المنشورات
من التصوير التسجيلي إلى التصوير الصحفي:
ولعل دراستنا لفن التصوير الصحفي هي في الواقع دراسة لظهور الصور الأخبارية أو الصور الإعلامية بوجه عام. فقد تطور فن التصوير من المرحلة الجمالية إلى المرحلة الإعلامية بين سنة 1925 وسنة 1935. وقد رأينا أن فن التصوير كان قد بدأ في الانتشار على نطاق واسع في مدينة باريس سنة 1839، عندما أخذ المصورون يلتقطون صورا فنية جميلة على غرار اللوحات الزيتية أو المائية التي كانت معروفة منذ العصور الوسطى، ويتضح ذلك بوجه خاص في المدرستين الكلاسيكية والرومانسية في فن التصوير. وفي عام 1940 بدأت مرحلة التصوير الفوتوغرافي التسجيلي والأخباري، بمعنى أنه ظهر لأول مرة فريق من المصورين الذين وجهوا عنايتهم إلى الموضوعات التسجيلية أكثر من الموضوعات الجمالية، وتعتبر هذه المدرسة الأخيرة نواة فن التصوير الصحفي.
وقد كان المصور مورس1 "وهو مخترع التلغراف" الرائد الأول لهذا الفن التسجيلي، فقد التقط سنة 1840 صورة تذكارية لزملائه الذين كانوا يتلقون العلم معه بجامعة بيل. وفي سنة 1841 ظهر المصوران النمساويان جوزيف ناترر ويوهان ناترر2 اللذان التقطا صورة لحرس الإمبراطور جوزيف في مدينة فيينا. وفي عام 1841 أيضا أو لعله في العام التالي التقط المصور النمساوي رايسر3 مجموعة مكونة من 14 صورة حول الاحتفالات العسكرية التي أقيمت بمدينة لينتز4 بالنمسا، وهي مجموعة أخبارية من الطراز الأول. وفي سنة 1842، التقط المصور الألماني هرمان بيو5 مجموعة صور بلغ عددها 46 صورة عن الحريق المدمر الذي شب في مدينة هامبورج. وفي سنة 1849، قام الكاتب الروائي الفرنسي ذائع الصيت جوستاف فلوبير6 ومعه المصور ماكسيم دي كامب7 بزيارة مصر والسودان، حيث التقطا مجموعة من الصور الرائعة التي تبين عظمة الفن الفرعوني القديم. وتعتبر هذه الصور من الوثائق الهامة التي يعتز بها مؤرخ فن التصوير الصحفي، كما يلاحظ أن هذين الزائرين هما أول كاتب ومصور يعملان معا على النحو الذي نجده في الصحافة الحديثة عندما يقوم المخبر الصحفي والمصور معا بجلب الأخبار المصورة.
وقد قام المصور الإسكتلندي بيازا سميث8 برحلة إلى مصر سنة 1891، التقط أثناءها صورا بديعة للأهرام بآلة تصوير طريفة لعلها الأولى من نوعها، إذ تعد بحق أول آلة تصوير من النوع الصغير، وقد كانت سلبياته مغطاة بالكلوديون الرطب ومساحة الواحدة منها لا تزيد عن البوصة المربعة. أما العدسة المستعملة في آلته فقد كانت خالية من العيوب تقريبا، وبعدها البؤري 13/ 4 بوصة وفتحتها 4.5. وبلغت براعة هذا المصور الفنان حدا رائعا؛ إذ إنه ابتكر طريقة فذة تجعل القافل يعطي مدة تعريض سريعة للتصوير على غرار طريقة القافل الستاري الخلفي الحديث.
وقد كانت محاكاة المصورين للوحات الزيتية التي رسمها كبار الفنانين التشكيليين مثلا أعلى يسعى إليه الجميع في كل المراحل السابقة. ومن الطريف أن هؤلاء المصورين التسجيليين والمحترفين كانوا يرسلون شعرهم طويلا ويلبسون ملابس زاهية الألوان، مقلدين في ذلك أهل الفن في زيهم كما كانوا يقلدونهم في فنهم. ويمكن القول بوجه عام أن الموضوعات الرئيسية التي كانت تدور حولها الصور الملتقطة في منتصف القرن التاسع عشر هي حوادث المصادمات بالسكك الحديدية وغيرها، وإطلاق البالونات، والحرائق الكبيرة وغيرها من الحوادث الهامة. ومن الجدير بالذكر أن المصور فنتون1 قام بالتقاط عدة صور عن حرب القرم، وقد نشرت هذه الصور في جريدة اللستريتيد لندن نيوز2، كما قام المصور الصحفي برادي3 بالتقاط عدة صور عن الحرب الأهلية في أمريكا وقد نشرت في مجلة هاربرز ويكلي4، في ستينات القرن الماضي.
ثم كان لاكتشاف صناعة الأنماط أثره البالغ في التصوير الصحفي، فقد أصبح المصور كالمندوب يعنى بالسبق ويفضل التقاط الصور بنفس المقاسات الصالحة للنشر حتى لا يضيع الوقت في التكبير أو التصغير. وبدأت بذلك مرحلة جديدة تحول فيها الاهتمام من النواحي الجمالية الخالصة إلى النواحي الإعلامية، فتلاحظ مثلا أن مشكلات التكوين والإضاءة والنسب وغيرها من المعايير الجمالية كانت تأتي في المرتبة الثانية بعد القيمة الأخبارية للصورة. وهكذا نستطيع القول أن هذا العصر قد شهد مولد الإحساس الإعلامي والقيم الصحفية للتصوير، يضاف إلى ذلك اهتمام المصور بالسبق الصحفي، مما كان يتطلب يقظة تامة وانتباها مركزا. غير أننا إذا دققنا النظر في صور ذلك العصر المتقدم وجدنا أنها كانت تفتقر إلى الحركة، اللهم إلا إذا ساعدت الطبيعة نفسها على تصوير مناظر تأتي فيها الحركة عفوا، أو أن يكون الموضوع مليئا بالحركة، بحكم الضرورة، كحوادث المصادمات والحريق والفيضانات والزلازل وغيرها. وفيما عدا ذلك كانت الصورة جامدة تعوزها الحركة.
وثمة ملاحظة أخرى على فن التصوير الصحفي في ذلك العصر، فقد دأب الصحفيون على تقليد بعضهم البعض حتى إن الصور ظلت مكبلة بأغلال التقاليد المتوارثة عاما بعد عام، فإذا أراد الصحفي أن يلتقط صورة معبرة عن بداية العام الجديد لجأ إلى نفس الحيلة المعهودة وهي تصوير طفل وليد ينظر من خلال نتيجة العام الجديد. وإذا أراد التقاط صورة لفريق كرة القدم لجأ إلى حيلة أخرى معروفة وهي تصوير أعضاء الفريق جميعا وهم واقفون بين ساقي رئيس الفريق في وسط الملعب. أما صور المجموعات، فقد كانت مصطنعة ومليئة بالجمود، فترى الأشخاص محملقين إلى العدسة بطريقة غير طبيعية. فلا ينخدع إلا أشد القراء سذاجة بالصورة المفتعلة التي تمثل أحد المشاهير يحيي جمهورا من المسئولين، أو أحد الرياضيين وهو يمسك الكرة بينما يتطلع بملء وجهه إلى عدسة جهاز التصوير، والفتاة الجالسة على كتلة من الثلج للفرار من حر أغسطس. وما أشبه هذه الصور التقليدية بالمحسنات البديعة المألوفة في التعبير اللغوي التي كان لا بد للفن الصحفي أن يتجاوزها إلى التعبير الواقعي الحي الأصيل.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)