئ خطأ أن هذه الموضوع قد انتهى. فعند إتمام عمود ببقية عمود آخر، يحرص المخرج الصحفي على الاحتفاظ بسطرين أو ثلاثة. أما الاكتفاء بالبقية منفصلة في وحدة منعزلة دون رابط، فقد تؤدي إلى إهمال القارئ لها، ولذلك فإنها تسمى -على سبيل السخرية- "بالأرملة"، أو "البقية اليتيمة".
9- لا يجوز إكمال موضوع من عمود إلى عمود آخر إلا إذا كان العنوان على عرض عمودين أو ثلاثة ولا يجوز أن تكون البقية في مستوى أعلى من العنوان في العمود السابق. فمن الخطأ أن يكون العنوان في منتصف عمود ثم تأتي البقية في رأس العمود التالي. ويجب أن تكون البقية قريبة ومتصلة بالموضوع في العمود الأول، ويحدث أحيانا عند اتباع أسلوب نصفي الهرم في إخراج الإعلانات أن يبدأ الموضوع في العمود الأول إلى أن يصل إلى الإعلان، ثم يكمل هذا الموضوع في أسفل العمود التالي، تحت مستوى الإعلان الأول، فيحتار القارئ ولا يستطيع العثور على هذه البقية، فيتركها يائسا.
10- يجب تنسيق السياسة الإخراجية في سائر الصفحات، وخاصة إذا كان لكل صفحة سكرتير أو مخرج صحفي خاص بها، وذلك حتى لا تتكرر الموضوعات أو تتعارض، ولكي تنسجم جميع الصفحات من الناحية الفنية والإخراجية. 











مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید