المنشورات

إنتاج الأنماط الملساء:

وإذا كانت عمليات إنتاج الأنماط البارزة والغائرة قد عرضت منذ القرن الخامس عشر، فإن الطباعة الملساء لم تعرف إلا في أواخر القرن الثامن عشر، وهي لذلك تعد أحدث الطرق المعروفة لإنتاج الأنماط. ويرجع الفضل في ابتكارها إلى الممثل والكاتب المسرحي سنفلدر1 الذى اكتشف طباعة الليثوجراف2 "أي الطباعة على الحجر" في بافاريا سنة 1798 3. وفي سنة 1895، أمكن استعمال ألواح المعدن بدلا من الحجر، وجربت خامات مختلفة كان أكثرها نجاحًا الزنك والألمونيوم. وأخيرا استعمل النحاس المغطى بقشرة من النيكل أو الكروم. وفي سنة 1906، ظهرت طريقة الأوفست لطباعة الأنماط الملساء. وبفضل هذه الطريقة الحديثة أمكن استعمال أسطوانة مغلفة بالمطاط تنقل عليها الصورة الطباعية من النمط المعدني إلى الورق. ولا شك أن اختراع هذه الطريقة غير المباشرة لنقل الصورة من السطح المعدني إلى الورق كانت بمثابة ثورة جديدة في عالم الطباعة والإنتاج الصحفي.
وقد أمكن كذلك استخدام آلة التصوير لنقل الصور وطبعها على السطح المعدني. وهكذا تطورت الطباعة الملساء من الطبع اليدوي بالرسم إلى الطبع الآلي بالتصوير الفوتوغرافي. ولا زالت طريقة الرسم باليد على اللوح المعدني مستعملة في إنتاج أنماط الملصقات والإعلانات الكبيرة. وإذا كانت هذه الرسوم ملونة، وجب على المصور أن يعد لوحًا معدنيًَّا لكل لون من الألوان الرئيسية الأربعة وهو بذلك يقوم مقام المرشح في فصل الألوان. ويلاحظ أن المصور يستخدم أقلامًا خاصة ذات تأثير شحمي.
ولطباعة مجموعة من الأصول بالأوفست، يتم إعداد السالبيات بالتصوير الشبكي على الأقلام. وهذا يطبق على الصور فقط، أما الحروف فلا داعي لاستعمال الشبكة في تصويرها. ومن الواضح أن ذلك يختلف عن طباعة الروتوجرافور التي يتحتم فيها تصوير جميع الأصول من صور وحروف تصويرا شبكيا على الجيلاتين الحساس. ثم يأتي بعد ذلك دور التنسيق وضبط الصفحات، فيقوم المخرج الصحفي بتكوين الصحفات، وذلك بتوزيع السالبيات الشبكية والحروف وفقا للتصميم الهيكلي. فكأن هذه المرحلة شديدة الشبه بإعداد الصفحات في الطباعة البارزة، وتكوينها من الأنماط الشبكية والحروف المجموعة باليد أو الآلة ثم ربطها جميعا داخل الأطواق المعدنية، والواقع أن هناك نوعا من الورق الأصفر يعد خصيصا كقاعدة ترتكز عليها مجموعة السالبيات والحروف في الطباعة الملساء، وبذلك تقوم مقام الأطواق في الطباعة البارزة.
وبعد ذلك تأتي عملية تنظيف اللوح المعدني وتحبيبه وتحسيسه. أما التنظيف فهو عبارة عن محو الآثار الطباعية السابقة بدعك اللوح ببودرة الخفاف وغسله بالبوتاسا الكاوية. وأما التحبيب فيتم عن طريق آلات خاصة تتحرك فيها كرات من الزجاج أو الصيني بسرعة تبلغ مائتي ذبذبة في الدقيقة الاهتزازية اللامركزية لسطح الزنك. وأخيرا تأتي خطوة التحسيس أي تحويل الزنك إلى سطح حساس للضوء، وذلك بتغطيته بالمواد المعروفة كالألبومين والبيكرومات، وبذلك يصبح لوح الزنك معدا لاستقبال الآثار الطباعية على سطحه.
ثم يأتي بعد ذلك دور الطبع التصويري على السطح المعدني الحساس، وتتم هذه الخطوة بطريقة الالتصاق التام1 في جهاز خاص لتفريغ الهواء، وهي نفس الطريقة المتبعة للطبع بالالتصاق على الجيلاتين في الروتوجرافور. وعندما يمر الضوء خلال الأجزاء الشفافة من السالبيات، تتصلب الطبقة الحساسة فوق المعدن، وتصبح غير قابلة للذوبان في الماء، بينما تبقى الأجزاء الأخرى غير المتأثرة بالضوء على حالها الأصلي، أي قابلة للذوبان في الماء. وبعد ذلك يرفع اللوح المعدني من جهاز التفريغ، ويدهن جيدا بالحبر الأسود الشحمي، ثم يغسل بالماء، وعنذئذ تذوب أجزاء الطبقة الحساسة "وهي التي تمثل المناطق غير الطباعية من الأصل" وتزول حاملة معها طبقة الحبر التي كانت تغطيها، أما الأجزاء الأخرى التي تصلبت بفعل الضوء "وهي التي تمثل المناطق الطباعية من الأصل" فإنها تبقى ملتصقة باللوح المعدني ومحتفظة بطبقة الحبر على سطحها. وهكذا تتم عملية التحميض أو الإظهار. ويلاحظ أن هذه الصورة المنطبعة على اللون المعدني معتدلة غير مقلوبة، فهي تشبه الأصل تماما، ما عدا لون الأرضية الذي يكون رماديا خفيفا بلون الزنك مثلا. وتعمل الأسطوانة المطاطية في طباعة الأوفست كحلقة الاتصال لنقل الصورة من النمط المعدني إلى الورق. ويلاحظ أن الصورة تكون معتدلة على السطح المعدني فتطبع مقلوبة على المطاط وأخيرا تنقل معتدلة على الورق.
وتبدأ بعد ذلك عملية الحفر. والواقع أن كلمة "حفر" تستعمل تجاوزا في الطباعة الملساء؛ لأن الحامض المخفف الذي يستعمل لا يقوم بعملية حفر بالمعنى المفهوم في كل من الطباعة البارزة والغائرة، وإنما تكون وظيفته الأساسية جعل الأجزاء غير الطباعية من اللوح المعدني عديمة الحساسية للحبر، وإذا حدث بعض التآكل فهو طفيف للغاية. ويدهن اللوح المعدني أيضا بطبقة خاصة من الغراء السيلولوزي لحماية الأجزاء غير الطباعية وجعلها قابلة لاستقبال الماء. وعلى العكس من ذلك يستعمل محلول الأسفلت لتنظيف اللوح المعدني وجعل الأجزاء الطباعية من الصورة كالنقط والحروف والخطوط قابلة لالتقاط الحبر. والمعروف أن طباعة الليتوجراف أو الأوفست قائمة على أساس إعداد سطح واحد تتأثر بعض أجزائه بالحبر الشحمي وتطرد الماء بينما تصبح الأجزاء الأخرى قابلة للماء وطاردة للحبر الشحمي. ومن ثم فإننا نجد أن آلة طباعة الأوفست تتناوب التحبير والترطيب بالماء في كل دورة من دوراتها.
وينبغي أن نشير في ختام دراستنا للأنماط المختلفة أن الخبراء المحدثين يواصلون جهودهم لاكتشاف خامات جديدة تصنع منها المطاط. وقد جربت أنماط البلاستيك والنولار بنجاح لحفر الصور مباشرة عن طريق الإبرة الإلكترونية في جهاز الكليشوجراف، واستعملت أيضا أنماط المطاط، وخاصة المطاط الصناعي، وهناك محاولات ناجحة لإنتاج الأنماط بالترسيب الكهربائي وغير ذلك من الطرق الحديثة التي تهدف إلى السرعة والبساطة والاقتصاد. 











مصادر و المراجع :

١-دراسات في الفن الصحفي

المؤلف: إبراهيم إمام

الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية

تعليقات (0)

الأكثر قراءة

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا … ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد
المزید
فصبرا في مجال الموت صبرا … فما نيل الخلود بمستطاع
المزید
حننت إلى ريّا ونفسك باعدت … مزارك من ريّا وشعباكما معا
المزید
أفاطم مهلا بعض هذا التدلل … وإن كنت قد أزمعت صرمي فأجملي
المزید
إنّ أباها وأبا أباها … قد بلغا في المجد غايتاها
المزید