المنشورات

اكتشاف السطوح الحساسة والأفلام:

غير أن فن التصوير هو فن تدويني أصلا، يقوم فيه المصور بتسجيل ما يراه على سطح حساس للضوء. فبينما كان فريق من العلماء يبحث في تقدم صناعة العدسات وأساليب تحسينها، كان فريق آخر يبحث وسائل تسجيل الصور على سطوح حساسة. لذلك نجد أن معظم الباحثين في فن التصوير كانوا يولون اهتماما كبيرا إلى الدراسات الكيمائية وخاصة مادة نترات الفضة التي أخذوا يدرسون خواصها منذ القرن السادس عشر حتى وصلوا إلى خاصية تأثرها بضوء الشمس واكتسابها اللون القاتم. ومن هؤلاء العلماء يوهان شولز1 الذي أجرى تجاربه سنة 1721، وكارل وليم شيل2 وهو عالم سويدي اكتشف أن الأشعة البنفسجية والزرقاء أسرع تأثيرا من الأشعة الحمراء على أملاح الفضة الحساسة مثل نترات الفضة أو كلوريد الفضة، وذلك سنة 1771.
وقد أسهم العالم الإنجليزي توماس ويدجود3 في أبحاث نترات الفضة أيضا في عام 1802، واهتدى العالم ديفي في عام 1818 إلى أن أملاح كلوريد الفضة أشد حساسية من أملاح نترات الفضة وبذلك تكون أكثر تأثرا بالضوء إلى أن حالف الحظ العالم الإنجليزي السير جون هيرشيل1 في التوصل إلى اكتشاف مادة كيمائية خاصة هو صوديوم ثيوسلفيت2 ويطلق عليها هيبوسلفيت الصوديوم، وهو ملح يذيب أملاح الفضة مثل كلوريد الفضة ونترات الفضة التي لا تتأثر بالضوء، وبذلك يمكن تثبيت الصورة وحفظها من الزوال، وتم ذلك سنة 1819.
ثم انصرف اهتمام العلماء بعد ذلك إلى ميدان آخر من ميادين فن التصوير وهو كيفية الحصول على مواد حساسة مختلفة تصلح لتسجيل صور ثابتة، واستطاع الكيمائي الألماني كريستيان فريدريش شوينباين3 أن يذيب القطن في الكحول والأتير للحصول على الكلوديون الرطب الذي يعتبر أساس صناعة الأفلام، وخاصة في ذلك الوقت، كما يستخدم حتى الآن في الصحف لإنتاج أسطح حساسة لالتقاط صور الكليشيهات عليها. وجاء من بعده العالم فريدريك أسكوت آرشر4 الذي اكتشف في عام 1815 أن إضافة اليود والبوتاسيوم إلى الكلوديون الرطب يجعل السطح الحساس المغطى بنترات الفضة أكثر حساسية ويساعد على إنهاء عملية التثبيت في غضون بضع دقائق.
بيد أن أشهر التجارب في عالم التصوير هي تلك التي قام بها العالمان الفرنسيان نيبس5 وداجير6 للحصول على طبقات حساسة للضوء، وذلك ابتداء من سنة 1829. ومن هذه التجارب مثلا طلاء لوح من النحاس بطبقة من الأسفلت ثم لصق ورقة شفافة مرسوم عليها صورة ثم تعريضهما معا لضوء الشمس حتى يتصلب الأسفلت المعرض للضوء، بينما تظل الأجزاء الباقية تحت الخطوط المعتمة كما هي أي أنها لا تتصلب وتبقى قابلة للذوبان في محلول خاص. واستطاع ليبس أن يزيل الأسفلت المتصلب، ويحفر اللوح النحاس بحامض النيتريك فتبقى الخطوط واضحة عميقة مما يسهل تحبيرها بأي حبر، ومن ثم يتيسر طباعة أي عدد من النسخ من هذا اللوح، وقد أطلق على هذه الطريقة اسم طريقة الحفر الشمسي1، ولكنها كانت غير عملية لأن الأسفلت بطبيعته لا يمتاز بالحساسية الكافية إلى الدرجة المطلوبة.
وبعد وفاة العالم نيبس في عام 1833، واصل داجير إجراء أبحاثه وتجاربه حتى عثر في النهاية على سر جديد هو أن أبخرة الزئبق تسبب في إظهار الصورة المختفية على اللوح الحساس، وتسمى هذه الطريقة باسم ألواح الفضة واليود2. وفي 19 أغسطس سنة 1839 أمام أراجو اللثام عن أسرار فن التصوير الضوئي أمام أعضاء أكاديمية العلوم وأكاديمية الفنون الجميلة فسر لهم طريقة التصوير المسماة داجيروتيت. وأجريت التجارب باستخدام القار "الأسفلت" ومادة اليود مع الاستعانة بالزيت العطري3 كما استخدمت بعض الدعامات الزجاجية لطلائها بتلك المادة الحساسة. وقد أثار هذا الاختراع الجديد اهتمام الرأي العام في ذلك العصر وأصبح حديث الناس، واهتمت الصحف بأخباره. من ذلك مثلا ما نشرته صحيفة جورنال دي ديبا4 في عددها الصادر يوم الثلاثاء 20 أغسطس سنة 1839 أي اليوم التالي لعرض هذا الاختراع في الأكاديمية تقول: "إننا نؤكد أن هذا الاختراع الجديد يتفوق على كثير من الاختراعات التي تمت حتى الآن والتي يمكن أن يتصورها العقل البشري". ومن الطريف أن بعض الصحف أخذت تتحدث عن هذا الاختراع حديثا غامضا عجيبا حتى اعتبرته من عمل الجن أو الشياطين.
وفي الوقت الذي ذاع فيه صيت داجير وفضله في فرنسا حوالي سنة 1839، كان هناك عالم إنجليزي يدعى وليم هنري فوركس تالبوت5 يجري تجاربه للحصول على طرق جديدة لطباعة الصور على ورق أبيض مغطى بطبقة من أملاح كلوريد الفضة وأيوديد الفضة، وقد نجح هذا العالم في اكتشاف أول طريقة للحصول على صور إيجاببة تطبع من سالبية ورقية. ويلاحظ أن هذه خطوة جديدة لم يسبق لها مثيل في عالم التصوير؛ لأن صور داجير السابقة لم تكن إلا إيجابيات مباشرة يتعذر الحصول منها على نسخ متعددة، في حين أن تالبوت استطاع تحويل الصور المطبوعة على الورق المغطى بأملاح الفضة الحساسة إلى سالبية وذلك بطريقة العكس1، أي تحويل الأبيض إلى أسود، ولعلها تشبه السالبية التي نشاهدها اليوم، وذلك باستخدام مادة كيميائية خاصة تمنع تأثير الضوء على المادة الحساسة بعد نزعها من فوق اللوح المطلي، وبذلك أمكنه الاحتفاظ بالصورة المطبوعة على الورقة الحساسة. 











مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید