المنشورات

فن التصوير الصحفي

لقد أصبح الفن الصحفي الحديث فنا بصريا يعتمد على الصور والرسوم والخرائط، كما أصبحت الصورة تلعب دورا أساسيا في تحقيق أهداف الصحافة، في عصر تسوده لغة بصرية جديدة نشأت -بالضرورة- نتيجة للتفوق الهائل في فن السينما والتقدم الرائع في فن التليفزيون. ومع أن الصور قد استخدمت في الصحف منذ أكثر من قرن، فإن التوسع الكبير في استخدامها خلال السنوات الأخيرة كان أبلغ أثرا على الصحافة منه في أي وقت مضى. فحتى العقد الرابع من هذا القرن، لم تكن الصحف تحمل أكثر من صورة أو صورتين على صفحتها الأولى. وأكثر من عشرة صور في بقية صفحاتها، وكانت الصور في معظمها تتسم بالجمود والتصنع. أما الآن فإن التغير قد أصاب عدد الصور وحجمها وطبيعتها.
لقد زاد عدد الصور، وخصصت لها صفحات كاملة، وأصبحت اللقطات الجديدة لموضوعات حية، وذلك بفضل ابتكار حاجب الضوء الأسرع حركة والفيلم الأنعم جزئيات والعدسات الأنقى خامة. ثم واكب ذلك تقدم سريع في فن صناعة الأنماط "الكليشيهات" وكذلك في طرق نقل الصور بسرعة مذهلة سلكيا ولاسلكيا. ومرة أخرى نجد أن ظهور الصحافة الشعبية زهيدة الثمن حوالي سنة 1830، وانفراج أزمة الورق بعد اختراع آلة فوردرنييه1 التي تنتج الورق في صورة لغات كبيرة متصلة لا حد لطولها، وإقبال القراء على الصحافة الجديدة المصورة، ونجاح المجلات الجديدة في اجتذاب القراء، كل هذه العوامل قد تفاعلت لإنتاج الفن الصحفي المصور.
ولقد عرف الإنسان قيمة الصورة منذ فجر التاريخ، عندما سجل أنباء انتصاراته على جدران الكهوف والمغامرات في حياته البدائية. ولعل الحكيم الصيني كونفوشيوس1 هو الذي قال: إن الألف كلمة لا يمكن أن تتحدث ببلاغة كما تتحدث صورة واحدة. غير أن المربي المورافي كومنيوس2 هو الذي اكتشف أهمية الصورة كوسيلة للإعلام والإيضاح والإقناع وذلك سنة 1587. ومنذ ذلك الحين أخذت جهود العلماء والفنانين تتضافر في شتى أقطار العالم لمعرفة فن التصوير وطرق طبع الصور ونقلها بسرعة ودقة وسهولة.
وقد اكتشف إقليدس اليوناني سنة 350 قبل الميلاد أن الضوء يسير في خطوط مستقيمة، ولم يفت أرسطو ملاحظة أشعة الشمس وهي تنعكس على سطح الأرض بقعا ضوئية مستديرة بعد مرورها خلال الفتحات بين أوراق الأشجار، ويقال إنه قد عن له أن يأتي بورقة من البردي تلقى على صفحتها تلك البقع الضوئية المستديرة، ولاحظ أن حجم تلك البقع يختلف باختلاف المسافات بين الفتحات وورقة البردي. غير أن العرب هم الرواد الأوائل في علم الضوء ودراسة العدسات، ويعد الحسن بن الهيثم من أشهر علماء الضوء الذين احتفى الغرب ببحوثهم وساروا على منهجهم. وفي سنة 1276 تحدث روجر بيكون3 -وهو عالم إنجليزي أعجب بالعرب وتأثر بكتاباتهم- عن جهاز بصري ذي مرآة، يعده البعض إرهاصا بظهور آلة التصوير، لولا أن حديثه جاء غامضا.
وقد أجرى ليوناردو دافنشي4 تجارب عديدة على الصندوق المظلم، بيد أن التاريخ يشير إلى رجل آخر ويمنحه فضل اختراع آلة التصوير، وهذا الرجل هو جان بابتيست بورتا5 وهو إيطالي من مدينة نابولي نشر كتابا له سنة 1553 وهو لا يزال في الخامسة عشرة من عمره أسماه "السحر الطبيعي" وفيه يصف لنا بعض خواص الصندوق المظلم وتطبيقاته في فن التصوير الضوئي. ويرجع إلى دانييلا بربارو1 فضل استخدام العدسة المحدبة بدلا من الثقب، كما أوضح لنا قيمة استخدام العدسة البسيطة مع استعمال فتحة ضيقة، وذلك في كتابه "ممارسة المنظور"2.
ثم تطور فن التصوير على يد عالم فلكي يدعى يوهان كيبلر، استطاع أن يضيف معلومات كثيرة إلى ما اكتشفه بربارو من قبل، وقد نشر هذه المعلومات في كتاب له صدر سنة 1611 وفسر فيه عمل العدسات البسيطة والعدسات المركبة. 











مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید