المنشورات
خصائص الصورة الصحفية:
ولعل أهم ما يميز التصوير أنه فن هادف له أغراضه المحددة، كما أنه يرتبط بالواقع، ويرمي إلى الخوض في الحقائق والمجريات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المحيطة بنا. وإذا كان الفنان ينظر إلى الصورة على أنها وسيلة من وسائل التعبير الجمالي، فإن الصحفي ينظر إليها على أنها وسيلة من وسائل الإعلام، وهي على ذلك تدخل في نطاق الفن التطبيقي لا الفن الجميل. فالقيم الجمالية المجردة التي تهم الفنان وتجعل من الصورة لوحة متكاملة فنيا قد تصبح بالنسبة للصحفي تزيد لا داعي لوجود، بل لا بد من الاستغناء عنه، حتى تتركز الصورة في القيم الإخبارية الصحفية دون غيرها. فالمنظر الخلفي أو الأرضية كالسماء الزرقاء أو الأشجار تؤدي وظيفة فنية في التصوير الجميل، ولكنها تعوق الوظيفة الإخبارية، مما يجعل المخرج الصحفي يبادر إلى قص هذه الزيادات والاستغناء عنها، حتى لا تشوش على القارئ أو تشتت انتباهه إلى نواحي أخرى لا لزوم لها. فالمصور الصحفي يتأكد دائما من أن كل تفصيل يسهم في المعنى المحوري للصورة، وبالتالي ينبغي أن يحذف كل تفصيل ينتقص من هذا المعنى المحوري. فإذا كانت هناك حاملة معاطف وراء منضدة الاجتماع، وجب أن تزال من مكانها، وإذا كانت على المنضدة مجموعة من الأوراق مستقرة بإهمال على طرفها، وجب دفعها إلى وسط المنضدة لإعطائها ما يوحي بأن استعمالها فوري وشيك، وإذا ما كانت في خلفية الصورة نافذة تكشف عن تفصيل يصرف النظر عن الموضوع الرئيسي، وجبت إزاحة المنضدة فورا حتى لا تظهر النافذة. وذلك أن التفصيلات كلها يجب أن تنطق بلسان واحد هو الفكرة الأساسية المحورية أو الموضوع المراد نقله إلى الجماهير.
وغالبا ما يطرح المتهم بالتصوير هذا السؤال: ما الذي يجعل الصورة الصحفية ناجحة؟ ولما كان التصوير فنا ابتكاريا خلاقا، فإنه من الصعب الإجابة عن هذا السؤال بمجرد وضع مجموعة قواعد أو إيراد قائمة ببعض الخصائص. ولكن مما لا شك فيه أن هناك معايير إيجابية وموضوعية للصورة الصحفية الناجحة يمكن الوصول إليها من دراسة الصور المؤثرة بشكل حقيقي صادق. فأولا يجب أن يكون لكل صورة سبب وجيه في وجودها؛ لأن فن التصوير الصحفي فن وظيفي هادف، بمعنى أن كل عنصر يمكن إلغاؤه دون مساس بالجوهر يجب حذفه، حتى لا تترك شكا في ذهن القارئ حيال وجاهة وجود الصورة في الجريدة. فالقارئ لا بد أن يشعر أن كل صورة قد اختيرت نتيجة دراسة وفحص دقيق لكثير من اللقطات. ولا بد كذلك من جعله يشعر أن كل صورة تملأ في الجريدة مكانا بحث أمره بعناية. ويجب ألا يساوره إطلاقا الشعور بأن الصور هي لسد الفراغ ليس إلا، وإنها زرعت كيفما اتفق في مختلف الصفحات. وقد قلنا إن تفاصيل الصورة لا بد وأن تؤكد الفكرة المحورية، ولا يجوز التقاط التفاصيل التي تشتت الذهن، كما ينبغي الابتعاد عن الصورة الجامدة المصطنعة المتكلفة.
ويراعى دائما أن يكون الموضوع الرئيسي للصورة في محورها البصري، وبهذه الطريقة تبقى عين القارئ مثبتة على موضوع التأكيد والإبراز؛ إذ إن شرود عين القارئ إلى جنبات الصفحة وتشتيت ذهنه إلى نواحي أخرى يعد ضعفا في التصوير. وتستخدم عوامل التباين في الحجم والضوء لإبراز الموضوع الرئيسي. فإذا كانت ربة البيت ذات الذوق السليم قلما تفرش غرفة ما بأثاث أحمر اللون كليا مع "ديكور" أحمر كليا، وإنما تبذل جهدها لتحقيق مجموعات لونية متناسقة جذابة، فإن هذا المبدأ ينطبق أيضا على التصوير حيث لا يمكن للستارة البيضاء أن تقدم تباينا يذكر لصورة رجل بملابس فاتحة اللون.
والوضوح من خصائص الصورة الصحفية، كما هو من خصائص الأسلوب الصحفي، فيجب على الصحفي أن يبدد كل شك أو لبس في المعنى المقصود. وهذا الوضع ينطوي على صعوبة خاصة عندما يقتضي الأمر إظهار شخص في صورة ما ومعه شيء صغير الحجم كقطعة مجوهرات مثلا. فالموظف الكبير الذي يهدى في حفل تكريمه، بمناسبة إحالته إلى المعاش، دبوسا ذهبيا، يجب ألا يظهره المصور وهو يحمل الدبوس لأن حجمه ولونه يجعلان ظهوره شيئا يقرب من المستحيل. وهنا يجب على المصور أن يلتقط صورة لشخص آخر يعلق له الدبوس في رابطة عنقه مثلا أو يقوم بأي حركة تنفق بتقديم الدبوس إليه في علبة فاخرة. وينبغي على المصور أيضا أن يتجنب ظهور أشخاص ثانويين بوجوه جانبية أو بأجزاء من وجوههم. فالهاوي هو الذي يجعل رءوس الجالسين في الصف الثاني ظاهرة في الصورة، أما المصور المحترف فلا يمكن أن يرتكب مثل هذا الخطأ. ولتقدير الفرق بين التصوير الفني الرفيع وعمل الهواة العاديين، يمكن مقارنة الصور في صحيفة بارزة كبرى بالصور في صحيفة مدرسية أو غيرها من المطبوعات التي يفتقر فيها المصورون إلى الخبرة والموهبة.
والدقة من أهم خصائص الصورة الصحفية وأصعبها، فلقد ولت أيام اللقطات المصطنعة والصور الزائفة، أما الصورة الجيدة فهي التي تنطوي على الواقعية والصدق، ويجب أن تبدو كأنها التقطت دون إنذار مسبق، أي أن المصور التقطها في اللحظة المناسبة تماما. إلا أن خاصية الدقة والصدق عسيرة التحقيق في الحالات التي تقتضي تصوير المواطن العادي. ومن الأمثلة على ذلك حالة زوجين مغمورين ربحا خمسة آلاف جنيه من شهادات الاستثمار وأرادت الصحيفة أن تنشر لهما صورة على ثلاثة أعمدة تعبر عن فرحتهما، ففي هذه الحالة يضطر المصور إلى أن يمضي ساعات دون أن يحصل على لقطة صالحة للنشر الصحفي إذا لم يكن الزوجان من أصحاب المواهب التمثيلية -ونادرا ما يكونان كذلك. وهكذا كم يتمنى المصورون المحنكون المنتدبون للقيام بمثل هذه المهمة أن يكون يومهم ذاك يوم عطلتهم الأسبوعية1.
وينبغي كذلك أن يكون الصورة متفقة مع سياسة الصحيفة، فهناك صحف تنشر أخبار الطلاق مثلا على الصفحات الأولى مدعمة بالصور. في حين أن صحفا أخرى لا تنشرها إلا في صفحاتها الداخلية أو لا تنشرها إطلاقا. والصورة الصحفية الناجحة هي التي تثير انتباه القارئ، وتجعله يهتم بمحتوياتها دون أن تؤذي الذوق السليم. فالصور الفاضحة، وصور القتلى والجرحى والمشوهين تبعث على الاشمئزاز والنفور، والصحفي الناجح هو الذي يشعر بمسئوليته الكبرى إزاء الرأي العام وسلامة المجتمع الذي يعيش فيه.
وقصارى القول، أن فن التصوير الصحفي الحديث ينبذ الأخيلة والأحلام ويتشبث بالواقع، أما الصور الخيالية فقد يكون مكانها معارض الفنون دون الصحف؛ لأن الصحافة تهتم بأمور الحياة اليومية الواقعية، فالصورة الصحفية تشبه الخبر والمقال والتحقيق، أما الصورة الجمالية فهي تشبه الشعر والقصة الأدبية والمسرحية. فالتصوير الصحفي إذن فن واقعي يتصل بالقيم الاجتماعية ويؤثر في أفكار الناس ومعتقداتهم. وما دام الإنسان يثور بطبيعته ضد الظلم، فإنه يجد في آله التصوير ما يجده الكاتب في قلمه والفنان في فرشاته والمحارب في سلاحه، فرصا سانحة ووسائل طيعة للكفاح ونصرة الإنسان وتقدم الحضارة.. فالقاعدة الهامة في فن التصوير الصحفي أنه لا يصور مجرد أشباح أو مناظر فحسب، ولكنه يقوم بمهمة هادفة. أما الصور عديمة المغزى فلا تدخل في نطاق فن التصوير الصحفي.
مصادر و المراجع :
١-دراسات في الفن الصحفي
المؤلف: إبراهيم إمام
الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية
28 نوفمبر 2024
تعليقات (0)